يعمل الذكاء الاصطناعي على تحويل المشهد الذي نفكر به وكيفية معالجة وتحليل البيانات. يتصدر هذا التحول في الفكر "مختبر الذكاء الاصطناعي من أجل الخير" من مايكروسوفت، والذي يستخدم الذكاء الاصطناعي لجمع المزيد من البيانات لأغراض مختلفة مثل الأزمات وتغير المناخ، على أمل تقليل الوقت المستغرق للاستجابة في اللحظات الحاسمة. ويعمل على ذلك فريق من العلماء والباحثين في مجالات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والنمذجة الإحصائية بقيادة خوان م. لافيستا فيريس، نائب الرئيس التنفيذي ورئيس علماء البيانات في "مختبر الذكاء الاصطناعي من أجل الخير" في مايكروسوفت. وتساهم قيادته التحريرية في تشكيل مجلة مايكروسوفت للأبحاث التطبيقية (MSJAR)، مما يساعد على تعريف الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات داخل الشركة.
وتحدث إلينا عن الخطوات التي تتخذها الشركة لإيجاد طرق جديدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، ما الذي ينقصه، وكيف يمكن أن يساعدنا على التعافي بشكل أسرع في حالة ظهور جائحة أخرى.
مقتطفات من المقابلة:
إن تطبيق الذكاء الاصطناعي لحل مشاكلنا العالمية الجماعية هو مسعى نبيل. أنا متأكد من أن كتابك "الذكاء الاصطناعي من أجل الخير" يلهم العديد من الناس. أخبرنا ما الذي ألهمك للعمل في هذا المجال؟
في بداية مسيرتي المهنية، عملت في بنك التنمية للبلدان الأمريكية، حيث شاركت في توفير البيانات لقياس تأثير المشاريع في البلدان النامية في مجالات مثل الصحة والتعليم والصرف الصحي. ما ألهمني هو رؤية كيف يمكن للتكنولوجيا أن تدفع التغيير الهادف في المجتمعات المحرومة. لقد أظهرت لي هذه التجربة قوة البيانات والابتكار في حل التحديات في العالم الحقيقي، وأصبحت الأساس لشغفي في الاستفادة من التكنولوجيا - وخاصة الذكاء الاصطناعي - لإحداث تأثير إيجابي على العالم.
مختبر الذكاء الاصطناعي من أجل الخير التابع لشركة مايكروسوفت يساعد المؤسسات على مواجهة التحديات المتعلقة بالرعاية الصحية والاستدامة وتغير المناخ وغيرها من القضايا الإنسانية. كيف يمكن استغلال الذكاء الاصطناعي لضمان استعداد أفضل للأوبئة؟
يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً حاسماً في تعزيز الاستعداد للوباء من خلال تحسين الكشف المبكر وأوقات الاستجابة وتخصيص الموارد. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من البيانات في الوقت الفعلي من مصادر مثل السجلات الصحية ووسائل التواصل الاجتماعي والعوامل البيئية لرصد الأوبئة المحتملة قبل انتشارها. من خلال الاستفادة من التحليلات التنبؤية، يساعد الذكاء الاصطناعي الحكومات والمنظمات الصحية على توقع احتياجات الرعاية الصحية، وتمكين التدخلات في الوقت المناسب مثل توزيع اللقاحات والتخطيط لاستخدام موارد المستشفيات والتواصل الصحي العام. أثناء جائحة كوفيد-19، تعاون مختبر الذكاء الاصطناعي من أجل الخير التابع لشركة مايكروسوفت مع شركاء عالميين لتطوير حلول عززت هذه الجهود، مما أدى إلى إنشاء نظام رعاية صحية أكثر مرونة واستجابة للأوبئة المستقبلية.
لقد قطع الذكاء الاصطناعي شوطاً طويلاً في السنوات العشر الماضية. هل تظن أن هناك أي كوارث طبيعية حدثت في الماضي حيث كان من الممكن لقدرات البيانات الضخمة الموجودة اليوم أن تساعد في إعادة البناء بشكل أسرع؟
لقد تطور الذكاء الاصطناعي بشكل كبير خلال العقد الماضي، وقد تكون قدراته اليوم قادرة على تحسين الاستعداد للكوارث والاستجابة لها بشكل كبير في الأحداث الماضية. اسمحوا لي أن أشير إلى منطقتين رئيسيتين حيث مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة عوامل تغيير هامة.
التقييم السريع للكوارث: اليوم، يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي التي تستفيد من بيانات الأقمار الصناعية عالية الدقة أن توفر تقييمات للكوارث في وقت حدوثها تقريباً. هذه الخرائط التفصيلية، التي كانت تستغرق أسابيع لتجميعها، يمكن أن تكون متاحة الآن في غضون ساعات. يسمح ذلك لفرق الاستجابة على الأرض بتقييم الأضرار وتخصيص الموارد بكفاءة واستهداف المناطق المحتاجة للمساعدة الفورية. إن القدرة على إنشاء خرائط دقيقة بسرعة للمناطق المتضررة تعني أنه يمكن حشد جهود الإغاثة بشكل أسرع، مما يقلل من خسائر الأرواح ويسرع عملية إعادة البناء.
الاستعداد للكوارث ورصد المخاطر: يلعب الذكاء الاصطناعي أيضاً دوراً حاسماً في الاستعداد للكوارث من خلال معالجة الأسئلة الأساسية حول توزيع السكان والتعرض للمخاطر. يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي الحديثة تحليل العوامل البيئية مثل مناطق الفيضانات أو المناطق المعرضة لموجات الحر لتحديد من هم الأكثر عرضة للخطر. سيساعد ذلك الحكومات والمنظمات الإنسانية على إعطاء الأولوية للمجتمعات الضعيفة وتخصيص الموارد بشكل استباقي وتصميم استراتيجيات استجابة أكثر فعالية. في الماضي، كان رصد مكان إقامة الناس ومن هم المعرضون للخطر يمثل تحدياً كبيراً، ولكن أنظمة الذكاء الاصطناعي اليوم يمكنها توفير هذه المعلومات بدقة غير مسبوقة.
ومن خلال الاستفادة من هذه القدرات، لا يعمل الذكاء الاصطناعي على تحسين كيفية استجابتنا للكوارث فحسب، بل يعمل أيضاً على تغيير كيفية التخطيط والاستعداد لها، مما يجعل المجتمعات أكثر قدرة على الصمود.
هل برأيك أن هناك أي مجالات حالية أو مستقبلية حيث يوجد نقص في جمع البيانات أو التحليل الذي يمكن أن يساعد في تمكين نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية لدينا؟
إن أحد المجالات المهمة التي نفتقر فيها إلى البيانات هو سيناريوهات إمكانية الوصول. في الوقت الحالي، يوجد حوالي 1.3 مليار شخص حول العالم من ذوي الإعاقة، ومع ذلك تجد العديد من أنظمة الذكاء الاصطناعي صعوبة في معالجة احتياجاتهم بدقة بسبب عدم كفاية البيانات. وفي حين أن التقدم في النماذج اللغوية الكبيرة والذكاء الاصطناعي المتعدد الوسائط يتخذ خطوات كبيرة في التغلب على بعض من هذه الفجوات، إلا أن العديد من سيناريوهات إمكانية الوصول لا تزال تفتقر للبيانات. ومن المهم جداً أن يدرك الناس قيمة هذه البيانات وأن يستثمروا في بناء مجموعات بيانات أكثر شمولاً لضمان قدرة الذكاء الاصطناعي على دعم احتياجات إمكانية الوصول بشكل كامل. إن تمكين نماذج الذكاء الاصطناعي ببيانات متنوعة تمثل هذا المجال بشكل أفضل هو مفتاح إنشاء تقنيات شاملة تخدم الجميع.
سيؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. هل يمكنك أن تخبرنا عن التقنيات المتاحة حالياً في مختبر الذكاء الاصطناعي من أجل الخير والتي من شأنها أن تساعدنا في التعامل مع التحديات الناجمة عن ذلك؟
تمثل موجات الحر تحدياً كبيراً وهي غالباً لا تحظى بالاهتمام الكافي، على الرغم من آثارها المدمرة. وجدت دراسة أنه من عام 2000 إلى عام 2019، حدثت ما يقرب من نصف مليون حالة وفاة مرتبطة بالحرارة كل عام. واستجابة لهذا التهديد المتزايد، كان مختبر الذكاء الاصطناعي من أجل الخير يستفيد من الذكاء الاصطناعي وصور الأقمار الصناعية لمعالجة الأمر. على سبيل المثال، بالتعاون مع "سيدز" (SEEDS) في الهند، استخدمنا بيانات الأقمار الصناعية عالية الدقة لتحليل المواد المستخدمة في بناء المنازل، مع التركيز بشكل خاص على أسطح المباني. من خلال تحديد الهياكل الأكثر عرضة لارتفاع درجة الحرارة، يمكننا التنبؤ بشكل أفضل بالأسر التي ستكون أكثر عرضة للخطر أثناء موجات الحر. يمكن بعد ذلك استخدام هذه المعلومات لتوجيه التدخلات المستهدفة، مثل توفير موارد التبريد أو تقديم المشورة بشأن مواد البناء المقاومة للحرارة، مما يساعد في النهاية على تقليل المخاطر الصحية التي تطوي عليها درجات الحرارة العالية جداً.
إن الأدوات التي يوفرها مختبر الذكاء الاصطناعي من أجل الخير ضرورية للتنبؤ بمخاطر المناخ. ومع ذلك، فإن البنية الأساسية اللازمة لتشغيل وصيانة وتحسين الموارد الحسابية لنماذج الذكاء الاصطناعي لها بصمة كربونية خاصة بها. هل يمكنك أن تخبرنا كيف يعمل مختبر الذكاء الاصطناعي من أجل الخير على الحد من التأثير البيئي المرتبط باحتياجات الذكاء الاصطناعي من الطاقة؟
رغم أن نماذج الذكاء الاصطناعي لها فوائد هائلة في معالجة التحديات العالمية، إلا أنها تساهم أيضاً في الانبعاثات. وفقاً للوكالة الدولية للطاقة، تشكل نماذج الذكاء الاصطناعي مجتمعة ما يقرب من 0.01% من الانبعاثات العالمية اليوم. ورغم أن هذا الرقم صغير نسبياً، فإنه آخذ في النمو، وقد يصبح التأثير المحتمل كبيراً مع توسع تبني الذكاء الاصطناعي.
في مختبر الذكاء الاصطناعي من أجل الخير، نعمل بجد على معالجة هذه المشكلة. يتم تدريب غالبية نماذجنا ونشرها في مراكز بيانات مايكروسوفت، والتي تعمل معظمها بالطاقة المتجددة بنسبة 100% ومصممة لتعمل بكفاءة عالية فيما يتعلق باستخدام الطاقة. بالإضافة إلى ذلك، حددت مايكروسوفت هدفاً جريئاً لتصبح خالية من الكربون بحلول عام 2030، مما يعني أننا سنزيل المزيد من الكربون من البيئة أكثر مما نصدره.
تُمكِّن البيانات الضخمة الخوارزميات التي تدعم نماذج الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، ارتبط جمع البيانات الضخمة بالتعدي على خصوصية المستخدم. هل يمكنك أن تخبرنا كيف يحافظ مختبر الذكاء الاصطناعي من أجل الخير على احترام خصوصية المستخدم مع تحسين خوارزمياته، وخاصة في مجالات مثل الرعاية الصحية التشخيصية؟
في مايكروسوفت، نؤمن بأن الخصوصية حق أساسي من حقوق الإنسان، ونصمم أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بنا مع مراعاة حماية الخصوصية في المقام الأول. ويضمن مختبر الذكاء الاصطناعي من أجل الخير الخصوصية من خلال تطبيق العديد من الممارسات الرئيسية:
1. إخفاء هوية البيانات: نقوم بإخفاء هوية البيانات وإزالة التعريف عنها لحماية هويات الأفراد.
2. الخصوصية التفاضلية: نستخدم تقنيات تسمح لنا بالحصول على رؤى من البيانات دون الكشف عن المعلومات الشخصية.
3. تقليل البيانات المستخدمة وحسن الإدارة: نحن نجمع البيانات الضرورية فقط، مع الالتزام باللوائح العالمية الصارمة مثل "النظام الأوروبي العام لحماية البيانات" (GDPR) و "قانون نقل التأمين الصحي والمساءلة" (HIPAA).
4. التحكم والشفافية من جانب المستخدم: نحن نضمن الشفافية في كيفية استخدام البيانات ونمنح المستخدمين القدرة على التحكم في معلوماتهم.
5. البنية التحتية الآمنة: تتم معالجة جميع البيانات في البنية التحتية لـ مايكروسوفت وهي آمنة ومتوافقة مع شروط الخصوصية باستخدام التشفير.
ومن خلال تضمين حماية الخصوصية هذه، يمكننا تطوير الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول دون المساس بخصوصية المستخدم.
في بعض الأحيان، وردت تقارير تفيد بأن النماذج اللغوية الكبيرة تقدم استجابات خاطئة. فكيف يحمي مختبر الذكاء الاصطناعي من هذه الحالات، وخاصة في العمل المرتبط بالأزمات مع منظمات مثل منظمة الصليب الأحمر الأمريكي؟
إن نماذج اللغة الكبيرة قوية جداً، لكنها ليست مناسبة دائماً لكل سيناريو. وينطق ذلك تحديداً عندما يكون خطر المعلومات الكاذبة قد يؤدي إلى عواقب وخيمة. في عملنا مع منظمات مثل الصليب الأحمر الأمريكي، نعطي الأولوية للدقة والموثوقية، ولهذا السبب غالباً ما نعتمد على نماذج الذكاء الاصطناعي التقليدية، مثل الرؤية الحاسوبية، بدلاً من نماذج اللغة الكبيرة. على سبيل المثال، في جهود الاستجابة للأزمات، نستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل صور الأقمار الصناعية وتحديد البنية التحتية الحيوية أو المناطق المتضررة من الكوارث. يضمن هذا النهج أن تكون المعلومات التي نقدمها مبنية على نماذج مثبتة ودقيقة للغاية، مما يقلل من خطر حدوث أخطاء.
في الوقت الحالي، هل أنتم تعملون على أي مبادرات بالتعاون مع المنظمات المحلية؟ هل هناك أي منظمات محلية ترغبون في العمل معها؟
يشكل التعاون مع المؤسسات المحلية جوهر الكثير من العمل الذي نقوم به في مختبر الذكاء الاصطناعي من أجل الخير. إن الشراكة مع المنظمات على أرض الواقع هو أمر بالغ الأهمية لإنشاء حلول بالتعاون مع المجتمعات التي نخدمها وأن يكون لها تأثير مفيد ومستدام.
ومن الأمثلة على ذلك شراكتنا مع "الصندوق الائتماني للحياة البرية في كينيا" و "مؤسسة سميثسونيان"، حيث نتعاون لتطوير حل قائم على البيانات للتنافس على الموارد بين الرعاة والحياة البرية في منطقة ماساي مارا في كينيا.
نشكرك على وقتك معنا، خوان. سؤال أخير؛ كيف يمكن لرواد الأعمال في مجال العمل الاجتماعي والمنظمات غير الربحية هنا في الإمارات العربية المتحدة التواصل مع مختبر الذكاء الاصطناعي من أجل الخير؟
أعلنا مؤخراً مع شركائنا في "G42" أننا سنقوم قريباً بتوسيع مختبر أبحاث الذكاء الاصطناعي من أجل الخير في أبوظبي. ونتوقع أن يوفر ذلك العديد من الفرص أمام رواد الأعمال في مجال العمل الاجتماعي والمنظمات غير الربحية في الإمارات العربية المتحدة للتواصل معنا. وسنتحدث عن ذلك بمزيد من التفصيل قريباً.