أكد مسؤول كبير أن الذكاء الاصطناعي التوليدي، مقترناً بتقنيات راسخة مثل أتمتة العمليات الروبوتية والتعلم الآلي، يمتلك القدرة على إحداث ثورة في عالم العمل، ليس فقط من خلال تعزيز الأداء البشري، بل أيضاً عبر استبداله في العديد من المهام، خاصة تلك التي تعتمد على تحليل البيانات وتجميعها، كإنشاء المحتوى، ودعم العملاء، وحتى بعض الجوانب من تطوير البرمجيات.
مع أن هذا التطور قد يحقق مكاسب كبيرة في الكفاءة، ويتيح للموظفين التركيز على المهام الأهم، إلا أنه قد يؤثر على فرص العمل في العديد من الوظائف، وخاصة المكتبية منها. وقال "رافين جيسوثاسان"، الرئيس العالمي لقسم خدمات التحول في "ميرسر": "في الوقت ذاته، نشهد تزايداً ملحوظاً في الطلب على متخصصي الذكاء الاصطناعي وعلماء البيانات ومهندسي التعلم الآلي، حيث تتسابق الشركات لجذب الكفاءات اللازمة لبناء وإدارة وتحسين أنظمة الذكاء الاصطناعي. ويبحث أصحاب العمل في الإمارات العربية المتحدة بشكل كبير عن مرشحين يتمتعون بمهارات رقمية متقدمة، تشمل إتقان وسائل التواصل الاجتماعي، والقدرة على التعامل مع الأدوات والمنصات عبر الإنترنت، والمهارات الأساسية للعمل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي ونماذج اللغة الكبيرة."
وفي نهاية المطاف، يتوقف تأثير هذه التقنيات في سوق العمل على مدى تكيف المنظمات والأفراد معها، مع التركيز على أهمية رفع المهارات وإعادة التأهيل في ظل هذا المشهد الرقمي المتسارع. ومع تزايد اهتمام أصحاب العمل بالأفراد ذوي المهارات المتنوعة والمرونة في مواكبة متطلبات الصناعة المتغيرة، سنشهد تحولاً نحو التوظيف القائم على المهارات. سيؤدي ذلك إلى تركيز متجدد على التعلم مدى الحياة، وتطوير المهارات بشكل مستمر، وتزويد الأفراد بالأدوات اللازمة للبقاء قادرين على المنافسة في سوق العمل.
وقد نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة في ترسيخ مكانتها كقائد عالمي في مجال الذكاء الاصطناعي كجزء من استراتيجيتها الطموحة في هذا المجال، مؤكدة بذلك التزامها الراسخ بالابتكار والتحول الاقتصادي. وتدعم الحكومة برامج تدريبية متنوعة تهدف إلى سد فجوات المهارات، وتأهيل القوى العاملة لدمج الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، إدراكاً منها بأن تحقيق الإمكانات الكاملة لهذه التقنية يتطلب تصميماً مدروساً يركز على الإنسان.
واستطرد "جيسوثاسان" قائلاً: "مع أننا سنشهد تأثيراً للذكاء الاصطناعي على الوظائف التي تتضمن مهاماً روتينية يسهل أتمتتها، إلا أننا سنرى أيضاً تحولاً في أنواع الوظائف الجديدة التي تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة بنشاط إلى توفيرها، مصحوباً بتأثير إيجابي على الإنتاجية والإبداع."
يُعدّ الذكاء الاصطناعي التوليدي أداة فاعلة في إضفاء الطابع الديمقراطي على المعرفة والإبداع، من خلال توسيع نطاق الوصول إليهما، وتقليل الحاجة إلى المهارات المتخصصة التي كانت تُطلب تقليدياً للعديد من المهام الإبداعية. ويساهم ذلك في تحقيق مكاسب كبيرة في الإنتاجية، والوصول إلى حلول مبتكرة للمشكلات. وتصبح هذه التقنية أكثر قيمة في تعزيز الإنتاجية عندما يكون التسامح مع المخاطر مرتفعاً (أي عندما تكون عواقب الخطأ منخفضة). وتتنوع حالات الاستخدام الناجحة من كتابة المحتوى إلى عمليات مركز الاتصال، حيث أثبتت فعالية كبيرة في تعزيز الإنتاجية، خاصة للمواهب الأقل خبرة، لأنه يساعد في تقليل "علاوة الخبرة".
وأضاف "جيسوثاسان": "لذا، يتعين على قادة الأعمال إدراك متى يعتمدون على الذكاء الاصطناعي التوليدي ومتى يتجنبون ذلك، وتحديد الدور الذي يجب أن يلعبه في استبدال أو تعزيز العمل البشري. وهناك خطوات أساسية ينبغي على الشركات اتخاذها الآن، مثل بناء نموذج عمل يدمج الذكاء الاصطناعي، وتطوير المهارات المستقبلية مع مراعاة تطورات هذه التقنية. كما تحتاج الشركات إلى رفع مهارات موظفيها وإعادة تأهيلهم للتكيف مع تقدم الذكاء الاصطناعي، وتكييف الأدوار والمهارات لتشمل التعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي."
علاوة على ذلك، من الضروري للشركات أن تشجع على التحول في ثقافتها المؤسسية، وأن تتبنى عقلية الابتكار المستمر، للاستفادة الكاملة من إمكانيات الذكاء الاصطناعي في إضفاء الطابع الديمقراطي على المعرفة والإبداع.
وشدد "جيسوثاسان" على ضرورة إدراك القادة لتكلفة جميع مواردهم، سواءً أكانت بشرية أم آلية. وأوضح قائلاً: "هذا يعني تحديد تكلفة جميع خيارات العمل (على سبيل المثال، الموظفين، والعاملين المؤقتين، والعمالة المستعانة بمصادر خارجية، وأتمتة العمليات، والذكاء الاصطناعي، وما إلى ذلك) على أساس متكافئ من خلال مقياس موحد مثل التكلفة الإجمالية للعمل".
تُعرّف التكلفة الإجمالية للعمل بأنها مجموع تكلفة العمالة (مثل الموظفين بدوام كامل، والعمال الأحرار، والعمال المؤقتون)، مضافاً إليها تكلفة البائع (مثل تكلفة الاستعانة بمصادر خارجية، وتكلفة بائع الذكاء الاصطناعي والروبوتات)، بالإضافة إلى الرسوم الرأسمالية السنوية للاستثمارات الرأسمالية ذات الصلة (مثل الذكاء الاصطناعي أو الروبوتات التي طورتها الشركة، وحصص الأسهم في خيارات العمل الخاصة بأطراف ثالثة). وأكد "جيسوثاسان" على أهمية وضع جميع خيارات العمل على أساس قابل للمقارنة، لتجنب تشويه التحليل بسبب الاختلافات في المعالجة المحاسبية (على سبيل المثال، تُحمّل تكلفة العمالة على المصروفات، بينما يُرسمل الاستثمار في الروبوتات). وأضاف: "يجب ضرب تكلفة رأس مال الشركة في إجمالي الاستثمار الرأسمالي في خيارات العمل، مثل الذكاء الاصطناعي/الروبوتات والتحالفات، لتحديد الرسوم السنوية لاستخدام هذه الخيارات".