أصبحت "روبلوكس" أحد أكثر منصات الألعاب شعبية بين الأطفال والمراهقين وحتى البالغين مع قاعدة مستخدمين ضخمة تزيد عن 45 مليون مستخدم نشط يومياً.
وتقدم اللعبة عالماً افتراضياً متنوعاً حيث يمكن للاعبين المشاركة في العديد من التجارب - من لعب الأدوار وإنشاء ألعابهم الخاصة إلى التواصل مع الأصدقاء والغرباء. وعلى الرغم من إثارة تلك المغامرات الافتراضية إلى أنها تلوح في الأفق العديد من تهديدات الأمن السيبراني. ووفقاً للخبراء المقيمين في دبي، فإن هذه التهديدات مثيرة للقلق أكثر عندما يتعلق الأمر بالأطفال.
وكشف رياض كمال أيوب، المدير العام لمجموعة شركات رياض، أن "حوالي 90% من الأطفال الذين يشاركون في ألعاب عبر الإنترنت مثل روبلوكس قد شهدوا أو تعرضوا لشكل من أشكال التنمر. إن خاصية إخفاء الهوية التي توفرها هذه المنصات يجعل من الصعب التحكم في هذه التفاعلات أو حتى تتبعها". وهذا ما يخلق بيئة يمكن أن تنتشر فيها السلوكيات الضارة دون أن يتم اكتشافها.
كما أن الأطفال المشاركين في لعبة روبلوكس معرضون أيضاً لمجموعة أوسع من مخاطر الأمن السيبراني. وقد أشارت "إيرين كوربوز"، الشريكة المؤسسة وعضو مجلس إدارة رابطة نساء الشرق الأوسط للأمن السيبراني، إلى أن "أحد أكبر المخاوف هو انتشار التصيد الاحتيالي، وغالباً ما يهدف هذا النوع من الاحتيال لسرقة المعلومات الشخصية للأطفال أو بيانات اعتماد تسجيل الدخول عن طريق خداعهم للنقر على روابط خادعة أو تنزيل تطبيقات مزيفة".
وأشارت أيضاً إلى أن "الاعتداء عبر الإنترنت من خلال الدردشة أو الرسائل الخاصة يشكل خطراً كبيراً آخر، حيث يتعرض العديد من الأطفال للتنمر الإلكتروني أو حتى محاولات إقناعهم بالدخول في محادثات خطيرة".
وتحدث أيوب عن الأمر أيضاً، مشيراً إلى أن تزايد عمليات الاحتيال المتطورة أمر مثير للقلق. وأوضح: "تستهدف معظم عمليات الاحتيال الأطفال على منصات مثل روبلوكس ويحاولون خداعهم لتنزيل البرامج الضارة أو تقديم معلومات شخصية مقابل مكافآت غير حقيقية".
وصف أيوب كيف تتم عمليات الاحتيال هذه في كثير من الأحيان: "يمكن أن ترى رابطاً يعلن عن وجود "روبوكس" مجاني (العملة الافتراضية في لعبة روبلوكس) أو عناصر أخرى داخل اللعبة، ويأخذك الرابط إلى موقع يطلب منك اسم المستخدم ونظام التشغيل الخاص بك. ويطلب منك إدخال عدد العملات التي تريدها، وفجأة تظهر رسالة "الخطوة الأخيرة" وعندها يتم خداعك بمشاركة معلومات حساسة". وأشار أيوب إلى أن هذه الخطوة هامة جداً في استراتيجية الاحتيال تلك، حيث يستخدم المهاجمون هذه التفاصيل لاختراق الحسابات أو الوصول إلى المعلومات الشخصية.
ومن بين المخاوف الأكثر إثارة للقلق هي السلوكيات التي تهدف للاعتداء التي يمارسها بعض المستخدمين على روبلوكس. وأكدت كوربوز أن "المتحرشين غالباً ما يتظاهرون بأنهم أقران، ويعملون تدريجياً على بناء الثقة مع الأطفال. سيستخدمون الدردشة داخل اللعبة أو طلبات الصداقة أو الرسائل الخاصة لعزل اللاعبين الصغار والتلاعب بهم. وفي الحالات القصوى، يمكن أن يؤدي ذلك إلى محادثات غير لائقة أو طلبات للحصول على صور خاصة".
تحدث أيوب أيضاً عن جانب آخر مثير للقلق، وهو ظهور "ألعاب الشقق السكنية" على روبلوكس، حيث يتم إخفاء بعض المحتوى من البالغين، بما في ذلك اللغة البذيئة والمواد العنيفة أو الجنسية الصريحة. قال أيوب: "يتم إنشاء هذه المساحات الافتراضية من قبل المستخدمين الخبيثين الذين يجذبون الأطفال إلى بيئات تعينهم على الاعتداء". الأمر المثير للقلق هو مدى سهولة تعرض الأطفال لهذه المواقف، وكل ذلك تحت ستار اللعب البريء".
إن جزءاً كبيراً من جاذبية روبلوكس يكمن في العملة المستخدمة في اللعبة، روبوكس، والتي تسمح للاعبين بشراء العناصر والتحديثات الأخرى. ولكن ذلك يفتح مجال آخر للاحتيال. حذر أيوب الآباء من أن "المحتالين يستغلون رغبة الأطفال في الحصول على روبوكس من خلال إنشاء عروض مزيفة تخدعهم لمشاركة كلمات المرور الخاصة بهم أو معلومات بطاقات الائتمان. وبمجرد وصولهم إلى حساباتهم، يمكن للمحتالين سرقة روبوكس أو حتى فرض رسوم غير مصرح بها باستخدام طرق الدفع المتصلة".
وبحسب كوربوز، فإن هناك خطراً آخر يتعلق بالبرمجيات الخبيثة والفيروسات المتخفية في هيئة تعديلات داخل اللعبة. وقالت: "قد يقوم الأطفال بتنزيل ما يعتقدون أنه نموذج شرعي للعبة، مما يؤدي إلى إصابة أجهزتهم ببرامج ضارة مصممة لسرقة البيانات الحساسة أو التجسس على أنشطتهم". وكشف تقرير للأمن السيبراني صدر عام 2023 أن روبلوكس تحتل المرتبة الثالثة بين منصات الألعاب الأكثر استهدافاً بالبرمجيات الخبيثة.
لمكافحة هذه التهديدات، طبقت شركة روبلوكس العديد من تدابير السلامة، بما في ذلك أدوات الرقابة الأبوية والمشرفين البشريين وأنظمة تصفية المحتوى بالذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، حذرت كوربوز من أن هذه التدابير ليست مضمونة دائماً. وقالت: "في حين أن فلاتر المحتوى الخاصة بشركة روبلوكس تحجب قدراً كبيراً من المحتوى غير اللائق، إلا أنها لا تستطيع اكتشاف كل شيء".
وأكد أيوب على الحاجة إلى مزيد من التدابير التي تعزز الأمان، وخاصة مع ميزات مثل المصادقة متعددة العوامل (MFA). قال: "على العاملين على لعبة روبلوكس تحسين عمل أنظمة الأمان وخاصة بالنسبة لإصدار "Windows"، حيث قد تكون ميزة "الثقة بالجهاز" "Trust This Device" غير مناسبة. وهذا يثني المستخدمين عن تمكين ميزات الأمان الضرورية."
وقالت كوربوز إن أفضل وسيلة للحماية هي مشاركة الوالدين. "يحتاج الآباء إلى التعرف على خيارات الرقابة الأبوية التي توفرها لعبة روبلوكس. ومن المهم معرفة مع من يتفاعل أطفالهم معهم عبر الإنترنت، ومراجعة سجلات الدردشة الخاصة بهم، ومناقشة أي ألعاب أو تفاعلات غير مألوفة".
ويؤكد أيوب أيضاً على أهمية تثقيف الأطفال حول السلامة على الإنترنت. وينصح الآباء "بتوعيتهم بأن لا يثقوا في الغرباء الذين يتعاملون معهم عبر الإنترنت، وعدم النقر على الروابط المشبوهة، وتوخي الحذر عند إعطاء معلومات شخصية على روبلوكس حتى لأصدقائهم".
إذا واجه الطفل محتوى أو سلوكاً غير لائق على اللعبة، تقترح كوربوز استخدام أدوات الإبلاغ الخاصة بـ روبلوكس على الفور.
على الرغم من أن لعبة روبلوكس يمكن أن تمثل مساحة ترفيهية وتعليمية للأطفال، إلا أنه من المهم فهم المخاطر التي قد تأتي بها اللعبة.
واختتمت كوربوز حديثها قائلة: "إن ما يهم هو تحقيق التوازن - السماح لطفلك بالاستمتاع بتجربة الألعاب مع اتخاذ خطوات فعالة لحمايته".