رحلة الغناء ليست مفروشة بالورود، بل تتطلب كفاحاً مستمراً لتقديم أعمال فنية ناجحة، والحفاظ على المكانة والاستمرارية في صناعة ديناميكية متجددة. فعلى عكس التمثيل، حيث قد يرسم الانطباع الأول ملامح المسيرة الفنية، يحتاج عالم الغناء إلى تدفق مستمر من الأعمال الناجحة للبقاء في الأضواء.
ولا يقتصر التحدي على الغناء فحسب، بل يتعداه إلى عالم التلحين المليء بالصعوبات. فلكي يُبدع الملحن ألبوماً ناجحاً، قد يحتاج إلى تلحين ما بين 8 إلى 10 ألحان مختلفة قبل الوصول إلى الاختيار الأمثل. إنها عملية تتطلب تأملاً دائماً وعقلاً مبدعاً في حالة استعداد مستمر. وكثيراً ما نغفل كمستمعين عن أن كل كلمة في الأغنية قد تمت مُطابقتها بدقة مع اللحن الذي خطر للملحن في لحظة إلهام.
يُعد "بلال سعيد" من القلائل الذين تألقوا في الغناء والتلحين. فمجموعته الغنائية، سواءً الأغاني المنفردة أو الألبومات، تُحطم الأرقام القياسية، وتستمر في حصد إعجاب الجماهير. ولكن، وكما يُقال، فإن للشهرة وجهاً آخر، فقد واجه بلال بعض الجدل، إلا أنه استطاع بفضل تطوره الموسيقي ونضجه الشخصي أن يُعيد صياغة مسيرته بنجاح.
يأخذنا نجم الروك في رحلة إلى كواليس إبداعه، ويُشاركنا مفهومه الحقيقي للنجاح، وكيف يُوظف خبراته ومشاعره في صنع الموسيقى التي نعشقها.
لقد تغير المشهد الموسيقي كثيراً في السنوات القليلة الماضية. ما هي التغييرات التي تعتبرها إيجابية؟
أعتقد أن المنصات الرقمية فتحت آفاقاً جديدة للفنانين للتعبير عن أنفسهم بحرية أكبر والتواصل مع جمهورهم بصدق وعفوية، مما يسمح لهم ببناء قاعدة جماهيرية أوسع دون الحاجة إلى التصنع أو اتباع قوالب محددة. كما ساهمت هذه المنصات في خلق مشهد موسيقي أكثر تنوعاً وثراءً، حيث أصبح الناس أكثر انفتاحاً على الأنماط الموسيقية المختلفة. هذا التحول أثرى بلا شك تجربة الفنانين والمستمعين على حد سواء.
قالت المغنية الأسطورية "آشا بوسلي" مؤخراً إن التكنولوجيا طمسّت الخطوط الفاصلة بين المطربين المؤهلين وأولئك الذين يعتقدون أنهم قادرون على الغناء. هل هذا الأمر يزعجك، أم تعتقد أن المطربين المؤهلين سيكون لديهم دائماً أفضلية؟
لا أتفق مع هذا المنظور. مع أن تقنية ضبط الصوت تُحسّن أداء المغني الموهوب، إلا أنها لا تُغني عن الموهبة نفسها. فإذا افتقر الشخص للموهبة، فلن تُجدي التقنية نفعاً. يبقى الغناء فناً قائماً على المشاعر، ولا يمكن لأي تقنية محاكاة العمق العاطفي الذي يُضفيه الفنان على صوته. وبينما يتفوق بعض المغنين في الموسيقى الكلاسيكية، قد لا يُناسب أسلوبهم أنواعاً موسيقية أخرى، لذا يُنصح بالتخصص في النوع المُفضل.
هل تعتقد أن المقاييس الرقمية، مثل عدد التنزيلات أو المشاهدات، تعتبر معياراً جيداً للحكم على شعبية الأغنية؟
يعتمد الأمر على العوامل. تُعدّ الأرقام المرتفعة دليلاً على نجاح الأغنية وانتشارها، لكنها ليست المعيار الوحيد، فبعض الأغاني الشهيرة لا تحقق أرقاماً عالية. لذا، يختلف الأمر باختلاف الأغنية ومدى انتشارها.
يقول الناس غالباً أن العالم منقسم بين لاتا وآشا، وفي فئة المطربين الذكور، هناك رافي وكيشور. في أي جانب أنت؟
لم تكن موسيقى بوليوود تستهويني كثيراً في صغري، فقد كنت أفضّل فنانين مستقلين أمثال الأستاذ نصرت فاتح علي خان. ومع ذلك، لطالما أبهرتني نبرة صوت كيشور كومار وتركيبته. لكن إن خُيّرت، فسأختار لاتا جي بلا تردد، لأناقتها وفخامة صوتها التي لا تُضاهى.
يقال أنه لا يمكنك تأليف لحن رائع دون الشعور بالحزن. لماذا تعتقد أن الفنانين يقدرون الحزن أكثر من السعادة عندما يتعلق الأمر بتأليف الموسيقى؟
يقودنا الحزن إلى أعماقنا، إلى جوهرنا الحقيقي. فبينما تُشتّت السعادة انتباهنا بالعالم الخارجي، يعيدنا الحزن إلى ذواتنا، حيث تتجلى مشاعرنا بصدق وعمق، فنبدع أعمالاً تلامس قلوب المستمعين. ولكن، بالطبع، يختلف الأمر باختلاف الفنان ونوع الموسيقى.
هناك اعتقاد سائد بأن الفنان الذي يحقق إنجازاً في الخارج، كما هو الحال بالنسبة لك في بوليوود، يحظى بتقدير أكبر في بلده. هل تعتقد أن هذا الاعتقاد لا يزال صحيحاً؟
لا شك أن ذلك دافع قوي! فقد كان إدراج أغنيتي في فيلم لكاران جوهر بمثابة نقطة تحول في مسيرتي. فبوليوود مازال قوة مؤثرة، والنجاح فيه ينعكس إيجاباً على مكانة الفنان حتى في بلده. إنه لشعور لا يُوصف أن تُحظى أعمالك بتقدير عالمي.
بعد أن قمت بإحياء العديد من الحفلات الموسيقية، كيف تستعد قبل العروض المباشرة؟
قبل كل عرض، أحرص على إحماء صوتي، خاصةً أثناء توجهي إلى موقع الحفل. كما أسعى للوصول إلى الحالة الذهنية المُثلى، أُخلي ذهني من مشاغلي الشخصية، وأُركز على الحاضر. كما أذكر نفسي دائماً بتقدير ما أملك، خاصة المسرح وفرصة التواصل مع جمهوري. فالمسرح هو المكان الذي أشعر فيه بمعنى الحياة بحق.
الشهرة والنجاح يأتيان مع بعض المشاكل، بما في ذلك الجدل والسخرية. كيف تتعامل مع هذه المشاكل، خاصة في ضوء الجدل الأخير؟
تأتي الشهرة بمجموعة من التحديات، فبعض الأمور تصبح أسهل، وأخرى تصبح أصعب. يُكوّن الناس انطباعات محددة عنك، لكن من المهم تذكر أننا جميعاً في حالة تطور مستمر. قد نبالغ أحياناً في ردود أفعالنا تجاه بعض المواقف، لكن هذا لا يُمثلنا كلياً. فكلنا نمر بلحظات نكون فيها أشخاصاً عاديين قبل أن نكون فنانين. المهم هو كيفية التعلم من هذه التجارب. يكمن السر في التواضع، وإدراك أننا نسعى جميعاً لإرضاء الجمهور، وفي نفس الوقت نحاول الشعور بالرضا عن أنفسنا.
كيف تُخلق الأغنية بالنسبة لك؟ قال نصرت صاحب ذات مرة إن كل فنان محظوظ بـ "الآمد" (الإلهام الفني). هل تُسارع لتدوين أفكارك اللحظية كما لو أنها ومضات من العدم؟ وكيف تُدرك اكتمال أغنية ما، مع إدراكك أن الفكرة القادمة قد لا تكون أفضل؟
أشاركك تماماً فهمك لمفهوم نصرت صاحب عن "الآمد" (Aamad) (الإلهام الفني). فالإلهام لحظة عابرة، قد تأتيني في أي وقت، سواءً كنت بصحبة أحدهم أو وحدي. قد تكون لمشروع خاص، أو لفنان آخر. إنّ عملية الخلق الموسيقي وصياغة الكلمات هي ما يُلهب حماسي. وما إن تُشرق فكرة ما في ذهني، حتى أنكبّ على صقلها وتطويرها حتى أشعر باكتمالها. والتحدي الحقيقي يكمن في تحديد لحظة "النهاية" للأغنية، فهي مسألة ذاتية تعتمد على الحدس والثقة بالذات. فكل أغنية أنجزها هي خطوة تقدم في مسيرتي الفنية.
صادق سليم، كاتب مقيم في الإمارات العربية المتحدة، يُمكنكم التواصل معه عبر حسابه على إنستغرام: @sadiqidas.