عند رؤية نجاح ونطاق العمل الضخم على العقارات المطورة من قبل شركة "دي إل إف" المحدودة في الهند، وخاصة مشروع "جوروجرام"، فمن الصعب أن نتخيل وقتاً لم تكن فيه الشركة تقوم بتطوير المشاريع بهذه الوتيرة العالية. ولكن، كشخص من الهند عاش هناك لسنوات، يمكنني أن أشهد على حقيقة مفادها أنه في الماضي (قبل بضعة عقود) وفي كثير من الأحيان، كان العمل التجاري في الهند يتأثر بالسياسة، وغالباً ما كان السياسيون هم من يقررون ما إذا كان سيتم الموافقة على المشاريع أو رفضها، مما يعني أنه كان على رجال الأعمال مواجهة هذه التحديات السياسية للوصول إلى النجاح، وهذا هو ما يناقشه كتابه بعنوان "لم لا؟ مخططات النجاح من الرجل الذي أسس علامة دي إل إف" (Why the Heck Not? Blueprints for Success from the Man Who Built DLF deals with).
تبدأ القصة الملهمة في أربعينيات القرن العشرين، وتأخذك في رحلة عبر عقود من الزمن. وقد شارك في تأليفها بحكمته، "كوشال بال سينغ"، أو "كيه بي" (كما يُفضل أن يُطلق عليه) إلى جانب "أبارنا جين"، الكاتبة التي تُصور الأحداث الرئيسية ودروس الحياة بالكلمات. وينتهي كل فصل أيضاً باقتباس من "كيه بي"، تلخص الدروس المستفادة من قصة نجاحه.
بصفتي من هواة العلامات التجارية وفعالية الإعلان، فقد جذبتني هذه السطور التي كتبتها جين في المقدمة: "اليوم، تتمتع "دي إل إف" بسمعة ممتازة كعلامة تجارية تقدم القيمة والجودة العالية، وهو إرث عائلة "سينج". هذا الكتاب يمثل العرض المثالي للأشخاص الذين يرغبون في عيش حياة غنية وطويلة مع نهج "كيه بي" التأملي، بالفضول المستمر والطاقة اللامحدودة والعاطفة".
هذه هي الحقيقة: بدون الجودة، لا يمكن لأي شخص بناء علامة تجارية دائمة، ناهيك عن الإرث. والجودة تنبع من مكان عميق في الداخل. في حالة "كيه بي"، كانت الجودة نتيجة لقراره باتباع إرشادات معلمه الأمريكي، "جورج هودي" من "يونيڤيرسال إلكتريك"، التي تم سردها ببراعة في فصل من ماضيه، بالإضافة إلى المحادثات التي تمت مع عائلته أثناء تناول وجبة العشاء.
يتميز الكتاب، الذي يُقدّم كخطة للنجاح من الرجل الذي بنى "دي إل إف"، بسرد بسيط يسهل فهمه ومتابعته.
كان أحد العناصر التي ساهمت في نجاح "سينج" هو انتمائه إلى عائلة لها علاقات وروابط بشخصيات قوية ومؤثرة. ولكن ما قيمة الإرث إذا لم يتم تنميته وتطويره وفي هذه الحالة تجاوزه بمسافة كبيرة؟
ما يتجلى بمهارة في هذه القصة هو قدرة "كيه بي" على التعلم من الجميع ومن أي شيء، وهو الأمر الذي لعب دوراً مهماً في إنجازاته.
وهذا، وإصراره على عدم حمل الضغينة أبداً، جعله يبرز من بين رواد الأعمال في عصره. فقد كان على كل هؤلاء، بمن فيهم "كيه بي"، أن يلعبوا وفقاً لقواعد مختلفة في أوقات لم يكن فيها الاقتصاد الهندي محرراً وكانت الحكومة قد فرضت إجراءات صارمة في أماكن مختلفة، بما في ذلك قانون الأراضي الحضرية (السقف والتنظيم) لعام 1976، الذي فرض سقفاً على حيازات الأراضي الشاغرة في المناطق الحضرية، مما حد من كمية الأراضي التي يمكن للأفراد والكيانات امتلاكها.
إن بناء شركة عقارية عملاقة مثل "دي إل إف" في تلك الفترة كان يتطلب أكثر من مجرد حظ، رغم أن "سينج" بدا بالفعل كما لو أنه يمتلك القدرة على التواجد في المكان المناسب وفي الوقت المناسب مع الشخص المناسب. على سبيل المثال، كانت بداية دخوله في عالم الأعمال المدنية قد انتهت قبل أن تبدأ، عندما حاول إقناع وزير الدفاع الهندي آنذاك، "كريشنا مينون"، بقبول استقالته من الجيش. ولكن بفضل مساعدة الفريق أول "بريج موهان كول"، رئيس الأركان العامة والمقرب من الوزير، تمكن "سينج" من تجاوز هذه العقبة.
بعض أهم الدروس التي ينقلها "سينج" إلى أبنائه هي تلك التي تعلمها من أقرانه في الجيش والحياة العملية. على سبيل المثال، يتحدث في فقرة عن منع النجاح من التأثير على الفكر بشكل سلبي، ويقول: إن أسلوب 'التأنيب' الذي يتبعه الجنرال "واداليا" هو مبدأ أعتز به. وما زلت أستخدمه مع الأشخاص المتميزين في العمل. فعلى الرغم من أنني أثني عليهم وعلى مبادراتهم، إلا أنني دائماً ما أوضح لهم ما يمكن تحسينه، وأتحدث عن عواقب أخطائهم أو تقاعسهم. وهذا في الواقع يحافظ على نشاط الفريق ويساعد في إبقاء غرور بعض الأشخاص تحت السيطرة. كما أنه يعزز روح الفريق أكثر من النجاح الفردي".
لا يمكن إنكار أن "سينج" قوة لا يستهان بها في عالم الأعمال الهندي. فقد عمل بلا كلل، واستغل الفرص التي أتيحت له على أكمل وجه، وتغلب على بعض المنافسين الأقوياء ببراعة، بل وتمكن حتى من التغلب على العدو اللدود لقطاع العقارات، ألا وهو الركود الاقتصادي. وفي كل خطوة، اعتمد استراتيجيات فعالة وأظهر قوة على التكيف مع التحديات.
إن أعظم إنجازاته بلا شك هو بناء مدينة "جوروجرام"، التي كانت تُعرف سابقاً باسم "جورجاون"، وتحويل المناطق النائية إلى مكان حيث تلتقي الأسماء العالمية المرموقة مع الشركات الناشئة الرائدة في البلاد، والتي أعادت صياغة مظهر الهند والشعور الذي تحصل عليه فيها، والطريقة التي يمكن أن يعيش بها الهنود ويعملون بها. والسر وراء نجاحه: القدرة على أن يكون شفافاً بشأن كل ما يفعله، وبالتالي يتبع نهجاً أساسه النوايا الحسنة.
إذن، ما الذي يمكن لرائد الأعمال المعاصر أن يتعلمه من هذا الكتاب؟ إنه نظرة إلى كيفية التعامل مع الشراكات، من ناحية. كما يقدم هذا الكتاب العميق نظرة على الحياة الشخصية لـ"سينج" وعلاقته بزوجته، "إنديرا سينج". لقد كان مخلصاً لها حتى وفاتها في عام 2018. يتطرق الكتاب لرحلة زواجه وكيف بدأ بعد خطوبة دامت شهرين فقط. كما يبين الكتاب طبيعة علاقتهم المتساوية؛ حيث كان يستمع إلى نصيحتها ويهتم لآرائها.
يمكننا أن نقول إن "سينج" يجسد أيضاً القدرة على إظهار كيف أن الالتزام بالقيام بالشيء الصحيح في الحياة العملية والشخصية يؤدي إلى نتائج. ومن المؤكد أن الشباب الطموحين الذين يسعون لتحقيق أهدافهم سيشعرون بالتعاطف مع التحديات التي واجهها، والتي كان بعضها قادراً على إيقاف طموحاته تماماً. وسوف يرون التفكير الإبداعي والتوجهات الاستراتيجية في أفضل صورها.
ومن بين السمات الأخرى التي تميزه عن غيره شغفه بالحياة. فلا عجب إذن أن يظل "كيه بي سينج" نشطاً حتى اليوم وهو في الخامسة والتسعين من عمره، حيث يمارس رياضة الجولف بانتظام، ويساعد المحتاجين من خلال الأنشطة الخيرية، ويظهر استعداده لمشاركة كل ما جعله ما هو عليه الآن: اسم محترم في عالم الأعمال يتمتع بتاريخ مثالي.
إذا كان هناك درس واحد يبرز من كل ما سبق، وهو درس يجب أن يتبناه كل رجل أعمال، فهو رفضه لاتباع طرق مختصرة. وهذا هو الدرس الذي تعلمه من "جورج هودي"، أهم معلم في حياته. يتمسك "سينج" بهذا المبدأ حتى عندما يشارك حكمته، ويبذل دائماً قصارى جهده، ويشرح نهجه بدقة ويظهر بصدق نيته في مساعدة الأشخاص الطموحين على التعامل مع المشهد التجاري في الهند الذي لا يزال معقداً للغاية."
"أكيل حسن" هو متخصص في الإعلان والعلامات التجارية مقيم في دبي ويتميز بشغفه بالكلمات وتحليل الاتجاهات. وقد عمل في هذه الصناعة لأكثر من 20 عاماً.