بحسب الإحصاءات، يعاني واحد من كل أربعة أشخاص في جميع أنحاء العالم من الشعور بالوحدة. وفي الوقت الحالي، أصبح الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية أكثر انتشاراً من التدخين أو مرض السكري أو القلق، وتبين أن الاثنان يشكلان مخاطر كبيرة على الصحة وطول العمر.
طارق، وهو طاهٍ سابق في الستينيات من عمره يعيش في دبي وجد نفسه في الطرف الأدنى من مؤشر السعادة منذ أن فقد زوجته قبل أربع سنوات. يقول: "إنه لمن المستحيل شرح عمق الوحدة ما لم تشعر بها بنفسك. في بعض الأحيان، أعرض على الآخرين شراء القهوة لهم فقط حتى أتمكن من البقاء لفترة أطول والدردشة معهم. يساعدني ذلك على البقاء على اتصال بالناس، ولكن في بعض الأحيان، حتى فعل ذلك لا يساعدني".
يشرح دكتور "دانييل كنوبفلماخر"، مقدم برنامج البودكاست "On The Mind" في كلية طب وايل كورنيل، أن الوحدة هي الشعور المؤلم الذي نحس به عندما يكون لدينا عدد أقل من العلاقات الاجتماعية مما نريد أو نحتاج إليه.
إن دولة الإمارات العربية المتحدة تشهد ارتفاعاً في عدد الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة.
وتوضح الدكتورة ثريا كنفاني، أخصائية علم النفس السريري في معهد وعيادات العلاقات الإنسانية في دبي، أسباب شعور الناس بالوحدة. وتقول: "هناك العديد من الأسباب، مثل العزلة عن الناس، وعدم إقامة علاقات ذات معنى، والانتقال إلى مكان جديد، أو تجربة فقدان أحد الأحباء، أو بسبب التكنولوجيا والإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي".
وتضيف أن الشعور بالوحدة هو سبب مؤكد للقلق لأنه يؤثر على الصحة ويؤدي إلى زيادة مستويات التوتر. "يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع معدلات الانتحار والاكتئاب والإدمان والقلق (كما أظهرت الجمعية الأمريكية لعلم النفس) فضلاً عن ارتفاع خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسمنة ومشاكل الذاكرة وقصر العمر".
وتشهد الإمارات ارتفاعاً في عدد الأشخاص الذين يعانون من الوحدة - وخاصة بين الوافدين. "نظراً لأن الوافدين يعتبرون الإمارات العربية المتحدة مكان إقامة مؤقت، فليس من السهل دائماً بناء علاقات عميقة وذات معنى مع الآخرين. كما أن العمل من المنزل يساهم بشكل كبير في صعوبة الأمر. إن هذه الظاهرة ليست خاصة بجنس معين ويمكن أن تحدث مع أي من الجنسين، ولا هي خاصة بصناعة معينة."
تقترح الدكتورة ثريا الانخراط بشكل أقل في العالم الافتراضي والمشاركة أكثر في العالم الحقيقي. وتقول: "يمكنك الانضمام إلى المجموعات والنوادي والنشاطات في منطقتك، وعليك الاعتراف بمشاعر الوحدة واحترامها وتعلم الشعور بالرضا عن نفسك، كل ذلك يمكن أن يكون مفيداً للغاية. والأهم من ذلك، لا تخجل من التحدث إلى الغرباء والتعرف على أشخاص جدد".
بالنسبة لـ "سومي أوغسطين"، المقيمة في الإمارات ، فقد تسلل إليها الشعور بالوحدة عندما كانت في طريقها إلى أن تصبح أماً عزباء بعد أن فقدت وظيفتها في نفس الوقت. "كان بعض أفراد الأسرة يدعمونني، لكن حدوث الكثير من الأشياء السلبية في وقت واحد دفعني إلى حالة من الاكتئاب الناجم عن الشعور بالوحدة." كانت التعقيدات التي واجهتها أثناء التعامل مع التحديات القانونية المرتبطة بكونها أماً عزباء هي الأسوأ. كما أن الأحكام التي يطلقها الآخرين أدت إلى تفاقم الوضع. ومع ذلك، بعد فترة ما، أدركت أن التخبط والشفقة على الذات لم يكن مفيداً، وقررت التواصل مع الناس. كانت النتيجة إيجابية ووجدت عملاً أيضاً. تقول سومي: "أعتقد أن الشعور بالوحدة يتسلل بشكل أسرع إذا كنت تجلس خاملاً، من الأفضل أن تظل مشغولاً وتركز على حياتك القادمة. عندما تكون مشغولاً، يكون عقلك مشغولاً وهذا ما يساعدك على أن تصبح أفضل نسخة من نفسك".
تتجلى الوحدة في جوانب مختلفة من الحياة، وتؤثر على المشاعر والسلوكيات وحتى الصحة البدنية، وفقاً لبشرى خان، المعالجة النفسية الشاملة في ويلث، دبي. "يمكن أن تكون الوحدة عابرة ومستمرة. بالنسبة للبعض قد تكون مؤقتة وتنجم عن حدث معين، بينما بالنسبة للآخرين يمكن أن تكون تجربة طويلة الأمد يشعرون بأنها متأصلة في حياتهم اليومية".
تقول خان إن التعرف على الشعور بالوحدة في الذات يبدأ غالباً بالانسجام مع ما تشعر به وكيفية تعاملك معه. "تأمل في مشاعرك (هل تشعر بالانفصال أو أن لا أحد يفهمك؟ أو هل تشعر بإحساس دائم بالحزن أو الفراغ؟) أو انتبه لأنماطك الاجتماعية (هل تتجنب المواقف الاجتماعية أو تجد صعوبة في تحفيز نفسك للتواصل مع الأصدقاء والعائلة؟) أو تحقق من صحتك الجسدية والعقلية (تغيرات في مستويات الطاقة أو الشهية أو أنماط النوم؟ هل تشعر بمزيد من القلق؟) إن الاعتراف بهذه العلامات أمر بالغ الأهمية. إن الشعور بالوحدة تجربة إنسانية وهو أمر يمكن معالجته بالتعاطف والجهد".
يقول الدكتور "ألكسندر ماتشادو"، أخصائي علم النفس العصبي السريري في ميدكير الإمارات، إنه من المهم فهم الفرق بين أن تكون لوحدك والشعور بالوحدة/العزلة.
"الأول اختياري وإيجابي، في حين أن الثاني ضار وقد يؤدي إلى حالات سريرية مختلفة، مثل الاكتئاب والقلق. لذلك، فإن الخطوة الأولى هي التمييز بين كونك لوحدك والعزلة."
إن انتشار التفاعلات السطحية والافتراضية على منصات التواصل الاجتماعي يمكن أن يحل محل العلاقات الأعمق وجهاً لوجه، وهو ما قد يؤدي إلى الشعور بالعزلة. ويقول الدكتور ماتشادو إن الناس أصبحوا يشعرون بالوحدة أكثر بسبب الافتقار إلى الروابط الحقيقية وذات المعنى. وأوضح: "كما اقترح الفيلسوف مارتن هايدجر، فإن مجتمعنا الذي يعاصر التكنولوجيا يمكن أن يؤدي غالباً إلى شعور الأفراد أنهم "أُلقوا" في عالم حيث يكون الوجود الحقيقي معرض للخطر، مما يؤدي إلى الشعور بالوحدة الوجودية".
ويضيف أن هذا التحول نحو التواصل الافتراضي قد يعيق تطوير الثقة والحميمية، مما يجعل من الصعب على الناس الانخراط في محادثات واتصالات ذات مغزى. "نتيجة لذلك، حتى عندما يكون الأفراد محاطين بآخرين عبر الإنترنت، فقد يشعرون بالوحدة الشديدة".
إن إحدى الطرق الشائعة لمكافحة الشعور بالوحدة هي البحث عن الدعم العاطفي والاجتماعي من خلال تعزيز الروابط ذات المغزى مع الأصدقاء والعائلة والمجتمع. إن المشاركة في الأنشطة الاجتماعية المنتظمة والانخراط في العلاقات يمكن أن يخفف بشكل كبير من مشاعر العزلة. "بالإضافة إلى ذلك، فإن الاهتمام بالصحة العقلية من خلال ممارسات مثل التعاطف مع الذات والامتنان يمكن أن يكون مفيداً. وكما يفترض الفيلسوف آلان دو بوتون، فإن الشعور بالامتنان يمكن أن يساعد الأفراد على التركيز على الجوانب الإيجابية لعلاقاتهم وتعزيز الشعور بالانتماء. كما يوفر استكشاف هوايات جديدة أو التطوع أو المشاركة في الفعاليات المجتمعية فرصاً لمقابلة أشخاص جدد، وبناء شبكات اجتماعية داعمة يمكنها مكافحة الشعور بالوحدة بشكل فعال"، كما يقول الدكتور ماتشادو.
توضح الدكتورة "بيك كي هو"، الأستاذة المساعدة في علم النفس بجامعة "هيريوت وات دبي"، أنه تم إجراء 114 دراسة على 18512 مشاركاً في جميع أنحاء العالم على مدى العقود الثلاثة الماضية أفادت بأن الشعور بالوحدة له آثار سلبية متوسطة إلى شديدة على العديد من النتائج الصحية البدنية والعقلية. "إن الانسحاب الاجتماعي نتيجة لذلك يساهم أيضاً في العديد من الخيارات والسلوكيات غير الصحية مثل قلة التمارين البدنية والإفراط في تناول الكحول والتدخين، مما يؤدي بدوره إلى مشاكل صحية أخرى أكثر خطورة."
وتقول إن الشعور بالوحدة هو في العموم تجربة غير سارة من الناحية العاطفية عندما يكون هناك تناقض (إما كمي أو نوعي أو كليهما) بين العلاقات الشخصية التي يرغب الشخص في إقامتها وتلك التي يعتقد أنه يمتلكها. "ويتجلى ذلك بطرق مختلفة. يميل الأفراد الوحيدون إلى الانخراط في نمط تفكير سلبي يركز على الذات وينطوي على التأمل في مشاعر العزلة والانفصال. عاطفياً، مشاعر الحزن والقلق وانعدام القيمة واليأس وانخفاض احترام الذات شائعة بين أولئك الذين يعانون من الوحدة".
ووجدت دراسة حديثة لتقييم الشعور بالوحدة بين الطلاب والمجتمع الأوسع في دولة الإمارات العربية المتحدة أن الطالبات يملن إلى تسجيل درجات أعلى من الطلاب الذكور على مقياس الوحدة وتوضح الدكتورة هو: "ومع ذلك، لم يتم ملاحظة هذه الاختلافات بين الجنسين في السكان ككل. ومن المثير للاهتمام أن كبار السن غير المتزوجين أفادوا بمستويات أعلى من الشعور بالوحدة مقارنة بنظرائهم المتزوجين، كما ارتبطت التغييرات في الحياة الانتقالية بزيادة مشاعر الوحدة".
وتشير الدكتورة إلى أن "الإمارات العربية المتحدة تشكل مركزاً للعديد من الوافدين والطلاب الأجانب الذين يجدون أنفسهم بعيدين عن وطنهم وعائلاتهم". وتضيف: "في حين تتشكل المعارف بسهولة في مثل هذا النمط الحضري النابض بالحياة، فإن هذه الروابط غالباً ما تكون عابرة وقد لا تتطور إلى علاقات ذات مغزى"، مضيفة أن الشعور بالوحدة هو مصدر قلق حقيقي يستحق إعارته المزيد من الاهتمام والوعي.