عندما يرتدي "راغافيندرا راثور" سترته السوداء ذات الياقة التي تشتهر بها علامته التجارية للملابس الرجالية، عند دخوله إلى مقهى "بلو بوكس" من تيفاني في دبي مول، فإن مظهر هذا الرجل المهيب يلفت انتباه الجميع، حيث يتناقض زيه الأسود مع القطع الفيروزية حول المكان.
في صباح يوم الأحد، بينما انتظرنا القهوة التي طلبناها، بدأ المصمم في سرد رحلته إلى الإمارات العربية المتحدة هذه المرة بهدف إثارة المحادثات (وربما الشراكات) حول التكنولوجيا في مجال التصميم. ومن بين زبائنه ممثل هوليوود "ماثيو ماكونهي" ونجوم بوليوود "شاه روخ خان" و "ديلجيت دوسانج" و "سيف علي خان".
لكن اهتمامه بالابتكار والتصميم يعود إلى عقود مضت، وهي جذوره في مدينة "جودبور" المهيبة في راجستان. راثور هو عضو من العائلة المالكة في جودبور، ويمكن تتبع نسبه إلى أكثر من 800 عام. كانت عائلته من رواد الموضة - يُقال إن جده الأكبر "سري سردار سينغ" جعل من "الصفا" وهو (غطاء الرأس) الذي يرتديه الناس في جودبور و "الأشكان" (السترة) أزياءً شائعة، وكانت عمته الكبرى أيضاً "ماهاراني جاياتري ديفي" معروفة بوقارها وأسلوبها الأنيق.
ولكن لم يستوحى راثور أسلوبه من الأشخاص فحسب، يقول راثور: "أشعر دائماً أنه عندما يكون المرء منحدراً من الصحراء يجعله ذلك يركز على الاستثمار للمستقبل. لن تميل إلى استثمار جميع مواردك اليوم دون أن تعرف ما إذا كانت الأمطار ستهطل أو ما إذا كانت المحاصيل ستكون على ما يرام؛ بل تستثمر في أفكار ستؤتي ثمارها في السنوات الخمس أو الست المقبلة".
وهذا هو السبب وراء اهتمامه الشديد بالتكنولوجيا التي يطلق عليها التكنولوجيا الأكثر تأثيراً في هذا الجيل وهي الذكاء الاصطناعي. ينظر راثور إلى زجاجة عطر ويفكر في إمكانية تلك الزجاجة الحفاظ على العطر في درجة حرارته المثالية، ويقول: "إن التفكير بهذه الطريقة أمر ممكن بالنسبة لي لأنني درست الإلكترونيات والروبوتات في وقت مبكر من حياتي، وأعتقد حقاً أن الذكاء الاصطناعي هو أفضل استثمار قمنا به [كعلامة تجارية]، وقد بدأنا الأمر عندما ظهرت نظارات جوجل".
يقوده أسلوب التفكير الذي يركز على التكنولوجيا إلى طرح السؤال التالي: كيف يمكن للمرء أن يستخدم الذكاء الاصطناعي في دار تصميم أزياء؟ ويوضح قائلاً: "تخيل كيف سيكون الحال إذا تم تصوير فيلم "Blade Runner" في عشرينيات القرن الماضي في جودبور. يجب أن تتميز المنتجات بمظاهر محلية لكن التكنولوجيا ستكون عالمية المستوى".
"أرى دائماً أنه يمكن للوسادة أو الكرسي أن يذكرك بأنك جلست لأكثر من دقيقة ونصف وأن الوقت قد حان للنهوض والمشي، أعني إذا كانت الساعة قادرة على القيام بذلك، فلماذا لا يستطيع الأثاث القيام بذلك؟ إن دمج الأشياء ذات العوامل المؤثرة على الصحة والذكاء العالي أمر مهم للغاية [في منتجات نمط الحياة].
وفي ما يتعلق بإضافة هذه التقنيات إلى الملابس. ويقول: "لا يمكنك أن تضيف الذكاء إلى الملابس. ولكن بالطبع يمكنك أن تفعل بعض الأشياء البسيطة التي ستؤدي إلى هذا أو ذاك، ولكن منتجات أسلوب الحياة عبارة عن بحر لا نهاية له من الاحتمالات".
وبينما يفكر راثور في الشكل الذي سيتخذه ذلك القطاع، يوضح أنه يعيد اختراع علامته التجارية حالياً لتصبح علامة تجارية ترتبط بنمط الحياة، ويقول: "إنها تبتعد عن كونها علامة الملابس وعن ارتباطها بـ زي "الباندجالا" الكلاسيكي".
"وبصفتي خبيراً في التكنولوجيا، فإن وجودي في هذا النموذج من الذكاء الاصطناعي يعد ميزة هائلة. والآن يتطلع إليّ فريق العمل مرة أخرى كما اعتادوا في السابق لتطوير العلامة التجارية في المرحلة التالية. منحتهم الاستقلال خلال مرحلة التحول إلى شركة، لكنهم الآن يحتاجون إلى شخص يمكنه تصور شيء غير موجود".
وبينما قد يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن يتم تصنيع الأدوات المستجيبة التي تشبه مسلسل "Jetsons" أو فيلم "Back to the Future II"، فقد ركز المصمم المتطور بالفعل على بعض الاستخدامات للذكاء الاصطناعي المتاحة اليوم. ويوضح قائلاً: "الذكاء الاصطناعي عبارة عن لوحة ارتداد"، مضيفاً أن شركته تستخدم برامج للتصميم مثل "Flux AI". "عندما تصدر أمراً لإنشاء شيء ما، يحتاج الذكاء الاصطناعي أولاً إلى معرفة من أنت وفهم حدود مظهر العلامة التجارية، لذا فأنت بحاجة إلى مبرمجين لبناء هذا الملف الشخصي لك. وفي كل مرة تقوم فيها بتصميم مظهر جديد مثل ما نفعل نحن الآن لفريق الكريكيت، سيمنحك الذكاء الاصطناعي مئات الخيارات في غضون ثوانٍ قليلة، ولكن في النهاية يتعين على المصمم أن يوجد التصميم ويعمل عليه".
"لكن ما قد تقوم به من بحث في ثلاثة أيام، يتم إنجازه في جزء بسيط من الوقت. نحن نستخدم الذكاء الاصطناعي في مرحلة مبكرة للغاية، وهي [أثناء النظر] في الجماليات والتصميم. على سبيل المثال، عندما نقوم بأعمال الديكور الداخلي للفنادق، نقوم بتصميم مخطط الطابق وتحديد الأحجام الدقيقة وغيرها أياً كان في 30 ثانية، وهو الوقت المثالي. لست بحاجةللذهاب للموقع الفعلي وقياس أي شيء بعد الآن."
ويضيف قائلاً: "أعتقد أن الجميع سوف يطبقون الأمر خلال عام أو نحو ذلك".
ويقول راثور إن الهند ليست دولة لساحري الثعابين أو بوليوود، مضيفاً أنها تمتلك الكثير من المميزات التي يجب على الناس الاستفادة منها وتمثيلها بشكل صحيح على الصعيد العالمي.
لقد تغيرت الموضة الهندية على مر السنين. "أول ما أراه هو أنه كان هناك رسملة من صفر إلى 100 في المائة في غضون عقدين من الزمن". ومع ذلك، يؤكد على أن البلاد ليست ملمة بماهية التصميم الهندي. "إنني أوجه نداءً كاملاً إلى طلاب التصميم الذين هم على وشك التخرج، وهو أن يبدؤوا في تعريف ما هو التصميم الهندي. في الوقت الحالي، لا أحد يعرف عن الأمر، عندما يتعين عليك التعبير عنه في شكل مادي، ما هو التصميم الهندي؟ بمجرد أن تتمكن من الإجابة على هذا السؤال، أعتقد أنك ستبدأ في رؤية ثورة من حيث محاكاة الناس لهذا الأسلوب، لكن الأمر يتطلب شخصاً واحداً لبدء الكرة".
وتحدث أيضاً عن عملائه وهم النخبة التي تمتلك اليخوت والطائرات ومنتجات نمط الحياة. "ستكون الفكرة هي القيام بمشروع واحد يدعو إلى كل هذه الأشياء، وهو العقارات، لأنه بمجرد حصولك على شقة بسعر مناسب، فإن كل شيء هناك يحتاج إلى إعادة تصميم، وإن العالم يتجه نحو المساحات المخصصة. كل شيء يتم حسب الطلب، وهو ما يقع في اتجاه نمونا بشكل جميل للغاية."
ومع ذلك، هناك سبب يجعل علامته التجارية، راغافيندرا راثور، يختص دائماً بصنع الباندجالا، ويوضح: "الباندجالا الهندية تجعلك تجلس منتصباً وتمنحك وضعية مستقيمة للغاية ومظهراً ملكياَ. أعتقد أننا اكتشفنا ذلك منذ فترة طويلة وقلنا: "دعونا نعيد اختراع هذا الزي لإضفاء القليل من الراحة". سيظل هذا دائماً الأساس للعلامة التجارية. إن هذه الأزياء تدوم مدى الحياة ويمكنك الحصول عليها بألوان مختلفة وتطريزات مختلفة وأشياء مختلفة، لكن البنية ستكون متشابهة جداً، فنادراً ما تتغير البنية".
ومع ذلك، فإن راغافيندرا راثور يستمتع بتصميم الملابس للأشخاص في الإمارات العربية المتحدة. ويقول: "دبي محظوظة جداً بوجود مثل هذا التنوع، مثلاً إن البنية الجسدية الروسية مختلفة، والسكان الأصليون مختلفون جداً. لا يمكنك أن ترى ذلك في الهند. إن نوع العملاء الذين نتعامل معهم عندما ننظر إلى أنواع الجسم، ونطاق الخدمات المطلوبة لهذه المنطقة أكبر بكثير لأن المظاهر ونوع الأجسام مختلفان جداً. وأنا متأكد من أن كل علامة تجارية أخرى تمر بنفس المتاهة، وهي كيفية التأكد من أن الخدمات على مستوى عالٍ".
بعد أن انتهينا من احتساء القهوة، تصافحنا وخرجنا، متسائلين عما سيخبئه لنا الذكاء الاصطناعي بعد الآن.