تعزز دبي مجتمعاً مزدهراً للياقة البدنية، وهو ما يظهر سنوياً من خلال تحدي دبي للياقة البدنية، المعروف أيضاً باسم تحدي دبي للياقة البدنية 30X30 - وهو حدث يوحد المدينة بأكملها في التزامها بوضع الصحة كأولوية. مع اقترابنا من تحدي دبي للجري 2024، تلك اللحظة المجيدة التي يتحول فيها شارع الشيخ زايد الكبير إلى مضمار للجري، تحدثنا إلى أربع نساء ملهمات، لكل واحدة منهن علاقة فريدة بالجري.
بالنسبة لهؤلاء النساء، فإن الغرض من الجري يتجاوز مجرد اللياقة البدنية إلى حد كبير، فهو طريق إلى المرونة العقلية والحرية والتمكين. من اتخاذ خطواتهن الأولى إلى إكمال سباقات الماراثون الطويلة، يشاركن كيف أعاد الجري تعريف حياتهن، مما يوفر الوضوح الذهني والفرح في بيئة دبي الآمنة والداعمة.
"جولا تشودي" وافدة بريطانية في الأربعينيات من عمرها ومؤسسة وكالة علاقات عامة، لم تكن تعتبر نفسها عداءة دائماً. في عام 2019، أدى دورها كرئيسة تحرير إلى إرهاقها، لذلك بدأت في ممارسة رياضة الركض الخفيف لتخفيف التوتر. تتذكر قائلة: "في البداية، كان الأمر صعباً. بالكاد تمكنت من الركض بضعة كيلومترات". ومع ذلك، أصبحت تلك الصراعات الأولية الأساس لتحول كبير. اليوم، لا تعد جولا عداءة ماراثون متفانية فحسب، بل إنها أيضاً مديرة مجتمع الشرق الأوسط لشركة "ASICS FrontRunner"، وتقود مجموعة من 75 سفيراً للعلامة التجارية.
لقد عزز تحقيق إنجازات بدنية صعبة مثل سباقات الماراثون الطويلة عبر الصحاري ثقة جولا وقدرتها على الصمود. ويجسد سباقها في ماراثون الرمال - وهو سباق شاق بطول 252 كيلومتراً في الصحراء الكبرى - تطورها. تقول: "عندما تعيش بالحد الأدنى من احتياجاتك وتتحمل الحرارة الشديدة، فإن الضغوط اليومية في الحياة تبدو غير مهمة"، مشيرة إلى كيفية عمل هذه التحديات على تأكيد تقديرها للبساطة والصمود. "حتى الجري القصير على شاطئ كايت مع الأصدقاء يرفع معنوياتي".
بالنسبة لجولا، فإن الغرض من الجري يتجاوز مجرد كونه للياقة بدنية؛ إنه شكل من أشكال التمكين. تقول: "بصفتنا نساء، لا نحتاج إلى إذن لنشعر بالقوة"، مضيفة أن الجري يذكرها بقوتها المتأصلة. "هذه المغامرات تحرر إبداعنا وتُظهر لنا ما هو ممكن، وتجعلنا نشعر بالحيوية". في منتصف الأربعينيات من عمرها، لا يزال الجري يشكل ركيزة في حياة جولا، ويساعدها على الشعور "بالصحة والقوة والثقة" في عصر حيث غالباً ما تُثبط عزيمة النساء عند التقدم في السن.
بالنسبة للاعبة الترايثلون (السباق الثلاثي) هناء النابلسي المتخصصة في المسافات القصيرة والمتوسطة، فإن الجري هو منفذ مهم للتعبير والتحكم. تقول هناء: "لقد بدأت الجري في سن مبكرة، على مضض إلى حد ما، لكنني سرعان ما اكتشفت شعوراً بالحرية في خطواتي". يُطلق عليها "ساقا بامبي" بسبب خطواتها الطويلة، وقد منحها الجري شعوراً نادراً بالتحكم، وأصبح "علاجاً" و"وسيلة للسيطرة على الحياة بين يدي".
ورغم أن بعض النساء العربيات قد يشعرن بالضغط بسبب المعايير المجتمعية، إلا أن هناء كانت تشعر دائماً بدعم عائلتها وزميلاتها في الفريق. وباعتبارها عضواً في فريق الإمارات الوطني للترايثلون، تعترف هناء بأن كونها امرأة عربية في الرياضة قد يفرض عليها ضغوطاً إضافية لإثبات نفسها، إلا أنها تتطور مع التحديات. وتقول بفخر: "التحدي يغذيني؛ فهو يشعل النار في داخلي".
يمنح الجري، وخاصة الجري السريع، هناء شعوراً فريداً بالتحرر. وتضيف: "بالنسبة للبعض، يجدون ذلك في الملاكمة مثلاً، أما بالنسبة لي، فأجده في الجري".
وجدت فاليري فاجيرهولت رمضان، وهي مديرة تجزئة وأم تبلغ من العمر 49 عاماً، العزاء والقوة في الجري على مدار عقود من الزمان. نشأت فاليري في الدنمارك، وبدأت الجري في سن الرابعة عشرة تقريباً واستمرت في الأمر طوال حياتها، حيث خاضت كل شيء من استرجاع اللياقة البدنية بعد الحمل إلى قسوة الحياة كأم عاملة. وأثناء فترة طلاقها، أصبح الجري بمثابة ملاذ لها. تقول: "كنت أركض كل صباح بعد توصيل أطفالي إلى حافلة المدرسة، أحياناً أضحك وأحياناً أبكي. لقد ساعدني الجري في الحفاظ على قواي".
وتشير فاليري أيضاً إلى الفوائد العلاجية للجري في معالجة المشاعر. وتقول: "كان الجري دائماً يمثل وقتاً خاصاً بي، ومساحة لتصفية ذهني"، مؤكدة على أنه ينمي المرونة والثقة. وحتى في الأماكن غير المألوفة أو غير المريحة أحياناً مثل لبنان، حيث تم النظر إلي باستغراب بسبب الجري في الأماكن العامة، تابعت فاليري: "لم أشعر أبداً بأمان كما شعرت في دبي. هناك احترام كبير للأشخاص الرياضيين هنا، سواء كانوا من الذكور أو الإناث".
بفضل سنوات من الخبرة، تدرك فاليري الفوائد الفريدة التي تقدمها لها رياضة الجري مع تقدمها في العمر. وتضيف: "هناك أيام أشعر فيها وكأنني أطير وأيام أخرى أشعر فيها بأن ساقي تجرني إلى الخلف. أما اليوم، فقد أصبحت أكثر حكمة. وأعرف كيف أغذي جسدي وأقوم بالإحماء والتمدد بشكل صحيح". ولا يساعدها الجري على البقاء بصحة جيدة فحسب، بل يجعلها متواضعة أيضاً، ويعلمها قيمة الصبر والمثابرة في مواجهة تقلبات الحياة.
بالنسبة لخلود إبراهيم، وهي فلسطينية كندية ومسوقة رقمية ولدت ونشأت في الإمارات العربية المتحدة، بدأ الجري كنشاط غير منظم. تقول: "أمارس الجري منذ 10 سنوات، ولكنني بدأت أمارسه بشكل مستمر خلال السنوات الأربع الماضية، منذ جائحة كوفيد". وبالرغم من العزلة، ساعدتها هذه الفترة على إعادة اكتشاف الجري كداعم أساسي لصحتها النفسية. تقول: "يبدو الجري وكأنه إدمان. يجعلني الإندورفين أشعر بسعادة كبيرة"، مضيفة أنها تنام بشكل أفضل في الأيام التي تمارس فيها رياضة الجري.
وتقدر خلود الأجواء الداعمة والبيئة الآمنة في دبي، وهو ما يشجعها على ممارسة الجري بانتظام. وبصفتها مدربة حياة، فإنها تجسد دور شخصية مجتمعية إيجابية، حيث توضح كيف يمكن للجري أن يتناسب بسلاسة مع نمط الحياة المزدحمة. وتقول خلود إن الجري أثر أيضاً على صفاء ذهنها، مضيفة "أصبح الجري جزءاً ضرورياً من يومي".
وبينما يجذب سباق دبي آلاف الأشخاص إلى شوارع المدينة، يصبح الجري رمزاً للحرية بالنسبة لهؤلاء النساء وعدد لا يحصى من النساء الأخريات، مما يساعدهن على إيجاد السلام وسط زحام الحياة اليومي، حيث تشكل الإمارة خلفية لرحلتهن.