في أكتوبر 2022، اتخذت الفنانة والمشرفة "نور الحاج" خطوةً مهمّة من لندن إلى دبي، حاملة معها شغفها بالفن والحفاظ على الثقافة. وتصف هذه الخطوة بأنها "قرار متبادل" مع زوجها، وكلاهما منجذبان إلى المشهد الفني النابض بالحياة في الإمارات العربية المتحدة. وتقول الفنانة البريطانية اللبنانية: "ما يحدث في مجال الفنون والثقافة في الدولة مثير للغاية".
"بصفتي فنانة عربية، شعرت أنه يجب علي أن أكون جزءاً منه، كرغبة وواجب". ومن خلال هذه الدعوة، جعلت حاج من مهمتها الاحتفال بمساهمات المرأة العربية في الفن ورفع شأنها، وخاصة في مجال العمل النسيجي، وهي الوسيلة التي تم تهميشها تاريخياً إلى المجال المنزلي وتصنيفها على أنها "حرفة" بدلاً من الفنون الجميلة.
,يسعى أحدث مشروع تنظيمي لنور الحاج "أعمال النساء: من الحرف اليدوية إلى الفنون الجميلة"، إلى تكريم تطور فن النسيج ودوره في سرد القصص الثقافية عبر الأجيال، وكما أوضحت الحاج، "استخدمت النساء أعمال النسيج كشكل من أشكال التعبير، ولكن أيضاً كوسيلة لنقل المعرفة والهوية الثقافية من جيل إلى آخر".
كان يُنظَر إلى عمل النساء بالنسج والتطريز وغير ذلك من تقنيات الأقمشة تقليدياً على أنه "نشاط مقبول للنساء"، وكان يقتصر في كثير من الأحيان على المنزل أو الدوائر المجتمعية الصغيرة. وقد قامت هذه القيود بتقييد وتحديد الوسيط، مما عزّز من تصور فن النسيج باعتباره مهمة منزلية وليس شكلاً فنياً في حد ذاته.
ومع ذلك، يهدف هذا المعرض إلى إعادة وضع هذه الممارسات المتجذرة ضمن السرد الأوسع للفنون الجميلة المعاصرة، مع تسليط الضوء على أعمال الفنانات العربيات اللاتي رفعن من مستوى هذا الوسيط.
في أعمال مثل "قرية" لفاطمة شنيشة، نرى التطريز أكثر من مجرد زينة؛ بل أصبح أداة لتوثيق التاريخ، حيث تخيط شنيشة الحياة اليومية لسكان القرى، وتحافظ على قصصهم بطرق قد لا تتمكن الكلمات المكتوبة أو أشكال الفن التقليدية من التقاطها بالكامل.
وتضيف الحاج، وهي تشير إلى القصص المتعددة الطبقات التي تجسدها هذه المنسوجات: "إنها طريقة لتخليد ذكرى حياة القرية للأجيال القادمة".
يقام المعرض في مقر شركة بيئة في الشارقة، بالتعاون مع مؤسسة بارجيل للفنون، في مبنى مذهل من تصميم زها حديد، والذي يعد رمزاً للإبداع والابتكار النسائي العربي. ويعرض المعرض النسائي أعمال 14 فنانة عربية، ويغطي مواهب متنوعة من المغرب إلى تونس.
وتسلّط نور الحاج الضوء على بعض الأعمال الأخرى المعروضة، مثل عمل "النساج" لبشرى خليلي، الذي يرسم موازنة بين النسيج وصناعة الأفلام، وترى خليلي أن كليهما يمثلان طريقتين لسرد القصص، وربط الأجيال، ونقل الحكمة الثقافية. وتضيف: "في العالم العربي، غالباً ما يتم تجاهل نقل المعرفة من خلال فن النسيج. وبالنسبة للعديد من النساء، لم يوفر هذا الفن منفذاً إبداعياً فحسب، بل كان أيضاً وسيلة لنقل الهوية الثقافية".
ولكن هذا التحول من الحرف اليدوية المنزلية إلى الفن الجدير بالعرض في المعارض الفنية لم يكن خالياً من التحدّيات، وتوضح نور الحاج أنّ "التحدي الأكبر كان جمع المعلومات عن بعض الفنانين"، وخاصة أولئك الذين عملوا قبل عقود من الزمان عندما كان فن النسيج غير مقدر إلى حد كبير. "نظراً لأن الفنانات لم يكنَّ مقدرات لفترة طويلة في العالم العربي، وخاصة أولئك اللاتي يعملن بالنسيج، فقد كان من الصعب العثور على معلومات عن بعض القطع القديمة".تخدم المعارض مثل "أعمال النساء" غرضاً مزدوجاً: الاحتفال بالفن وتوثيق تاريخ وسيلة تم تهميشها لفترة طويلة جداً.
وتتجاوز أحلام نور في إقامة المعرض جدرانَ المعرض، فهي تأمل أن يلهم المعرض جيلاً جديداً من النساء لاحتضان هذه التقنيات التقليدية والمضي بها قدماً، وتقول: "حلمي هو أن تأتي امرأة شابة إلى هذا المعرض، وتشاهد هذا العمل الفني الرائع الذي قدمته هؤلاء النساء الرائعات، وتدرك مكانتها بين هؤلاء النساء".
بالنسبة إلى نور الحاج، فإن الهدف النهائي هو أن يرى الفنانون الشباب أنهم "يمكن أن يكونوا الفنانين العظماء القادمين الذين يعملون بهذه التقنيات التي تشكل جزءاً من التراث" وأن يدركوا القوة التي يتمتعون بها لسرد قصصهم الخاصة من خلال هذه الوسيلة المتطورة.
ومن خلال "أعمال نسائية"، فتحت الحاج باباً على عالم الفن النسيجي، ودعت المشاهدين إلى إعادة تصوره بوصفه أكثر من مجرد حرفة يدوية، بل وسيلة تكرم مكانة المرأة العربية في عالم الفن المعاصر.
وعلى حد تعبير الحاج: "نحن نوثّق مجموعة مذهلة من الأعمال"، ومع كل غرزة وكل خيط، تنسج هؤلاء الفنانات إرثاً جديداً للأجيال القادمة.
ويستمر المعرض حتى 16 يناير/كانون الثاني 2025، وهو مفتوح للجمهور.