في خطوة تاريخية لفن الطهي الإماراتي، حقق مطعم "إيرث" في أبوظبي إنجازاً غير مسبوق بحصوله على أول نجمة ميشلان لمطعم إماراتي، مسلطاً الضوء على نكهات المنطقة في المشهد العالمي. ويقف وراء هذا الإنجاز الشيف "ديبي براساد راث"، التي نجح برؤيتهِ الإبداعية في تحويل المطبخ الإماراتي، الذي كان يفتقر إلى التمثيل الكافي، إلى تجربة متميزة في عالم المطاعم الراقية.
"لقد كانت طفولتي رائعة بحق وعشتها بأسلوب تقليدي للغاية"، بهذه الكلمات استهل الشيف ديبي حديثه مستعيداً ذكريات نشأته في أوديشا بالهند. وأضاف: "كانت تلك السنوات مليئة بالتعلم والنمو، حيث تعمقت في الثقافة والفنون والعلوم والطهي. بالنسبة لي، الطهي هو مزيج متقن يجمع بين الفن والعلم، وأداة للتواصل مع الآخرين. لكل مطبخ طابعه الفريد، ولكل طبق قصة يرويها".
على الرغم من أن رحلته نحو أن يصبح طاهياً لم تكن مرتبطة بلحظة إدراك واحدة، فإن شغفه برواية القصص من خلال الطهي يظل واضحاً. ويضيف قائلاً: "رسالتي هي مشاركة معرفتي بالطعام مع الأشخاص الذين يشتركون في نفس الشغف. الأمر لا يتعلق بمهمة شخصية بقدر ما هو عن جعل الطهي متاحاً للآخرين ومساعدتهم على اكتشاف الفرح الذي يقدمه".
كانت رحلة الشيف ديبي في عالم المطبخ الإماراتي خياراً واعياً يهدف إلى إبراز تراث الطهي الثري الذي غالباً ما يغيب عن الساحة العالمية. ويشرح قائلاً: "يمثل المطبخ الإماراتي مزيجاً رائعاً من التاريخ والثقافة والنكهات التقليدية التي تطورت عبر الزمن. ورغم طابعه التقليدي العريق، إلا أنه لا يحظى بالتمثيل الكافي عالمياً، مما يجعله مجالاً ممتعاً ومثيراً لاكتشافه ومشاركته مع الآخرين".
في مطعم "إيرث"، تتجلى هذه التجربة في أطباق تحتفي بجوهر النكهات الإماراتية، مع إعادة تقديمها بأسلوب يلبي تطلعات عشاق المأكولات الفاخرة. حيث يتم إعادة تصور المكونات التقليدية مثل التمر والزعفران والهيل واللومي (الليمون المجفف) باستخدام تقنيات طهي متقدمة، ما يثمر عن قائمة طعام تمزج بتناغم بين الأصالة والابتكار.
يقول الشيف ديبي: "هدفنا كان إبراز النكهات التقليدية بلمسة حديثة. فعلى سبيل المثال، أطباق مثل المجبوس والمرقوقة ترتبط بعمق بالتراث الإماراتي، ولكننا قمنا بإعادة تصور طريقة تقديمها لتناسب معايير المطاعم الراقية. الأمر يتعلق بالاحتفاء بالتقاليد، مع تقديمها بأسلوب يتماشى مع أذواق الجمهور المعاصر".
تحويل الأطباق الريفية الشعبية إلى إبداعات راقية ليس بالأمر السهل، ويعلق الشيف ديبي قائلاً: "تتميز الأطباق الإماراتية التقليدية مثل الهريس والمجبوس والمرقوق بنكهاتها الغنية وطابعها البسيط، وغالباً ما تُقدم في أواني كبيرة أو كأطباق مشتركة. تحدينا كان في تكييف هذه الأطباق لتتناسب مع معايير المطاعم الفاخرة، مع الحفاظ على دفئها وجاذبيتها المنزلية، وهو ما يتطلب توازناً دقيقاً في التقديم والتحكم في الحصص وطريقة العرض".
ومع ذلك، فإن المكافآت تفوق التحديات. بالنسبة للشيف ديبي، فإن أكثر ما يُرضيه في عمله هو رؤية تفاعل الزوار مع القصص العميقة التي يحملها كل طبق. يقول: "تعريف الضيوف بالنكهات الإماراتية يفتح المجال لنقاشات حول تاريخ الإمارات وثقافتها وقيمها. من المجزي حقاً أن نرى الناس يكتسبون فهماً جديداً لهذه المنطقة، يتجاوز الصورة الحديثة التي يعرفونها عنها".
عندما حصل مطعم "إيرث" على نجمة ميشلان في عام 2023، كان هذا التكريم بمثابة انتصار جماعي. يقول الشيف ديبي: "كان شعوراً مثيراً للغاية. هذا الإنجاز يمثل تقديراً للتقاليد والتراث العريق الذي يقوم عليه المطبخ الإماراتي. كما أنه يعد إشارة إلى أن العالم أصبح متحمساً لاكتشاف النكهات المتنوعة والأصيلة لهذه المنطقة".
لقد أثار هذا التكريم شعوراً بالفخر داخل دولة الإمارات العربية المتحدة وفي مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وألهم الطهاة وعشاق الطعام للارتقاء بتقاليدهم الطهي خاصتهم. ويقول الشيف ديبي، الذي نجح في الحفاظ على هذه الجائزة المرموقة في دليل ميشلان أبوظبي لعام 2025: "بالنسبة للمجتمع المحلي، فإن هذا التكريم يعد بمثابة اعتراف بعملي. إنها لحظة يرى فيها الناس الطعام الذي نشؤوا عليه يتم الاحتفال به على الساحة الدولية".
ومع بروز مطعم "إيرث" الآن على الساحة العالمية في عالم الطهي، يشعر الشيف ديبي بمسؤولية كبيرة تجاه الحفاظ على المطبخ الإماراتي وتجديده. يقول: "إنه لشرف وواجب أن نضمن أن الأطباق والنكهات التي نقدمها تتم بعناية واحترام لتراثهم".
من الحصول على المأكولات البحرية الخليجية المحلية إلى موازنة العناصر الحلوة والمالحة التي تميز المطبخ الإماراتي، تسعى كل تفاصيل مطعم "إيرث" إلى إظهار الالتزام بالأصالة. ومع ذلك، فإن روح الضيافة - التي تعد حجر الزاوية في الثقافة الإماراتية - هي التي تمنح التجربة طابعها الفريد والمميز حقاً.
يقول الشيف ديبي: "كنا نرغب في إعادة خلق الأجواء الدافئة والجماعية التي تشكل جوهر الطعام الإماراتي". ويضيف: "من تقديم خبز الخمير الطازج إلى أطباق المشاركة المميزة، كان الهدف هو خلق تجربة تشعر بالترحيب والاحتفال".
من خلال تكييف النكهات الإماراتية التي لم تحظَ بالتمثيل الكافي لجمهور المطاعم الراقية، لا يعمل الشيف ديبي على الارتقاء بجوهر المطبخ فحسب، بل يحرص أيضاً على الحفاظ عليه للأجيال القادمة. كما يقول: "كل طبق يروي قصة، وفي إيرث، نضمن أن تُسمع هذه القصص بصوت عالٍ وواضح".