لاحظت والدة صبي في الرابعة عشرة من عمره كبر حجم صدره بشكل ملحوظ، الأمر الذي أثار قلقها، خاصةً أنه لم يكن يعاني من زيادة الوزن وكان دائماً نشيطاً ويمارس رياضات مثل كرة القدم والسباحة. لكن حجم ثدييه استمر في النمو بشكل غير طبيعي.
كما لاحظت تغيرات في سلوك ابنها، فقد أصبح يشعر بالحرج من مظهره، وصار يمشي ويداه متقاطعتان فوق صدره محاولاً إخفاء تضخم ثدييه. ورغم أن ملابسه كانت مناسبة له، إلا أنه بدأ يطلب مقاسات أكبر، وكان يقف كثيراً أمام المرآة، يفحص نفسه بقلق.
ولأن الوضع كان بحاجة إلى استشارة طبية، قرر الوالدان اصطحاب ابنهما إلى الطبيب الذي شخص حالته بـ "التثدي" أو تضخم الثدي عند المراهقين، وهي حالة قد تحدث لأسباب متعددة.
وقد أشار الدكتور "محمد هونيس"، أخصائي طب الأطفال في عيادة أستر في عود ميثاء إلى أن التثدي هو تضخم أنسجة الثدي لدى الذكور، ويحدث عادةً خلال مرحلتين: الأولى عند الأطفال حديثي الولادة بسبب تأثير هرمونات الأم، والثانية عند المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 12 إلى 16 عاماً بسبب التغيرات الهرمونية التي يمرون بها.
كما أوضح الطبيب الفرق بين التثدي الحقيقي والتثدي الكاذب، قائلًا: "قد ينتج التثدي عن أسباب فسيولوجية أو مرضية. أما التثدي الفسيولوجي فيرتبط غالباً بالنمو والتطور الطبيعي، وقد يختفي تلقائياً دون الحاجة إلى علاج".
وأشار الدكتور "هونيس" إلى أن "التثدي المرضي الذي يرتبط بحالات مرضية معينة يتطلب علاجاً لأسبابه، ويمكن أن يصيب الأطفال في أي عمر". وأضاف: "من المهم التفريق بين التثدي الحقيقي والتثدي الكاذب الذي يحدث عند الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة".
وأضاف أن تضخم الثدي عند الأولاد في سن المراهقة مشكلة قد تسبب القلق لهم ولذويهم. وقال: "يجب علاج هذه المشكلة لأنها قد تسبب الشعور بالخجل من شكل الجسم وتؤثر على تقدير الذات".
وأوضح الدكتور "هونيس" قائلاً: " يتميز التثدي الكاذب بتراكم الدهون في منطقة الثدي، وهي حالة شائعة بين المراهقين الذين يعانون من السمنة المفرطة."
وأشار إلى أن التثدي الكاذب، على عكس التثدي الحقيقي، لا ينطوي على كتلة محددة من الأنسجة الغدية. أما في حالة الطفل غير المصاب بالسمنة الذي يعاني من تضخم الثدي بسبب زيادة الوزن، فتسمى هذه الحالة "تضخم الثدي" وتتميز بتراكم الدهون في منطقة الثدي.
يحدد الخبراء مجموعة من العوامل التي يمكن أن تساهم في التثدي المرضي، بما في ذلك بعض الأدوية، واختلال التوازن الهرموني، مثل ارتفاع مستويات هرمون الاستروجين أو انخفاض مستويات هرمون التستوستيرون، والحالات الصحية مثل متلازمة كلاينفيلتر أو تضخم الغدة الكظرية الخلقي. وقد تلعب المشكلات الصحية الأساسية، مثل أورام الخصية والغدة الكظرية، وأمراض الكلى أو الكبد المزمنة، وسوء التغذية، دوراً أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي السمنة والأدوية مثل مضادات الأندروجين إلى تفاقم هذه الحالة.
وأشارت الدكتورة "شهرزاد مجتبى نائيني"، طبيبة عامة متخصصة في طب التجميل في مستشفى إنترناشيونال مودرن في دبي، إلى أن "التعامل مع حالات التثدي عند الأطفال يعتمد بشكل أساسي على تحديد سبب الإصابة."
وأشارت الدكتورة "نائيني" إلى أن مراقبة حالة المراهقين المصابين بالتثدي عادةً ما تكون كافية، حيث تتحسن حالتهم مع استقرار مستويات الهرمونات لديهم. كما أكدت على أهمية علاج السمنة، حيث أن الدهون الزائدة تزيد من إنتاج هرمون الإستروجين، مما يزيد من نمو أنسجة الثدي لدى الذكور. وأضافت: "حتى لو لم يكن الطفل يعاني من السمنة المفرطة، فإن زيادة الوزن قد تؤدي إلى تضخم الثدي بسبب تراكم الدهون".
وأوصت بإجراء بعض التغييرات في نمط الحياة للسيطرة على أعراض التثدي، بما في ذلك الحفاظ على وزن صحي من خلال اتباع نظام غذائي وممارسة الرياضة. وفي بعض الحالات، قد تكون الأدوية مثل العلاج الهرموني ضرورية، أو قد يتم النظر في الجراحة لعلاج التثدي المستمر أو الشديد. كما أكدت على ضرورة علاج التثدي لتجنب المعاناة النفسية والعاطفية التي قد يسببها للمصاب.
وأوضح الدكتور سلمان كريم، المتخصص في الطب النفسي في عيادة أستر في ديسكفري جاردنز وعيادة أستر رويال في وسط المدينة، أن الطفل الذي يعاني من هذه الحالة يواجه عادةً تحديات عاطفية كبيرة، كالشعور بالحرج والخجل من جسده. ويمكن أن تؤدي التغيرات الجسدية إلى زيادة القلق بشأن اختلافهم عن أقرانهم، مما يعزز الخوف من أن يلاحظه الآخرون أو يسخروا منهم.
وأضاف: "قد يسيطر هذا الضيق على تفكير المصاب، ويصعب عليه التفاعل بإيجابية مع من حوله".
وأوضح الدكتور كريم أن الأولاد الذين يعانون من تضخم الثدي قد يواجهون تحديات عاطفية كبيرة، مثل الشعور بالحرج والخجل من أجسادهم، بالإضافة إلى القلق من اعتبارهم مختلفين عن أقرانهم والخوف من التعرض للسخرية أو المضايقة.
وقد تؤثر التغيرات الجسدية الناتجة عن تضخم الثدي على مشاركة الأولاد في الأنشطة المختلفة. وذكر الدكتور كريم: "قد يقللون من ممارسة السباحة والرياضة، مما قد يؤدي إلى العزلة الاجتماعية وفقدان فرص النشاط البدني، كما ذكر كريم."
وحثّ كريم الآباء على دعم أبنائهم من خلال اتخاذ خطوات استباقية لتعزيز ثقتهم بأنفسهم وتشجيعهم على تقبل أجسامهم، وذلك من خلال التركيز على احتياجاتهم الفردية، وتعزيز استراتيجيات التأقلم مع المواقف الاجتماعية، وتعليمهم تقنيات إدارة القلق. كما ينبغي على الآباء أيضاً النظر في إمكانية التدخل الجراحي في الوقت المناسب.
في بيئة المدرسة، يمكن أن يساعد التعاون مع المستشارين في معالجة التنمر، وخلق مساحات آمنة ومرنة للتربية البدنية، وتعزيز التثقيف حول حساسية هذه القضايا للتخفيف من آثارها.