حاجة الإنسان فطرية إلى تكوين علاقات قوية ومستقرة والحفاظ عليها 
الصحة النفسية

الانتماء ينقذ الأرواح في ظل النزاعات والحروب

الصراعات العالمية تؤدي إلى آثار مدمرة وضعف الشعور بالانتماء وفي النهاية يكون شعورهم بالانتماء هو مصدر خلاصهم

غنوة يحيى ملاعب

في ظل نزوح الملايين من البشر سنوياً بسبب الصراعات، قد يبدو الانتماء أمراً ثانوياً مقارنة بالبقاء على قيد الحياة. ولكن لا يمكننا أن نتجاهل حاجة الإنسان الفطرية إلى تكوين علاقات قوية ومستقرة والحفاظ عليها.

يتم تلبية حاجة البشر للانتماء من خلال إنشاء الروابط الاجتماعية، والروابط العاطفية، والارتباط بمجموعة، وغالباً ما تختلف درجة سعي الأفراد إلى الشعور بالانتماء من حيث الشدة والتكرار.

ببساطة: الناس يحتاجون الناس.

الدكتورة ماسة الكردي، أخصائية علم النفس السريري في مركز الطب النفسي والعلاج النفسي ومتخصصة في الصدمات النفسية، أمضت سنوات في العمل مع اللاجئين والنازحين والأفراد الذين يعانون من عواقب الحرب. وتوضح أنه في حين أن الصراعات العالمية يمكن أن تؤدي إلى آثار مدمرة وضعف شعور الناس بالانتماء، إلا أنه في نهاية المطاف، يكون شعورهم بالانتماء هو مصدر خلاصهم.

لماذا يبقى الناس؟

إن أحد أكثر الجوانب المعقدة فيما يتعلق بالهجرة القسرية هو فهم سبب اختيار بعض الأشخاص البقاء في مناطق الصراع، على الرغم من أن حياتهم مهددة ومعرضة للخطر. وتوضح الدكتورة الكردي أن هذا القرار ينبع غالباً من ارتباط عميق بوطنهم.

وتقول: "يتراود في ذهنهم أن (هذا هو موطني. فلماذا علي أن أغادر؟ هذا هو المكان الذي نشأت فيه؛ وهذا هو المكان الذي أريد أن أكون فيه)". وتشير إلى أن هذا الشعور يظهر بقوة تحديداً ضمن الجيل الأكبر سناً الذين أمضوا حياتهم في بناء حياتهم في موطنهم.

د. ماسة الكردي

أما بالنسبة للآخرين، فهم لا يرون أن عليهم اتخاذ قرار بشأن الأمر. وفي غياب الأموال أو التأشيرات أو أقارب في الخارج، لا توجد أمامهم خيارات.

وفي كلتا الحالتين، يشعر كثيرون بأنه ليس عليهم تحمل مشقة النزوح لمجرد ظروف خارجة عن إرادتهم. لذلك، يظلون وسط الصراع ويواجهون الألم النفسي بالإضافة إلى الخطر المهدد لحياتهم.

وتلاحظ الدكتورة الكردي أن "الكثيرين قد يشعرون بالخيانة والإحباط. فهناك مشاعر غضب وحزن وقلق بشأن البقاء، وبالنسبة لأولئك الذين يغادرون، فهم يواجهون تلك المشاعر بشأن المكان الذي يتجهون إليه. إنه شعور مشترك بين الجنسيات المختلفة". وتؤكد أن هذا النوع من الصدمات لا يمثل صدمة نفسية فحسب، بل إنه غالباً ما ينتقل بين الأجيال وعبر العائلات، ويتفاقم بسبب الصراعات غير المحلولة.

الأمل يأتي مع المجموعة

تقول: "يريد الجميع المساعدة وأن يفعلوا شيئاً ما بشأن ما يحدث. أعتقد أن الجانب المشرق من الصراعات والحروب هو رؤية كيف يتجمع الناس وينهضون للعمل معاً. هناك شعور بالواجب لمساعدة بعضنا البعض وهو ما يعمل على خلق مساحات يشعر فيها الناس بالانتماء، حتى في مناطق الصراع".

النازحون الذين يواجهون التمييز

بالنسبة للمغادرين، فإن الرحلة لا تنتهي بالضرورة بسلام. غالباً ما يواجه اللاجئون والنازحون التمييز والاستبعاد في البلاد المضيفة، ويزيد ذلك من صدمتهم، حيث يتوجب عليهم تبرير وجودهم في أراضٍ قد لا يشعرون بالترحيب فيها.

تتذكر الدكتورة الكردي عملها مع اللاجئين الذين عبروا البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا، وتقول: "في كثير من الأحيان، كانت التجارب التي مروا بها عند وصولهم عدائية. وشعر الكثيرون أنهم بحاجة إلى التبرير أو الدفاع عن قرارهم بالفرار. لم يرغبوا في البقاء، لكن الظروف أجبرتهم على مغادرة بلادهم. لم يفهم الناس ذلك، وهو الأمر الذي زاد من شعورهم بالعزلة".

وتضيف هذه الحاجة إلى التبرير إلى معاناتهم النفسية. ويشعر اللاجئون بالخيانة عندما يواجهون الأحكام والتمييز في البلدان التي ينبغي لها أن توفر لهم اللجوء.

ورغم هذه التحديات، تشير الدكتورة الكردي إلى أن هذا ليس هو الحال دائماً. فكثيراً ما يجد النازحون مجتمعات جديدة، ويخلقون روابط تساعدهم في استعادة بعض الشعور بالانتماء. وتقول: "إن الأشخاص من حولهم هم من يدعمونهم من خلال التعامل بلطف والتضامن، وهو مصدر عظيم للأمل والقدرة على الصمود".

شغل "الفضاء الثالث"

بالنسبة للذين يعيشون وسط ثقافات مختلفة - مثل الأفراد المولودين لأسر نازحة - فإن مسألة الانتماء معقدة أكثر بالنسبة لهم. تسلط الدكتورة الكردي الضوء على معاناة هؤلاء الأشخاص في هذه "المساحات الثالثة" غالباً فيما يتعلق بهويتهم، محاصرين بين ثقافتهم وبيئتهم الحالية. تشرح قائلة: "يعاني هؤلاء الناس لإيجاد المكان الذي يناسبهم. يشعر البعض أنهم لا ينتمون إلى أي مكان، خاصة إذا واجهوا التمييز في المدرسة أو مكان العمل". يمكن أن يؤدي هذا الافتقار إلى الانتماء إلى ضرر دائم بثقة المرء بنفسه وشعوره بالهوية. "ليس من غير المألوف أن يشعر شخص ما أنه بحاجة إلى موافقة من الآخرين لإثبات انتمائه. عندما لا يجد ذلك، يكون الأمر ضاراً للغاية".

ومع ذلك، تعتقد الدكتورة الكردي أنه من الممكن خلق شعور بالانتماء في أماكن متعددة. وتلاحظ أن "الانتماء إلى مكان ما لا يمحو المكان الذي أنت فيه الآن"، وتشجع أولئك الذين يعيشون في أماكن ثالثة على احتضان هوياتهم المتعددة والسعي إلى الانتماء من خلال العثور على أشخاص لديهم قصص مماثلة.

بناء الانتماء وعلاج الصدمات

وبحسب الدكتورة الكردي، فإن الانتماء يشكل جزءاً لا يتجزأ من الصحة النفسية. وغالباً ما يتضمن الطريق إلى الشفاء من صدمة النزوح إيجاد مجتمع يوفر الدعم الاجتماعي وقبول الذات والتثقيف بشأن الصدمات. والشفاء ليس مسؤولية النازحين؛ بل هو جهد مجتمعي لتعزيز الشعور بالانتماء لدى أولئك الذين انقطعت روابطهم بالقوة.

"نحن بحاجة إلى الاعتراف بأن الصدمة ليست أمراً شخصياً فحسب؛ بل هي جماعية، ومتعددة الأجيال، وتضر بالثقافات عموماً. ولكن مع الدعم المناسب، يمكن للناس إيجاد طرق للشفاء وإعادة بناء شعورهم بالانتماء"، كما تقول الدكتورة الكردي. "إذا كان أي شخص في أي مكان يتساءل عما يمكنه أن يفعل كفرد لدعم الأشخاص في مناطق الصراع أو القادمين منها، فيمكن أن يكون ذلك ببساطة مجرد التواصل. لا تقلل من شأن القوة العلاجية للتواصل".

وتشكل هذه الرسالة القوية جوهر عملها مع جمعية الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للصدمات، حيث تدافع عن إنشاء مساحات يمكن للناس أن يجتمعوا بها معاً، ويعبروا عن حزنهم، ويحققوا الشفاء من الصدمات المشتركة.

سيستضيف المؤتمر القادم في الفترة من 15 إلى 17 نوفمبر حلقات تعزية للمجتمع لبناء القدرة على الصمود معاً في مكان آمن. سيتناول خبراء الصحة النفسية من المنطقة قضايا مهمة تتعلق بانتقال الصدمات بين الأجيال لزيادة الوعي بتأثير الحرب والصراع على السلامة العامة.

وتأمل الدكتورة الكردي، من خلال الفعاليات، أن يتم بناء جسور تساعد الأفراد على إيجاد الشعور بالانتماء الذي يبحثون عنه بشدة.

أمطار متوقعة وانخفاض درجات الحرارة في الإمارات

يانصيب الإمارات: الألعاب المتاحة.. أسعار التذاكر وفرص الفوز

استشهاد جندي إماراتي بعد 10 سنوات من إصابته في "عاصفة الحزم"

الإفراج عن أكثر من 3 آلاف سجين بقرار من قيادة الإمارات بمناسبة العيد الوطني الـ53

20% زيادة طرح"طلبات"العام الأولي لإقبال المستثمرين