في عالم اليوم الذي أصبح شديد الترابط، أصبح "الخوف من تفويت الفرصة" ــ المعروف شعبيا باسم "فومو" ــ مصطلحا ثقافيا شائعا. وقد صيغ هذا المصطلح في عام 2004 لوصف سلوك المستهلك، وهو يشمل الآن تجربة نفسية عميقة يشعر بها كل مناحي الحياة. ولكن في حين قد يكون المصطلح جديدا، فإن الظاهرة الأساسية قديمة قدم البشرية نفسها.
منذ العصور القديمة، سعى البشر إلى التواصل والاندماج كوسيلة للبقاء. أوضحت "برونا مبارك"، المستشارة الاجتماعية في عيادة ميدكير كامالي، "كان الاندماج في مجموعة أمرًا أساسيًا لبقاء جنسنا البشري. لقد سمح لنا الوعي بالفرص الضائعة بالتخطيط لتحقيق نتائج حياة أفضل". ومع ذلك، أدى ظهور وسائل التواصل الاجتماعي إلى دفع غريزة البقاء هذه إلى أقصى حد.
وأضافت: "الآن نتعرض لقصف من الصور المنظمة لحياة الآخرين، مما يجعل من السهل إدراك الفجوات بين تجاربنا والتجارب "الأفضل" للآخرين".
وبحسب فاطمة الأمين، أخصائية علم النفس السريري في"نفسي هيلث" Nafsi Health، فإن الخوف من الضياع متجذر بعمق في نفسيتنا، مدفوعًا بالضغوط الحديثة للبقاء على اتصال وتواصل. وأوضحت الأمين: "في حين يبدو المصطلح معاصرًا، إلا أن جذوره تكمن في غريزتنا التطورية للبقاء جزءًا من المجموعة".
وتعمل وسائل التواصل الاجتماعي على تعزيز هذه الغريزة، حيث تغذي المستخدمين بسيل مستمر من أبرز الأحداث المختارة بعناية. وهذا يخلق تحديًا كبيرًا، وخاصة للأجيال الأصغر سنًا. كما عرّفت الأمين الخوف من الفومو بأنه "القلق أو الانزعاج الذي ينشأ عندما تعتقد أنك تفوت تجارب قيمة أو ممتعة يعيشها الآخرون". ومن الناحية النفسية، يتغذى الخوف من الفومو على الفجوة بين الواقع المتصور لدى المرء والصور المثالية التي تتم مشاركتها على منصات مثل إنستغرام وتيك توك وسناب شات.
إن ظاهرة فومو ليست جديدة على الإطلاق. فقد أشارت الأمين إلى أن الاستبعاد من مجموعة ما قد يعني تاريخيا مخاطر البقاء. وأشارت إلى أن "المخاطر في المجتمع الحديث عاطفية، لكن الإشعارات التي لا تنتهي على وسائل التواصل الاجتماعي أدت إلى تكثيف فومو إلى تجربة مستمرة على مدار الساعة". إن العوامل النفسية مثل انخفاض احترام الذات، والكمال، ومكان التحكم الخارجي تجعل الأفراد أكثر عرضة لفومو. كما تلعب العوامل البيئية - مثل التعرض المستمر لوسائل التواصل الاجتماعي والضغوط الثقافية التي تمجد الإنجاز - دورًا أيضًا.
تتفق كل من الأمين ومبارك على أن الخوف من الضياع يؤثر على الجميع إلى حد ما، ولكن بعض الفئات السكانية أكثر عرضة للخطر. وتُظهِر الأبحاث أن الخوف من الضياع أكثر شيوعًا بين المراهقين والشباب، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى أن هذه الفئة العمرية تولي أهمية كبيرة لتأكيد الأقران.
وأضافت الأمين: "كشفت دراسة حديثة أن 69% من أبناء جيل الألفية اعترفوا بأن الخوف من فوات الأوان يؤثر على قراراتهم، بل ويدفعهم إلى حضور فعاليات لم يكونوا ليستمتعوا بها لولا ذلك". ومع ذلك، لا أحد محصن تمامًا. حتى كبار السن الذين يمرون بتحولات في حياتهم قد يعانون من الخوف من فوات الأوان.
قد يكون للفومو فوائد وعيوب. اتفقت الدكتورة الأمين والدكتورة وفاء فريد، أخصائية علم النفس السريري في Nafsi Health، على أن الفومو يمكن أن يحفز الأفراد على تحديد أهداف شخصية أو استكشاف تجارب جديدة. ومع ذلك، أكدا أن سلبياته غالبًا ما تفوق إيجابياته.
تقول فريد: "قد يجعلك الخوف من فوات الأوان تشعر بالإرهاق وعدم الرضا والتعلق المستمر بهاتفك". وأضاف الأمين أن هذا قد يؤدي إلى الإفراط في الالتزام وتشتيت الانتباه والإرهاق العاطفي. "قد يكون هذا السعي اللامتناهي إلى "مواكبة الأحداث" مرهقًا عقليًا ويؤثر سلبًا على صحتك العامة".
إن التأثير النفسي الناتج عن الخوف من الفومو كبير. ووفقًا للأمين، فإن الخوف من الفومو يمكن أن يؤدي إلى زيادة القلق والاكتئاب والتوتر المزمن. وأشارت إلى أن "39 في المائة من الشباب أفادوا أن المقارنات على وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر سلبًا على صحتهم العقلية".
تظل وسائل التواصل الاجتماعي أكبر محفز لظاهرة الخوف من الضياع. وتقول مبارك: "إنها عبارة عن لقطات متواصلة لأفضل لحظات الآخرين". وتقدم منصات مثل إنستغرام وتيك توك نسخة مختارة بعناية من الحياة، مما يخلق وهمًا بأن حياة الآخرين أكثر إشباعًا.
وقد يكون لهذه الثقافة القائمة على المقارنة آثار نفسية خطيرة، إذ تعمل على إدامة مشاعر عدم الكفاءة. وأكدت فريد على أهمية تذكر أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست الحياة الحقيقية. وقالت: "من السهل أن ننسى أن ما نراه على الإنترنت هو مجرد تخمينات، ولا يعكس الواقع الكامل".
إن التحرر من الخوف من فوات الأوان يتطلب بذل جهد متعمد لإعادة صياغة منظور المرء وتقليل الاعتماد على المصادقة الخارجية. وتقدم الأمين الاستراتيجيات التالية لمكافحة آثار الخوف من فوات الأوان:
1. مارس الامتنان: فكر فيما يجعل حياتك مُرضية، بدلاً من التفكير فيما ينقصك.
2. الحد من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي: ضع حدودًا لتقليل التعرض للمحتوى المنسق.
3. ابقَ حاضرًا: ركز على اللحظات الحقيقية التي تحدث من حولك في الحياة.
4. بناء احترام الذات: شارك في الأنشطة التي تعزز نقاط قوتك وقيمتك الفريدة.
5. اطلب المساعدة من المتخصصين: يمكن للعلاج أن يعالج المخاوف العميقة المرتبطة بالخوف من تفويت الفرصة.
"الحياة لا تتعلق بمواكبة الآخرين، بل تتعلق بإيجاد الفرح في تجاربك الخاصة"، نصح فريد.
من خلال فهم الجذور النفسية للخوف من الضياع وتبني عادات أكثر صحة، يمكن للأفراد استعادة راحة البال والتركيز على ما يهمهم حقًا.