في سن الخامسة والأربعين، كانت سارة تتمتع بكل شيء: مهنة ناجحة، وأسرة محبة، وحياة تبدو خالية من العيوب من الخارج.
ولكن ما وراء تلك الصورة المثالية هو أنها كانت تنهار شيئاً فشيئاً، ومع بدء مرور جسدها بالتأثيرات المربكة لسن اليأس، كانت حاجتها إلى تحقيق الكمال في كل جانب من جوانب الحياة تزيد من حدة أعراضها، مما يجعلها تشعر بالقلق والضغط والإجهاد باستمرار.
مثل العديد من النساء اللواتي يمررن بمنتصف العمر، أصبحت حاجة سارة للمثالية عبئاً ثقيلاً بحيث لم تستطع تحمله، وسرعان ما وصلت إلى نقطة الانهيار.
إذا كنت امرأة تمر بمرحلة انقطاع الطمث أو ما قبل انقطاع الطمث، فمن المحتمل أنك تعانين من أكثر من مجرد الهبات الساخنة وتقلبات المزاج. غالباً ما تشتد الرغبة في تحقيق الكمال مع تفاقم التحولات الهرمونية.
ولكن ليس بالضرورة أن يكون الأمر كذلك!
إليك كيف قمت بمساعدة سارة على فهم أنماط سلوكها:
يعتقد الباحثون عن الكمال أن كونك "خالياً من العيوب" سيحميك من الحكم والفشل والنقد، وأنه:
•إذا قمت بالأمر بشكل مثالي، فلن يتمكن أحد من الحكم علي وسأكون في أمان.
•إذا تم هذا المشروع بصورة مثالية، فسوف يُنظر إليّ على أنني جيد بما فيه الكفاية.
•إذا كانت التفاصيل كلها ممتازة 100٪ فلا يمكنني أن أفشل!
يبدو الأمر أشبه بالخوف المقنع، أليس كذلك؟
إن مواجهة توقعات الطفولة، والمرور بتجارب انتقادات سابقة بدت وكأنها رفض لشخصك، بالإضافة للضغوط المجتمعية، جميعها تساهم في تفاقم المشكلة. دعونا نستكشف كيف ولماذا تزداد الأمور سوءاً أثناء انقطاع الطمث.
غالباً ما تعود الرغبة في تحقيق الكمال إلى تجارب الطفولة حيث كان كل شيئ في الحياة يبدو غير مؤكد، أو غير متوقع، أو فوضوي، وكانت الطريقة الوحيدة لاستعادة أي مظهر من مظاهر النظام والأمان هي القيام بالأشياء بشكل مثالي!
إن الدرس المستفاد خلال هذه الأوقات الصعبة، والاعتقاد المصاحب لها، هو أنه إذا فعلت كل شيء على أكمل وجه، فهناك ضمان بأن كل شيئ سيكون على ما يرام.
لحماية نفسك من التذبذب وانعدام السيطرة، فإنك تعملين كثيراً وتفكرين كثيراً وتنتقدين نفسك باستمرار في محاولة للحفاظ على نفسك "آمنة" من المزيد من الفوضى من حولك.
غالباً ما يتبنى الناجون من الصدمات النفسية - وخاصة أولئك الذين عانوا من الإهمال العاطفي أو النقد أو عدم الاستقرار في مرحلة الطفولة - السعي للكمال كاستراتيجية للبقاء.
بالنسبة للعديد من النساء، قد يتجلى السعي للمثالية الناتجة عن الصدمة في الشكل التالي:
• وضع معايير غير واقعية للذات.
•الحاجة المستمرة لإثبات الجدارة.
•الخوف من الفشل أو الرفض أو خذلان الآخرين.
•عدم القدرة على تفويض المهام/الاستعانة بمصادر خارجية/طلب المساعدة.
•النقد المستمر للذات.
•الشعور بأن النجاح مرتبط فقط بإلإنجازات الأخيرة.
ولا يجب السماح لأن يستمر كل ذلك للأبد.
لماذا يشتد السعي للكمال أثناء انقطاع الطمث وما قبل انقطاع الطمث
تؤدي مرحلة انقطاع الطمث وما قبل انقطاع الطمث إلى حدوث تحولات جسدية وعاطفية هائلة. وتؤثر التغيرات الهرمونية، وخاصة انخفاض مستويات هرموني الإستروجين والبروجسترون، على تنظيم العواطف في المخ، وتعاني العديد من النساء من القلق الشديد والاكتئاب والانفعال.
إذا اعتمدت على تحقيق الكمال للتكيف مع الأمر يمكن أن يؤثر عليك ذلك خلال تلك السنوات بالأشكال التالية:
1. زيادة القلق: تشعر المرأة بأن كل ما يتعلق بانقطاع الطمث غير متوقع، فمن تقلبات المزاج إلى الهبات الساخنة، تشعر المرأة بأن كل شيء خارج عن السيطرة. وقد تصبح الحاجة إلى المثالية خارجة عن السيطرة (لأنها ظاهرة تتغذى على الحاجة إلى السيطرة)، مما يؤدي إلى زيادة القلق/الإرهاق.
2. قمة الانتقاد الذاتي: مع تأثير التغيرات الهرمونية على جسدك وعقلك، قد تشعرين وكأنك "لا تفعلين ما يكفي". سواء كان الأمر يتعلق بعملك أو علاقاتك أو مظهرك الجسدي، فإن الحاجة إلى تحقيق الكمال تضخم مشاعر عدم الكفاءة.
3. الإرهاق والإجهاد: إن محاولة الحفاظ على واجهة الكمال خلال فترة مرهقة يمكن أن تؤدي بسهولة إلى الإرهاق والتعب والإجهاد العاطفي - وهي مشكلات شائعة أثناء فترة انقطاع الطمث.
ورغم أن هذا النمط قد يبدو راسخاً، إلا أن الخبر السار هو أنه يمكنك البدء في التخلص من الحاجة إلى تحقيق الكمال واستعادة الشعور بالسلام، وإن العمل مع معالج مؤهل هو الحل الأمثل، ولكن إليك كيفية بدء عملية المعالجة بنفسك:
إن إدراك أن الحاجة إلى تحقيق الكمال أصلها هي تجارب الماضي يمكن أن يساعدك في إعادة صياغة نظرتك إلى نفسك. إن ذلك ليس عيباً - بل هو استجابة مكتسبة لحماية نفسك، وقد بدأ كحاجة لكسب الموافقة من الآخرين وتجنب اللوم.
إن العلاج المضاد للسعي الدائم للكمال هو التعاطف مع الذات. عاملي نفسك باللطف الذي تقدمينه للآخرين وتخلصي من التوقعات غير الواقعية، وتقبلي احتمالية كونك جيدة بما يكفي كما أنت.
بدلاً من تجاهل الألم أو الاستسلام له، فإن التعاطف مع الذات يشمل التفهم تجاه أنفسنا عندما نعاني أو نفشل أو نشعر بعدم الكفاءة.
من خلال ممارسة التعاطف مع الذات، فإنك تسمحين لنفسك بأن تكوني غير كاملة مما يجعلك متقبلة لفكرة أنك تستحقين الحب.
غالباً ما يبالغ الساعون للكمال في الالتزام بالقدر الذي يفوق مقدراتهم، معتقدين أنهم بحاجة إلى التفوق في كل شيء. أثناء انقطاع الطمث، من الضروري وضع حدود واضحة لحماية طاقتك. ركزي على الأشياء التي تهمك حقاً، وتخلي عن المهام التي لا تخدم سعادتك.
بدلاً من سؤال نفسك "كيف يمكنني أن أفعل كل شيء على أكمل وجه؟" حاولي أن تسألي "ما الذي يكفي للقيام به اليوم؟"
إن الحديث السلبي مع الذات هو ما يغذي الحاجة لتحقيق الكمال، ولكن تغييراً بسيطاً في العقلية يمكن أن يكون له تأثير عميق مع مرور الوقت.
عندما يبدأ صوت النقد بداخلك في التحدث معك، عليك تحدي تلك الأفكار. هل من الصحيح حقاً أنه يتعين علي أن أكون مثالية حتى تكون لي قيمة وحتى أستحق الحب؟ ما هو الخوف الذي ينشأ بداخلي؟
إن ارتكاب الأخطاء هو جزء من طبيعتنا البشرية. جربي التحدث مع ذاتك بقول: أنا أستحق الحب والاحترام، حتى عندما لا تكون الأمور مثالية.
قد يكون من الصعب التعامل مع الأمر بمفردك، وخاصة إذا كان مرتبطاً بصدمة أعمق. لا تترددي في طلب الدعم من الخبراء. يمكن أن يساعدك العلاج في التعرف على أنماط التفكير المتعلقة بالحاجة للكمال وإعادة صياغتها.
يمكنك أيضاً اللجوء لمجموعات الدعم للنساء ممن هم في مرحلة انقطاع الطمث حيث تتم مشاركة المعاناة بصدق، مما قد يكون بمثابة تذكير قوي بأنك لست وحدك.
إن مرحلة ما قبل انقطاع الطمث وانقطاع الطمث هي فترة انتقالية هائلة. إذا كنت منشغلة بتحقيق الكمال خلال هذه الفترة، فاعلمي أنك لست وحدك، وأن السعي لتحقيق الكمال هو استجابة دفاعية لم تعد ذات فائدة!
إن منتصف العمر هو الوقت المناسب لك لاحتضان ذاتك الحقيقية - بكل عيوبها - والعيش بحرية وسلام. يمكنك تعلم أساليب جديدة للشعور بالأمان وتقليل الفوضى بداخلك.
كما أن منتصف العمر هو دعوة لاستبدال الكمال بالتوازن والفرح وحب الذات!