لقد قيل الكثير عن كيف أن الإفراط في استخدام الشاشات والتعرض غير المدروس لوسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يضر بالصحة العاطفية والعقلية للشباب، وخاصة الأطفال الصغار. ما لا يدركه البعض هو أن الضغوط التي يواجهها هؤلاء الأطفال اليوم لا تقتصر على المحتوى عبر الإنترنت: يقول خبراء مقيمون في الإمارات العربية المتحدة إن المزيد من الشباب يتعرضون لتوقعات "شبيهة بالبالغين"، مما يجبرهم على النضوج بسرعة كبيرة.
قالت روان عيد الدسوقي، أخصائية سلوك الطفل، إن الضغوط الأكاديمية والمعايير الاجتماعية غير الواقعية التي يتعرضون لها - سواء عبر الإنترنت أو في بيئاتهم - يمكن أن تؤثر على نموهم.
وحذرت من أن "هذا قد يؤدي إلى تخطي الأطفال للمراحل التنموية الضرورية للنمو العاطفي".
وقد تكون التأثيرات طويلة الأمد لهذا الضغط شديدة. وتقول الدسوقي: "الإرهاق والقلق المزمن وارتباك الهوية هي بعض التحديات التي قد يواجهها الأطفال"، مضيفة أن الدفع المستمر "للنضوج" يمكن أن يحرم الأطفال من الاستكشاف الخالي من الهموم اللازم لبناء المرونة ومهارات حل المشكلات.
هناك علامات تشير إلى أن الطفل قد ينمو بسرعة كبيرة.
وأضافت الدسوقي أن زيادة التوتر أو القلق بشأن المظهر والأداء الأكاديمي والقبول الاجتماعي يمكن أن تكون بمثابة علامات تحذيرية.
وأضافت: "قد تلاحظ تراجعاً في الأنشطة القائمة على اللعب، حيث يعطي الأطفال الأولوية للسلوكيات "البالغة".
وقال الدكتور وليد العمر، طبيب نفسي في مستشفى ميدكير في الشارقة، إن الأطفال قد يصبحون منعزلين أو بعيدين عاطفياً أيضاً، مما يعكس ثقل "مشاكل ومخاوف البالغين" التي يشعرون بأنهم مجبرون على تحملها.
وأضاف أن "هذه العلامات تشير إلى أن الأطفال قد يتعرضون لضغوط داخلية تتجاوز نضجهم العاطفي".
ويثير تأثير التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي - إلى جانب توقعات المجتمع - المخاوف بشأن الصحة العاطفية والنفسية للشباب.
وقالت الدسوقي: "على الرغم من أنها توفر فرصاً للتعلم والتواصل والترفيه، إلا أن التعرض المفرط وغير المفلتر للمحتوى عبر الإنترنت يمكن أن يؤدي إلى الإرهاق العاطفي".
"لقد أثرت التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير على التطور العاطفي والنفسي للأطفال. فالأطفال اليوم غارقون في صور مثالية للحياة تخلق توقعات غير واقعية، مما يؤدي إلى القلق وانخفاض احترام الذات."
وقال الدكتور العمر إن المقارنة المستمرة التي تسهلها وسائل التواصل الاجتماعي تعمل على تعزيز الشعور بعدم الكفاية.
وقال إن "العقول الشابة قابلة للتأثر، وغياب الحدود في المساحات الرقمية يمكن أن يعيق التنظيم العاطفي، مما يجعل من الصعب على الأطفال فهم الطرق الصحية للتعبير عن مشاعرهم".
يمكن أن تؤدي ثقافة المقارنة إلى الشعور بالنقص وتشوهات في شكل الجسم والقلق، كما يؤدي التنمر الإلكتروني إلى تفاقم هذه المشكلات.
وأضاف الدكتور العمر أن الأطفال غالبا ما يشعرون بالإهمال، مما يؤثر سلبا على احترامهم لذاتهم وقد يؤدي إلى الاكتئاب.
وأضاف أن "سلسلة المعايير غير الواقعية تخلق بيئة حيث يكافح الأطفال من أجل تطوير صورة ذاتية صحية".
وفي ضوء هذه التحديات، أصبح دور الوالدين والأولياء أكثر أهمية. واقترحت الدسوقي تعزيز التواصل المفتوح والصادق، وخلق مساحة آمنة للأطفال للتعبير عن مشاعرهم ومخاوفهم.
وأضافت أن "وضع حدود واضحة فيما يتعلق بالتكنولوجيا وتشكيل نموذج للسلوك المتوازن أمران ضروريان. ويتعين على الآباء مراقبة المحتوى الذي يستهلكه أطفالهم عبر الإنترنت، والتأكد من أنه يتماشى مع نضجهم العاطفي".
لمساعدة الأطفال على الحفاظ على التوازن بين النمو في عالم رقمي والحفاظ على طفولتهم، يوصي الخبراء بعدة استراتيجيات.
واقترحت الدسوقي تحديد وقت محدد لاستخدام الشاشات وتشجيع الأنشطة غير المتصلة بالإنترنت، مثل اللعب في الهواء الطلق والفنون والحرف اليدوية والقراءة.
إن إنشاء مناطق أو أوقات "خالية من التكنولوجيا" في المنزل، مثل أثناء تناول الوجبات أو قبل النوم، يمكن أن يخلق أيضًا لحظات من الانفصال عن العالم الرقمي.
وقال الدكتور العمر إنه من المهم أيضًا تعليم الأطفال المواطنة الرقمية المسؤولة.
وأضاف "من الضروري بالنسبة لهم أن يفهموا الفرق بين الواقع على الإنترنت والواقع خارجه، وهو ما يمكن أن يساعدهم على التنقل في العالم الرقمي دون أن يفقدوا إحساسهم بذواتهم".
وفي نهاية المطاف، فإن الهدف هو توجيه هذا الجيل ليكبر مع شعور قوي بالذات، والمرونة، والرفاهية العاطفية وسط زوبعة التأثيرات الرقمية.