تشير ظاهرة "الأصالة الرقمية" (أي الجيل الذي نشأ في عالم مغمور بالتكنولوجيا منذ نعومة أظافره) إلى التحولات الكبيرة في الطريقة التي يتواصل بها الجيل "زد" والأجيال الأخرى عبر الإنترنت. مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل العثور على أصدقاء وبناء مجتمعات افتراضية دون الحاجة إلى التفاعلات الشخصية التقليدية التي كانت تشكل أساس العلاقات الاجتماعية.
لكن في السنوات الأخيرة، هناك تحول ملحوظ نحو العودة إلى الحياة الطبيعية، حيث بدأ الأفراد، من جيل "زد" وحتى جيل الألفية وجيل اكس، في البحث عن مجتمعات حقيقية وأصدقاء من خلال التفاعلات اليومية العادية، مثل العمل أو العائلة أو الأماكن العامة مثل المقاهي والصالات الرياضية.
ما يحدث الآن هو نوع من "عودة المكان الثالث"، وهو مصطلح يشير إلى تلك المساحات الاجتماعية خارج المنزل والعمل حيث يلتقي الناس ويتفاعلون بشكل طبيعي، فلا يكاد يوجد أب من جيل الألفية لم يعلق على آباء أصدقاء أبنائه. إن الحاجة إلى التخطيط لكل تفاعل ولقاء سابقاً لا تقارن بالقدرة على لقاء الأصدقاء بشكل عفوي في روتيننا اليومي، سواء في الصالة الرياضية، أو المقهى، أو أثناء التطوع، أو حتى خلال ألعاب الطاولة.
أنا هنا لأوضح لكم ما يجري بالفعل، إنه وقت إعادة إحياء "المكان الثالث".
لكن للحديث عن كيفية عودته، يجب أن نستعرض المكان الذي فقدناه في البداية.
باختصار، يمكننا القول إننا تسببنا في تدميره.
وبصورة أدق، وسائل التواصل الاجتماعي هي التي أدت إلى هذا التراجع. فقد أتاح الإنترنت للجميع فرصة التواصل بطريقة سهلة، حيث أُوكلت مهمة العثور على أصدقاء إلى محركات البحث وخوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي، مما أزال الكثير من الفروق الدقيقة والتفاعل الضروري لتكوين صداقات حقيقية.
تلك اللحظات المحرجة التي تحتاج فيها للتأكد مما إذا كان الآخرون يحبونك أو يجدونك مزعجاً، أو تلك الإشارات الغامضة والنكات السخيفة التي يتبادلها الأصدقاء، هي جميعها عناصر أساسية لبناء علاقات قوية.
يمكنني تقديم بعض الاقتراحات، لكن الجيل "زد" متنوع وكبير لدرجة أن الحلول قد لا تكون بسيطة. بدلاً من ذلك، أود أن أدعو إلى تحول ثقافي. إذا كنت تشعر بالتردد في الذهاب إلى حفلة أو الاستمتاع بوقتك بعد العمل، اسأل نفسك: هل السبب هو أنك انطوائي، أم أنك ببساطة تفتقر إلى الحافز للتواصل والانفتاح؟
إن قدرة الجيل "زد" على التكيف مع البيئات المختلفة هي ما يجب أن نستفيد منه في طبيعتنا الرقمية، وليس مجرد إتقان استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. ينبغي علينا أن نوسع هذه القوة لتشمل جوانب حياتنا الاجتماعية، من خلال تحويل الأصدقاء الذين نعرفهم عبر الإنترنت إلى أصدقاء حقيقيين، أو بتعزيز علاقاتنا الحالية مع الأصدقاء الافتراضيين.
أحد الأمثلة الشخصية التي مررت بها هو أن أحد أصدقائي المقربين دعاني للانضمام إلى نشاط أسبوعي عبر الإنترنت. رغم أنني ألتقي به شخصياً كل أسبوع وأعرفه جيداً، إلا أنني كنت أتعرف على أصدقاء آخرين فقط في سياق هذا النشاط. كان من الصعب التواصل معهم في البداية، ولكن المعلومات البسيطة التي تلقيتها، مثل حساسية طعام أحد اللاعبين، والتي تشبه حساسية أحد أفراد عائلتي، أعطتني خيطاً رفيعاً لتأسيس صداقة تتجاوز علاقتنا عبر الصديق المشترك الذي عرفنا على بعضنا البعض.
بغض النظر عن اللغة المستخدمة لحماية خصوصيتهم، فإن جيلنا قد أنشأ بالفعل عقلية فكرية مرنة وقادرة على المناورة سياسياً، مما أدى إلى تنظيم احتجاجات تضامن دولية تتعلق بقضايا متعددة، بدءاً من حقوق العمال وتغير المناخ، وصولًا إلى حرية الصحافة والإبادة الجماعية.
أعتقد أن هذا هو نوع التضامن بين الأجيال، الذي يمتد من جيل إكس إلى جيل ألفا، والذي تسعى إليه أي حركة. ومع ذلك، نجد أنفسنا غير قادرين على تكوين صداقات حقيقية أو إنشاء روابط في أماكننا الثالثة، ويجب أن نعاني من خلال تطبيقات المواعدة.
فقط كن اجتماعياً، وكن منفتحاً على التواصل، وكن على طبيعتك. قد يبدو الأمر غريباً أن أكرر ذلك وأنا في الثامنة والعشرين من عمري، ولكن هذه الحقيقة التي ينبغي أن ندركها جميعاً.