عندما تُوجت "إميليا دوبريفا" بلقب ملكة جمال الكون الإماراتية في أكتوبر الماضي في حفل خاص، اختلطت مشاعر النشوة بالقلق. فقد وجدت الشابة البالغة من العمر 27 عاماً نفسها أمام قرار صعب: ترك توأميها البالغين من العمر ستة أشهر وابنها البالغ من العمر عامين للسفر إلى المكسيك لمدة ثلاثة أسابيع لتمثيل الإمارات في المسابقة الدولية. لكن "إميليا" كانت تُدرك أن هذا الحلم الذي راودها طوال عقدين يستحق التضحية.
وفي مقابلة حصرية مع صحيفة "خليج تايمز" بعد حفل عشاء عودتها إلى الوطن في أحد مطاعم وسط مدينة دبي أمس الأربعاء، قالت "إميليا": "كان هذا القرار هو الأصعب في حياتي. لطالما حلمت بهذا، وها قد أوشكت على تحقيقه. لكن ترك أطفالي خلفي كان أمراً في غاية الصعوبة. أنا محظوظة جداً لدعم زوجي وأمي وجدتي الذين اعتنوا بأطفالي أثناء غيابي."
وعلى مدار ثلاثة أسابيع، قضت معلمة الباليه من 10 إلى 12 ساعة يومياً في المكسيك لتمثل دولة الإمارات العربية المتحدة لأول مرة في مسابقة ملكة جمال الكون. وقالت: "كان علينا الاستيقاظ في الرابعة صباحاً كل يوم. يُقدم الإفطار في السادسة والنصف صباحاً، وكان من الضروري تناوله. وكانت وسائل الإعلام تحيط بنا في كل مكان، لذا كان علينا أن نكون في كامل أناقتنا بملابسنا ومكياجنا في ذلك الوقت المبكر من اليوم."
وأضافت "إميليا": "طوال اليوم، كنا نتلقى التدريبات والإرشادات حول كيفية التصرف والتعامل مع المسرح، وغيرها من الأمور. لقد كان عملاً شاقاً ومرهقاً، لكنني تعلمت الكثير خلال الأسابيع الثلاثة التي قضيتها هناك. ستبقى هذه الدروس محفورة في ذاكرتي."
وأشارت "إميليا" إلى أن أصعب ما واجهته هو إيجاد وقت للنوم. وأضافت: "عندما يحلّ الليل في المكسيك، يكون الصباح في دبي، حيث كنت أقضي معظم الليل في مكالمات الفيديو مع أطفالي. لم يكن توأميّ الصغيرين يُدركان ما يحدث، لكن ابني كان يفتقدني كثيراً. كنت أثبت هاتفي على المرآة بواسطة شفاط أثناء وضع المكياج لأتمكن من البقاء على اتصال مع عائلتي."
في عام 2003، وعندما كانت طفلة صغيرة في السادسة من عمرها، خطت "إميليا" أولى خطواتها في عالم مسابقات الجمال. واستذكرت تلك التجربة قائلة: "كانت تسمى مسابقة ملكة جمال الكون الصغيرة، وكانت تعتمد على المواهب. كنت صغيرة جداً، لكنني استمتعت بكل لحظة. لقد أحببت التألق والجاذبية والملابس الأنيقة."
وبعد أن تدربت على رقص الباليه، أمضت عدة سنوات في تقديم عروض مسرحية. وقالت: "استمتعت بأضواء المسرح، لكن حلم المشاركة في مسابقة ملكة جمال الكون ظل يراودني، تمنيت تمثيل الإمارات، لكن بدا الأمر حينها بعيد المنال."
على الرغم من أصولها الكوسوفية، إلا أن الإمارات العربية المتحدة هي الوطن الذي عرفته "إميليا" دائماً، حيث عاش في الدولة ثلاثة أجيال من عائلتها. نشأت "إميليا" في ضواحي الشارقة محاطة بأصدقاء إماراتيين. وتقول: "كوني الطفلة الوحيدة لعائلتي، كان جيراني الإماراتيين هم أصدقائي، ولكي أشاركهم ألعابهم، تعلمت اللهجة الخليجية بسرعة."
في عام 2021، وبعد طول انتظار دام 18 عاماً، تحقق حلم "إميليا" بتمثيل الإمارات في مسابقة ملكة جمال الكون. حكت عن تلك اللحظة قائلة: " آنذاك، كانت شروط المسابقة تمنع المتزوجات من المشاركة، ففضّلت التريث قبل الزواج وبذلت قصارى جهدي لأحقق حلمي. وكم غمرتني السعادة بوصولي إلى المراكز الثلاثة الأولى!"
لكنّ الأقدار شاءت غير ذلك، فأُلغيت مشاركة الإمارات في مسابقة ذلك العام لأسباب فنية. تقول "إميليا" واصفة شعورها حينها: "تحطّم قلبي، وظننت أن الوقت قد حان لدفن هذا الحلم والتركيز على حياتي العائلية. تزوّجت بعدها بأشهر قليلة، وقرّرت أن أتفرّغ لأسرتي. كما افتتحت مدرسة لتعليم الباليه للأطفال."
لكن في مفاجأة سارة، تلقّت "إميليا" عام 2024 دعوة للمشاركة في مسابقة ملكة جمال الكون في الإمارات. لكن هذه المرة، تغيّرت الأحوال تماماً. فبعد أن كانت المسابقة مقتصرة على العارضات غير المتزوجات اللاتي تتراوح أعمارهنّ بين 18 و 28 عاماً، أصبحت الآن مفتوحة للجميع، دون قيود على العمر أو الطول أو الوزن أو الحالة الاجتماعية، وذلك بعد أن ألغت إدارة المسابقة جميع هذه الشروط عام 2023.
وقالت ضاحكة: "كان أطفالي حينها بعمر أربعة أشهر فقط، وعندما دخلت المسابقة، كان كلّ ما أتمناه هو قضاء بعض الوقت مع الكبار والتحدّث عن أمورهم اليومية". وأضافت: "لقد أمضيت الشهرين الماضيين لا أفكّر ولا أتحدّث سوى عن الحفاضات والرضّاعات والحليب الصناعي وملابس الأطفال المتّسخة. أردت فقط الاستمتاع بهذه التجربة، ولم يخطر ببالي الفوز على الإطلاق."
لكنّ حلمها الذي راودها طوال 21 عاماً تحقق أخيراً بتتويجها بلقب ملكة جمال الكون! قالت وهي تصف شعورها: "كانت تلك اللحظة هي كلّ شيء. أحياناً أقرص نفسي لأتأكد من أنّ كل هذا حقيقي! أنا أعيش حلمي الآن. أريد أن أقول لكل النساء: لا تتخلّين عن أحلامكن أبداً، فأنا خير دليل على ذلك. إن كان لديك حلم، فاحتفظي بشعلته متقدة دائماً."
وتؤكد "إميليا" أنّ أجمل ما حصدته من هذه التجربة هو التعرّف على نساء رائعات خلال مشاركتها في المسابقة.
وقالت: "كل امرأة هناك تستحق التاج. التقيت بنساء ملهمات حقاً، كلّ واحدة منهن قصة نجاح بحد ذاتها. فملكة جمال إسبانيا لاجئة نشأت في مخيم للاجئين، وملكة جمال الولايات المتحدة امرأة رائعة عملت طيارة في الجيش الأمريكي، لقد كانت مذهلة بحقّ! أمّا ملكة جمال الصومال، فهي الأخرى لاجئة في كندا، وقد حصدت المركز الثاني في مسابقة ملكة جمال كندا، ثمّ دُعيت لتمثيل بلدها الأم الصومال، لتصبح أول متسابقة محجّبة في تاريخ مسابقة ملكة جمال الكون. وملكة جمال الدنمارك أيضاً عاشت حياة صعبة، وسيغير فوزها بالمسابقة حياتها تماماً."
وأشارت "إميليا" إلى أنها كونت صداقات متينة مع العديد من المتسابقات، حتى أنّها دعت بعضهن للإقامة معها في دبي. قالت: "أصبحت أنا وملكة جمال سورينام، "بوجا"، التي شاركتني الغرفة، كالأختين. ستزورني في دبي نهاية هذا الشهر. كما أنّني على تواصل دائم مع متسابقتين أخريين تعيشان في دبي."
وكشفت "إميليا" عن سرها في توطيد علاقاتها مع زميلاتها المتسابقات. قالت ضاحكة: "كانت معظم الوجبات في المكسيك عبارة عن سلطات، فأحضرت معي حقيبة مليئة بالشوكولاتة التي تشتهر بها دبي. بين التدريبات، كانت الفتيات يتوافدن إلي لنشارك سوياً تلك الحلوى اللذيذة. لقد كانت طريقة رائعة لرفع معنوياتنا وتوطيد أواصر الصداقة بيننا."
وعندما سُئلت عن نظامها الرياضي المنتظم، قالت أنها تجمع بين تمارين الكارديو وتمارين القوة. وقالت ضاحكة: "أحمل توأمي بين ذراعي وأركض خلف طفلي الصغير! هذا هو تمريني للقوة والكارديو معاً. بصفتي أماً لأطفال صغار، فهذا هو التمرين الوحيد الذي أملك وقتاً لممارسته. وبالطبع، كلّما سنحت لي الفرصة، أمارس تمارين الإطالة والمرونة التي أحتاجها لأحافظ على لياقتي كمعلّمة باليه."
واستذكرت "إميليا" بعض اللحظات التي حُفرت في ذاكرتها خلال المسابقة، كالمشي على المنصّة مرتدية عباءتها، ورؤية علم الإمارات يرفرف بين يدي الجمهور. قالت: "لقد كان مشهداً مؤثراً جداً. لقد غمرني الفخر وأنا أرتدي عباءتي التي تعكس ثقافة الإمارات، لكن بعدي عن وطني وعائلتي أيقظ في داخلي مشاعر جياشة. فما إن رأيت علم الإمارات بين الجمهور حتى انهمرت دموعي. أنا ممتنة للغاية لهذه الفرصة التي سمحت لي بتمثيل هذا البلد الذي منحني الكثير."