يجب أن أعترف أنه ولأول مرة منذ زمن، أجد نفسي أستمتع بصحبة والديّ دون أن تعتريني رغبة ملحة في نتف شعري.
ولكي أكون واضحاً، أرى أن والديّ شخصان طيبان، ولكن يبدو أن التعامل مع أبناء جيلي بات مختلفاً. فبدلاً من معاملتنا كـ"أطفال"، أصبحنا نُعامل كـ "أشخاص أصغر سناً بثلاثين عاماً". ربما يعود ذلك إلى سهولة التواصل والتأثير المتبادل عبر التكنولوجيا، أو ربما لأنّ بعض أبناء الجيل إكس وجيل طفرة المواليد يدركون التحديات التي نواجهها في عالم اليوم.
وخلال هذه الإجازة، لم ألحظ فقط كيف أتحول من "رجل مستقل" إلى "ابن" في حضور والديّ، بل أدركت أيضاً حقيقة عميقة حول طبيعة والديّ كشخصين مستقلين، بكل ما يحملانه من خبرات وتجارب.
إن الأمر مرتبط بعلاقات العائلة بشكل ما، فقد بدأت أدرك طريقة تفكير والديّ عندما كانا في مثل سني، بل وربما مشاعر بعض أسلافي في ظروف تاريخية مشابهة، سواء في كندا أو الشرق الأوسط. قد تكون الأسر عوالم منعزلة، وكنت أُوهم نفسي بأنني أفهم عائلتي أكثر من أي شخص آخر.
لقد أدركت حقيقة مُركبة حول علاقتي بوالديّ: فأنا أتفوق عليهما في بعض الجوانب، ويتفوقان عليّ في جوانب أخرى. أما حواراتنا، فقد أصبحت أكثر انفتاحاً وصراحة، تعكس تبايناً واسعاً في المشاعر وتقلباتها.
هذا الشعور بـ"إعادة الضبط" ليس وليد إجازة عابرة، بل هو تحول دائم ألمسه كلما اجتمعت بعائلتي. أُرجع ذلك لنشأتي في ثقافة مختلفة، ثقافة ثالثة امتزجت فيها عادات وتقاليد متنوعة. ففي الإمارات، وطن طفولتي، وبينما كنا نحتفل مع الأصدقاء بمناسبات مختلفة كأعياد الميلاد والأعياد الإسلامية، ظلت "العائلة" هي الملاذ والحصن الذي ألوذ به، كياناً متماسكاً بلا تشعبات علاقات الأقارب المعقدة.
ويرتبط هذا بمقالي للعام المقبل: "الجيل زد والترحال الرقمي". أعتقد أننا على أعتاب عصر جديد تُشكّل فيه هذه الهوية عاملاً أساسياً. فمن خلال بحثي في مجالات الذكاء الاصطناعي والعمل والإعلام، ومن خلال معرفتي بكيفية عمل ونجاح الشباب في دبي وحول العالم، اكتشفت أن "المكان" و"الانتماء" يشكلان محور هوية الجيل زد، ولكن دون ارتباط مطلق بمكان محدد.
أعتقد أن هذا هو العصر الذي يتوجب علينا فيه مواجهة الحقائق الصعبة؛ مثل شبح تغير المناخ الذي يهدد كوكبنا، والتفاوت المتزايد بين الأغنياء والفقراء، ومعاناة الكثيرين من أجل البقاء.
قد تبدو الصورة قاتمة، لكن ثمة بوادر أمل تلوح في الأفق، مثل اتجاه رأس المال العالمي نحو صناعات المستقبل كالذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة وحماية البيانات. وإدراك حقيقة العالم متعدد الأقطاب - الذي قوبل بالرفض من قِبل البعض باعتباره مجرد أوهام، بينما رآه آخرون أداة فعّالة لفهم الجغرافيا السياسية - يأتي في مرحلة حاسمة نشهد فيها تغيّراً جذرياً في المعايير والقواعد العالمية.
وفي خضم هذه التحولات الجذرية، أصبحت مهمتي هي تسليط الضوء على كيفية مواجهتها، سواءً كنت من الجيل زد مثلي، أو من جيل الألفية المتشكك، أو حتى شخصاً لامبالياً بأحوال العالم. فنحن جميعاً، وكلّ من يأمل في استخدام أدوات وتقنيات هذا العصر للتقدم والابتكار، نقف على مفترق طرق. ولن ننجح في ذلك إلا إذا تجرّدنا من التعصب للأفكار القديمة، وألقينا نظرة ناقدة على الماضي، واحتضنا هذا العصر الجديد الذي بلغ ربع قرنه، حيث يشارك عدد غير مسبوق من الناس في حوار مستمر حول مصير الإنسانية والسعي نحو هدف أسمى من ذواتنا.