تنهدتُ بضيق. حقاً يا فوربس؟ مقالٌ آخر يهاجم الجيل زد؟ "ثلاثةُ أسباب لطرد الجيل زد من مكان العمل، يشرحها أحد علماء النفس". يبدو أن الهجوم على هذا الجيل أصبح موضة رائجة!
ولكن، مهلاً، الموضوع يخصّني مباشرةً، فكيف لي أن أتجاهله؟ لا يُمكنني الجلوسُ مكتوفَ الأيديّ بينما تُناقشُ عيوبي المزعومة! وأنا على يقينٍ أنَّ السبب ليس "افتقاري إلى الدافع" كما يدّعون.
على الأقلّ، كاتب المقال طبيب نفسي حقيقي، ويبدو أن لديه حججاً يدّعي من خلالها صحّة كلامه. قد تتساءل عن سبب اهتمامي بهذا الموضوع، لكن، بصراحة، أريد أن أعرف ما الذي يفكر به هؤلاء الكبار عنّا، نحن الجيل زد.
السبب الأول هو أننا نفتقر إلى الحافز، ولكن هذا ليس خطأنا. وأنا شخصياً أوافقه الرأي، فإحجامنا عن العمل الجاد ينبع من معايشتنا لما عاناه آبائنا من ظلم في بيئة العمل، أو من رؤيتنا لما حدث خلال الأزمة المالية عام 2008، أو حتى أثناء الجائحة، وكيف كان العمال يُعامَلون بقسوة بمُجرّد دخولنا سوق العمل.
جميلٌ أن نرى العلم يُؤكّدُ ما نُحسّهُ ونعيشه! وهذا يعيدنا إلى ما ذكرته سابقاً، لماذا أرهقُ نفسي وأجاهد للارتقاء بمجهودي الفرديّ، في حين أن النجاح الحقيقي، في معظم الأحيان، لا يعتمد على العمل الجاد، بل على عوامل أخرى لا علاقة لها بالكفاءة؟
ويُسهب الكاتب في هذا القسم في الحديث عن توقّعاتنا من صاحب العمل، فنحن نريده أن يهتمَّ بالعالم، وبموظّفيه، وأن يُقدّر جهودهم، وأن لا يستغلهم. وفي النهاية، سيحصل صاحب العمل على ما يستحقه، بناءً على ما يقدمه لموظّفيه. وقد أعجبتني هذه الجملة: "قد يكون هذا الافتقار الملحوظ إلى الحافز شكلاً من أشكال الحفاظ على الذات، أو الإحجام عن الانغماس في نظام لم يقدم الكثير من الاستقرار في المقابل".
ثمّ ينتقل الكاتب إلى نقطة التواصل، مُؤكّداً على وجود فجوة لغوية بيننا وبين الأجيال الأكبر سناً. صحيحٌ أننا نمتلك مهارات شخصية متميزة، ولكن هل من المنطقيّ أن يتوقع منّا أصحاب العمل التقليديّون التكيّف الكامل مع أساليبهم القديمة، وفهم كل شيء، وإرضاء الجميع؟ أمّا بالنسبةِ لِـ "افتقارِنا إلى الخبرةِ في مُقابلةِ الموظّفين وجهاً لوجه" فهي نقطة صحيحة إلى حد ما، حيث دخل الكثير منّا سوق العمل في عام 2020، في ظلّ ظروف استثنائية فرضتها الجائحة، مما أدّى إلى تراجع التواصل المباشر. ولكن، من الإنصاف أن نُشير إلى أن الكثير من أصحاب العمل كانوا مُترددين في تقديم أيّ تنازلات لتسهيل عملية التواصل، والاندماج في بيئة العمل.
أشعر أن الكاتب كان يمكنه التعمُّقَ أكثر في هذه النقطة، فهو كغيره من الكُتّاب في وسائل الإعلام التقليدية، يحاول "فهمَ" الجيل زد دون أن يُدرك أنَّنا نُعبّر بصراحة عن احتياجاتنا على مختلف منصات الإنترنت. يبدو أنَّهُم يُفضّلون تجاهل أصواتنا، والاستمرار في تحليل شخصياتنا بناءً على افتراضات واهية!
بالمناسبة، هل تعلم أنَّ هناك العديد من الشركات التي تُعلن عن وظائف شاغرة بشكلٍ دائم، ليس لأنها تُريد التوظيف، بل لتضخيم أرقام نموها بشكلٍ مُصطنع؟ هذه الشركات تستمتع بإضاعة وقتك في مقابلات عمل لا طائل منها، وهي تعلم مُسبقاً أنها لن تُوظّفك. أنا شخصياً مررتُ بهذه التجربة مُؤخراً.
بالنسبة للسبب الثالث فهو نفس الأسطوانة المُعادة، رفضُنا لمقولة "لا حياة بلا عمل". لن أُكرّرَ ما قاله الكاتب، فهو لم يأتِ بجديدٍ عن رغبتنا في تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية. ما يُثير الانتباه حقاً هو أنَّ يوم العمل في عمر الثامنة والعشرين مُختلف تماماً عمّا كان عليه قبل عقد أو عقدين أو ثلاثة عقود. فالتكنولوجيا الحديثة تُتيح لنا إنجاز المزيد من المهام في وقت أقلّ، وهذا ما لا يدركه الكثيرون.
أنا لا أُضيّع وقتي في أخذ استراحة لتناول القهوة، أو ساعة لتناول الغداء، أو القيادة عبر المدينة لحضور اجتماع، أو إجراء مكالمات تسويق عبر الهاتف وإرسال رسائل بريد إلكتروني باستخدام دليل الهاتف. بل أُنجز كل هذه الأشياء إلى جانب العمل الجاد لمدة ثماني أو عشر ساعات يومياً، أربعة إلى ستة أيام في الأسبوع، مع تحمّل أكبر قدرٍ ممكنٍ من المسؤوليات. ولله الحمد، حسابي المصرفي خيرُ شاهدٍ على ذلك.
ولكن، بينما كنت أُفكّرُ في ردود الفعل على هذا المقال، الإيجابية في مُعظمِها، خطرت لي فكرة استغلال هذا الموضوع كمنبر لفهم مشاعر أبناء جيلي. صحيحٌ أنني قد لا أكون من الجيل زد بالمعنى الدقيق للكلمة (وفقاً لأُختي التوأم)، لكنني أشعر بالانتماء لهذا الجيل، فأنا أُشاركُهم همومَهم وطموحاتهم. وفي النهاية، هذه التسميات والحواجز ليست إلا أوهاماً زائلة.