في تمام الساعة السادسة صباحاً في هاواي، عندما كانت السماء ما زالت مظلمة وكان الاتصال عبر تطبيق زووم غير مستقر، ومن خلال الشاشة المتذبذبة، ظهر بوضوح تألق شخصية "ديفيد لابوشير". وفي الليلة السابقة، عبر لابوشير خط النهاية في بطولة الرجل الحديدي، وجاء في المركز التاسع، وكان لا يزال يشعر بتوابع السباق على جسده. ومع ذلك، حضر اللقاء وكان حريصاً على مشاركة الرسالة التي أصبحت الآن مهمة حياته: التوعية بشأن صحة الرجال.
وُلِد ديفيد لابوشير في بلدة جلوستر الصغيرة في غرب إنجلترا. كان والده نجاراً وكانت والدته ممرضة. تمتع بتربية مثالية، بفضل العمل الشاق الذي قام به والداه. لقد وفرا له ما يكفي من المال حتى أنه لم يشعر أبداً بالنقص، وأشار إلى نشأته كنشأة صبي ريفي. وبعد إكمال تعليمه، في البداية، كان يمارس الرياضة لكنه انضم إلى الجيش في سن التاسعة عشرة، حيث ألهمه شرف المهنة والواجب الذي تمثله.
وقد كرمته الملكة إليزابيث الثانية مرتين بوسام ضابط الإمبراطورية البريطانية ووسام عضو الإمبراطورية البريطانية، وشهدت مسيرة ديفيد العسكرية المتميزة قيادته من الخطوط الأمامية في أمريكا الجنوبية إلى أيرلندا الشمالية، وصياغة العقائد الاستراتيجية التي لا تزال تحدد القيادة في القوات المسلحة البريطانية. كما حصل على جائزة الخدمة المتميزة لخدمته في البلقان.
انتقل إلى دبي في عام 2010، وتحول إلى صاحب شركة صغيرة بعد أربع سنوات من الخدمة في جيش الإمارات العربية المتحدة. وفي عام 2014، وجد دعوته الحقيقية في التدريب.
باعتباره مدرب تنفيذي معتمد من قبل مؤسسة غالوب وجمعية التدريب والاتحاد الدولي للتدريب والتطوير، يساعد ديفيد المهنيين ذوي القدرات العالية ورواد الأعمال الناشئين على تطوير استراتيجيات للوصول إلى أقصى إمكاناتهم.
يقول ديفيد: "أصبح التدريب جزءاً من حياتي؛ فهو أكثر من مجرد وظيفة، بل هو هدف. إن حياتنا تتشكل وفقاً لصحتنا النفسية، والتي غالباً ما تكون مبنية على التواصل والمجتمع. وفي هذا العالم الرأسمالي الذي نعيش فيه، من المهم ممارسة الأعمال بصورة جيدة وأخلاقية، والحفاظ على القيم والمعايير".
إن فلسفته واضحة وعميقة: "الفعل يخفف من القلق". إنها عبارة يتردد صداها بعمق، سواء في مهنته أو عمله في التوعية حول صحة الرجال، وخاصة بسرطان البروستات.
قبل عقد من الزمان، اعتمد ديفيد نهجاً منضبطاً بشدة عندما شارك في سباقات الرجل الحديدي الثلاثية، وهو الأمر الذي دفع جسده وعقله إلى أقصى الحدود في رياضة تتطلب الالتزام التام. ويحتل ديفيد المرتبة العاشرة على مستوى العالم في فئته العمرية، ويبدأ نظامه اليومي في الساعة 4.30 صباحاً بالركض في الصحراء، وجلسات الصالة الرياضية، والسباحة في المياه المفتوحة. ويقول ديفيد: "الرجل الحديدي ليس مجرد سباق؛ إنه أسلوب حياة". وبالنسبة له، فإن هذه الرحلة تتجاوز قدرة البدن على التحمل، بل إنها تتعلق برعاية المجتمع، ووضع مثال للحياة الصحية، وإظهار القوة التي تأتي من الانضباط للآخرين.
ولكن لقاءً غير متوقع على شاطئ دبي أعطى ديفيد فهماً جديداً لهدفه. فخلال جلسة تدريبية، قدم رجل سبعيني يدعى ستيف آشبي نفسه باعتراف صادم: "أنا مصاب بسرطان البروستات في مرحلته الرابعة". وكان رد ديفيد بسيطاً ولكنه قوي: "ماذا ستفعل حيال ذلك؟". وقد قادته هذه اللحظة إلى المشاركة في "رايز" (RISE)، وهي مبادرة لزيادة الوعي بسرطان البروستات وخلق مساحة للرجال للتحدث بصراحة عن صحتهم. ويشير ديفيد إلى أن "الرجال لا يتحدثون عن هذه القضايا، حتى مع أقرب الناس إليهم. ولكن عندما نبدأ التصرف حيال ذلك ونتحدث، فإن هذا التحرك سيخفف من القلق".
من خلال "رايز"، يعمل ديفيد وستيف على تغيير المفهوم حول سرطان البروستات، ومساعدة الرجال على السيطرة على صحتهم والمشاركة في شبكات الدعم الهامة. والهدف ليس مجرد التوعية بل التشجيع وإعطاء الرجال الأدوات والثقة لمواجهة التحديات بشكل مباشر.
ويقول: "في بعض الأحيان لا يستطيعون حتى التحدث إلى أهم الأشخاص في حياتهم، زوجاتهم أو عائلاتهم، لأن هناك وصمة عار مرتبطة بهذا المرض على وجه الخصوص. نريد مساعدتهم في التغلب على ذلك".
لا تكتمل حياة ديفيد بدون عائلته، وخاصة زوجته كارولين، وهي مناصرة للصحة والعافية ولديها عدد كبير من المتابعين. كارولين هي "أكبر معجب" لديفيد، وهو الآن أكبر داعم لها وهما "يظهران معاً على إنستغرام"، حيث يصور رحلتها في الترويج للتقدم في السن بشكل صحي. تقول كارولين: "إنه يجعلني أشعر بالأمان والحب"، مضيفة أن زواجهما الذي دام لمدة 33 عاماً هو شراكة أساسها الولاء والمرونة. تضحك كارولين وتقول: "يمكن أن يكون صارماً في أهدافه ولكنه لطيف أيضاً، فهو أول من يبكي أثناء مشاهدة الأفلام. لن أتركه أبداً. لماذا قد يريد الشخص تدريب زوج آخر؟"
يضيف ديفيد: "إنها تعمل على دعم وتمكين النساء لتقبل التقدم في السن، ليس كمسار نحو مستقبل رمادي، بل كوقت للاحتفال بالحياة والاستفادة القصوى من كل نعمة يأتي بها. وهي تركز بشكل خاص على توجيه النساء خلال سن اليأس، حيث تقضي معظم أيامها في مساعدة النساء اللاتي يشعرن بالحيرة أثناء هذه المرحلة من الحياة. وقد وصل عدد الإعجابات التي تحصل عليها منشوراتها إلى 12 مليون إعجاب؛ وهو ما يشير إلى عملها المميز. وهي تشجع النساء على اتخاذ خطوات للشعور بتحسن، وفعل المزيد، والمساهمة بشكل أكبر - مما يعزز الشعور القوي بالمجتمع والهدف على طول الطريق".
قادهما شغفهما المشترك بتحديات القدرة إلى أحد أكثر التحديات التي لا تُنسى: إكمال سباق ماراثون بطول 100 كيلومتر في إنجلترا في يوليو 2019. من خلال التدريب معاً في الساعة 3 صباحاً في جبال حتا بدبي، قاما بوضع روتين أصبح معتاداً لهما. تتذكر كارولين: "اعتقدنا أننا سننتهي بحلول الساعة 10 مساءً، لكننا انتهينا في الساعة 2 صباحاً، شعرنا بالإرهاق والبرد وكنا نمسك بأيدي بعضنا. كانت ليلة بائسة، لكن المشي معاً في الظلام، متظاهرين بأننا عدنا إلى جولاتنا المعتادة في دبي، كان شيئاً لن أنساه أبداً. شعرت بالامتنان الشديد لوجود ديفيد بجانبي".
ويستمتع ديفيد حالياً بفرحة الفوز بالمركز الأول في سباق" ترياثلون تي 100" في دبي الأسبوع الماضي، في فئته العمرية لمن يتجاوز عمرهم 60 عاماً. ويقول: "كان أكبر رجل شارك في سباق الرجل الحديدي في الثمانينيات من عمره، وقد أنهى السباق في 17 ساعة. وفي المستقبل، هدفي هو إنهاء السباق في 10 ساعات".
بالنسبة لديفيد، كانت كل التحديات التي واجهها، من الخدمة العسكرية إلى مسابقات الرجل الحديدي إلى التوعية حول الصحة، بمثابة فرصة للتطور والإلهام والقيادة. وتظل مهمته واضحة: الارتقاء بنفسه ومساعدة الآخرين على الازدهار معه.