"أرجون كور ميتال" هي طالبة في برنامج هيل للتعليم في مدرسة نورث لندن كوليجات دبي، ومؤسسة "احتياجات تنزانيات" (Her Needs Tanzania)، وهي منظمة تقوم بتوفير مستلزمات الدورة الشهرية للفتيات، وتمكينهنّ من خلال التعليم والرياضة في المناطق الريفية بتنزانيا.
وعلى الرغم من صغر سنّها، الذي لم يتجاوز السادسة عشرة، إلا أن "أرجون" أثبتت أن بإمكان الشباب إحداث تغيير إيجابي في العالم. فقد انطلقت بمشروعها الطموح لمعالجة قضايا حيوية في تنزانيا، مركّزة على تحسين صحة الفتيات خلال فترة الدورة الشهرية، وتمكينهن من خلال التعليم. تهدف مبادرتها "احتياجات تنزانيات" إلى توفير الفوط الصحية لآلاف الفتيات، ليتمكّنّ من الذهاب إلى المدرسة بثقة وفخر، دون شعور بالحرج أو الخجل. كما تساهم مبادرتها في تمكين الشابات من خلال برامج رياضية متنوعة، تغرس فيهن روح المنافسة والقيادة.
وانطلقت رحلة "أرجون" من ملاحظة أثارت قلقها، حيث وجدت أنّ الكثير من الفتيات يُجبرن على التغيب عن المدرسة بسبب نقص المنتجات الصحية بأسعار مناسبة. كما لاحظت افتقار الأطفال في مجتمعها إلى الموارد التي تمكنهم من ممارسة الرياضات التي يحبونها، مثل كرة القدم. لم تعتبر "أرجون" هذه المشاكل مجرد عقبات لوجستية، بل رأت فيها انعكاساً لعدم المساواة الذي شعرت بمسؤولية شخصية تجاه معالجته. ومن رحم هذه الرغبة الصادقة في إحداث التغيير، وُلدت منظمة "احتياجات تنزانيات".
وانطلاقاً من شغفها الكبير بإحداث التغيير، ركزت "أرجون" جهودها على قضية حيوية غالباً ما تُهمَل، ألا وهي صحة الدورة الشهرية. فالكثير من الفتيات في المناطق الريفية بتنزانيا يُحرمن من التعليم أثناء فترة الحيض، بسبب ارتفاع تكلفة المنتجات الصحية وقلة توفرها. لذا سعت "أرجون" جاهدة إلى إزالة هذا الحاجز الذي يحول دون حصولهن على التعليم. وبموارد محدودة، بنت مؤسستها "احتياجات تنزانيات" على مبدأ مفاده أن "كل تغيير ذي مغزى يبدأ بعمل شخصي". وأصبحت مؤسستها بمثابة شريان حياة لعدد لا يحصى من الفتيات الصغيرات، حيث توفر لهن إمكانية الوصول إلى المنتجات الصحية الآمنة وبأسعار معقولة.
ولم تكتف "أرجون" بتوفير المنتجات الصحية، بل ابتكرت نموذج عمل يساهم في خلق دخل مستدام للنساء المحليات، مما يعزز استقلاليتهن الاقتصادية. كما دعت إلى إجراء تغييرات على الضرائب المفروضة على المنتجات الصحية، والتي تشكّل عبئاً ثقيلاً على الكثيرين، وتحول دون حصولهم عليها. ولتحقيق هدفها هذا، التقت "أرجون" بأعضاء البرلمان التنزاني، بمن فيهم رئيسة البرلمان الدكتورة "توليا أكسون"، للمطالبة بإصلاحات تشريعية.
وتتجلى مهمة منظمتها في هدف واضح ونبيل، ألا وهو توفير الفوط الصحية للفتيات اللواتي يُجبرن على استخدام بدائل غير آمنة، مثل أوراق الشجر أو القماش، مما قد يسبب لهنّ العدوى ويؤدي إلى غيابهنّ عن الدراسة. وأعربت "أرجون" عن أسفها لهذا الواقع المؤلم، قائلة: "من المحزن أنه في عام 2024، لا تزال الفتيات يُجبرن على الاختيار بين التعليم وإدارة فتراتهنّ الشهرية بكرامة". ولا يقتصر دور مشروعها على توفير المنتجات الصحية فحسب، بل يتعدّاه إلى زيادة الوعي وتثقيف الفتيات حول أهمية النظافة الصحية أثناء الدورة الشهرية.
في الصيف الماضي، نظمت "أرجون" مهرجاناً لجمع التبرعات في أروشا، وقد شهد المهرجان تضافر جهود الشركات المحلية والمتبرعين لجمع مبلغ 80 ألف دولار. وبفضل هذا الدعم السخي، ستتمكن منظمة "احتياجات تنزانيات" من توفير المنتجات الصحية لعشرين ألف فتاة في منطقة أروشا على مدى السنوات الثلاث المقبلة، مما يضمن لهن متابعة تعليمهن دون انقطاع بسبب الدورة الشهرية.
وإلى جانب اهتمامها بصحة الدورة الشهرية، تؤمن "أرجون" بالقوة التحويلية للرياضة، وتدرك أهميتها في تنمية شخصية الأطفال وتعزيز مهاراتهم. وقد تجلى ذلك في مبادرتها لتنظيم معسكر كرة قدم استمر لثلاثة أسابيع لـ 63 طالباً من مدرسة سينون الابتدائية، حيث وفرت لهم مساحة آمنة لممارسة رياضتهم المفضلة وتطوير مهاراتهم، رغم نقص الإمكانيات. وقالت "أرجون": "يواجه هؤلاء الطلاب تحديات صعبة لا يمكن للكثيرين منّا تصورها، ولكنهم وجدوا في كرة القدم ملاذاً آمناً ونافذة للفرح والحرية". وقد استلهمت "أرجون" هذه الفكرة من تجربتها في تدريب الفرق الصغيرة في مدرستها، حيث لمست عن قرب الفوائد العاطفية والجسدية التي تقدمها الرياضة.
ولا تقتصر جهود "أرجون" على العمل الشعبي، بل تتعداه إلى الدعوة إلى إصلاحات تشريعية. فقد وصلت بمهمتها إلى البرلمان التنزاني، حيث ناضلت من أجل إجراء تغييرات جذرية على الضرائب المفروضة على المنتجات الصحية. وعلى الرغم من خيبة أملها إزاء بطء الإجراءات وتعقيدها، إلا أن "أرجون" لا تزال مصممة على مواصلة مسيرتها. وأضافت: "في بعض الأحيان، يتعين على المرأة الصغيرة أن تدفع المرأة الكبيرة إلى اتخاذ قرارات تساعد جميع النساء".
تتطلع "أرجون" بثقة نحو المستقبل، حيث ترسم أمامها هدفاً طموحاً يتمثل في القضاء على الفقر المرتبط بالدورة الشهرية في جميع أنحاء تنزانيا. وتخطط لتوسيع نطاق عمل منظمتها "احتياجات تنزانيات" من خلال مواصلة الدعوة إلى المزيد من الإصلاحات الضريبية، وإطلاق ورش عمل توعوية لمكافحة الوصمة المرتبطة بالدورة الشهرية. كما تطمح إلى التعاون مع المنظمات غير الحكومية والهيئات الحكومية ذات الخبرة والإمكانيات الأكبر، لضمان وصول الدعم إلى المزيد من الفتيات في جميع أنحاء أفريقيا، وتوفير الموارد الأساسية التي تساعدهنّ على عيش حياة كريمة.
رسالة "أرجون" واضحة وجلية: مع الامتياز تأتي المسؤولية. وقالت: "لدينا جميعاً القدرة على إحداث فرق". ومن خلال مبادرتها "احتياجات تنزانيات"، أثبتت أنه حتى الأفعال الشخصية الصغيرة يمكن أن تخلق تأثيراً دائماً وتحدث تغييراً في حياة الناس. "أرجون كور ميتال" اسم لامع يستحق التقدير، فمبادراتها تشكّل تحدياً للتفاوتات العرقية المتجذرة، وتساهم في رفع مستوى المجتمعات في تنزانيا.
أطلقت "أرجون" دعوة ملهمة للطالبات الشابات في الإمارات العربية المتحدة، اللواتي يحملن شغفاً بإحداث التغيير الإيجابي في العالم. فقد أعلنت منظمة "احتياجات تنزانيات" عن فتح باب الانضمام لبرنامج السفيرات، الذي يتيح لهن فرصة متميزة للحصول على التوجيه والتمكين اللازمين لتأسيس مشاريعهن المؤثرة. وتؤكد "أرجون" على استعدادها لتقديم الدعم والإرشاد الكاملين للسفيرات، قائلة: "سأكون بجانبكن خطوة بخطوة، لنحول معاً أفكاركن إلى واقع ملموس يُحدث فرقاً حقيقياً، تماماً كما فعلت منظمة "احتياجات تنزانيات".