تجد المدافعة عن التمكين والإدماج "مارلينا دي كوستا" الإلهام في تحول الفراشة؛ حيث تعكس مهمة حياتها هذا التحول. وحولت مارلينا معركتها الشخصية مع التصلب المتعدد إلى حركة إحتواء واكتشاف الذات، حيث كرست مارلينا ما يقرب من عقدين من الزمان لإعادة تشكيل وجهات النظر بشأن الإعاقة والمساواة والتنوع في الإمارات العربية المتحدة، وتقول: "يستحق الجميع، بغض النظر عن قدراتهم، فرصة النجاح"، مجسّدةً بذلك رسالة القوة والمرونة.
نشأت مارلينا في جنوب إيطاليا في أسرة من الطبقة المتوسطة، واتجهت إلى الخدمة منذ سن مبكرة، وكانت عمتها التي تعاني من مرض التصلب المتعدد وتستخدم كرسياً متحركاً، أول من ارتبط بمجتمع ذوي الإعاقة، وأشعلت التحديات التي واجهتها عمتها تعاطف مارلينا ودفعتها إلى رحلة أصبحت شخصية للغاية عندما تم تشخيص حالتها هي أيضاً، جنباً إلى جنب مع أفراد آخرين في عائلتها، في سن الثالثة والعشرين.
وعلى الرغم من هذه الأخبار التي غيرت حياتها، أصبحت مارلينا من أبرز الداعمين للجمعية الوطنية للتصلب المتعدد في الإمارات العربية المتحدة، مصمّمة على تمكين الآخرين الذين يعيشون مع مرض التصلب المتعدد.
تقول مارلينا: "إن العيش مع مرض التصلب المتعدد قد يكون مرهقاً للغاية، فهو يشبه السلك الكهربائي الذي لا يحتوي على غطاء واقٍ، يؤثر المرض على الجهاز العصبي، فربما يؤدي إلى الشلل وضعف البصر والتحديات الإدراكية، لكن الأشخاص ذوي الهمم، مثلي، غالباً ما يخفون معاناتهم، لا يُرى الأمر دائماً".
رغم أن تعليمها الرسمي كان في مجال القانون، إلا أن مارلينا وجدت دعواها الحقيقية خلال دراساتها العليا في مجال حقوق ذوي الإعاقة في أيرلندا، وقد حقق لها عملها المبكر مع مجتمعات ذوي الإعاقة في أوروبا الرضا والشعور بتحقيق إنجاز، وعندما انتقلت إلى الإمارات العربية المتحدة قبل 15 عاماً اكتشفت حاجة كبيرة للمناصرة. وتتذكر قائلة: "لم يكن هناك تعريف رسمي لـ"أصحاب الهمم" في الإمارات العربية المتحدة، ولا إطار تشريعي لحقوق ذوي الإعاقة". ومع ذلك، فقد ثابرت، وحصلت في النهاية على منحة في عام 2019 من هيئة المساهمات الاجتماعية في أبوظبي، وهي علامة فارقة في رحلتها نحو التأثير الاجتماعي المستدام.
تهدف مؤسستها الاجتماعية، التي أطلقت عليها اسم "الفراشة"، إلى خلق مجتمع يزدهر فيه أصحاب الهمم، ويرمز الاسم إلى التحول، ويعكس اعتقاد مارلينا بأن حتى التغييرات الصغيرة - مثل رفرفة أجنحة الفراشة - يمكن أن يكون لها تأثيرات عميقة. وتوضح: "الفكرة هي أن تغييراً صغيراً واحداً يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً ويخلق موجات من التغيير تنتشر على نطاق واسع".
منذ تأسيسها، ازدهرت منظمة الفراشة، حيث نمت من خدمة عدد قليل من الأسر إلى أكثر من 500 عائلة في جميع أنحاء أبوظبي ودبي والشارقة والعين. في عام 2021، وسعت مارلينا رؤيتها من خلال نظام التوظيف الشامل، أول شبكة في الإمارات العربية المتحدة تركز على ممارسات مكان العمل الشاملة. ومنذ ذلك الحين، نمت الشبكة، بدعم من شركات رائدة مثل بنك ستاندرد تشارترد وسيمنز إنيرجي، من ثلاثة أعضاء مؤسسين إلى 14.
تقول مارلينا: "يركز عملنا في مجال التوظيف الشامل على تدريب الشركات على تبني إدماج ذوي الإعاقة. لا يعني هذا أن الشركات لا تريد توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة، بل غالباً ما لا تعرف من أين تبدأ. ويتمثل دورنا في توجيههم، من الالتزام القيادي إلى ممارسات التوظيف".
وإلى جانب رفع الوعي، يوفر عمل مارلينا فرصاً حقيقية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. ومن خلال "الفراشة"، حصل العديد من الأفراد على وظائف ذات مغزى، بما في ذلك أريان أ. لاجدامات، وهي امرأة تبلغ من العمر 35 عاماً تعاني من ضعف السمع، وجدت وظيفة في شركة "سيمينس للطاقة" Siemens Energy. تقول: "أنا ممتنة حقاً لهذه الفرصة الوظيفية، التي صليت من أجلها، وأشعر بالحافز والرضا عن العمل مع مثل هذا الفريق المحترم والداعم. وعلى الرغم من ضعف سمعي، كان زملائي ومديري لطفاء بشكل لا يصدق، وساعدوني في التغلب على التحديات والنمو في مجالي".
تعد شركة "سيمينس للطاقة" Siemens Energy أحد الأعضاء المؤسسين لنظام التوظيف الشامل الذي تديره شركة "الفراشة". يقول فولريان كويم، رئيس العمليات القانونية والامتثال: "كان نمو النظام البيئي ملحوظاً، وكان الهدف لهذا العام هو الوصول إلى 10 أعضاء، والآن وصلنا إلى 12، وتقدم المساهمات القيّمة من كل عضو فرصاً تعليمية مفيدة للجميع".
من المقرر أن يبدأ عبدالله العيدروس، وهو مواطن إماراتي شاب وسفير مخلص لـ "الفراشة" على مدار السنوات الثلاث الماضية، مسيرته المهنية بدوام كامل مع "الدار" بعد أن تدرب هناك من خلال شبكة "الفراشة". يدرس عبدالله حالياً العلاقات الدولية في جامعة زايد، ومن المتوقع أن يتخرج في ديسمبر المقبل، مما يمثل بداية رحلته المهنية في "الدار".
وتوضح مارلينا: "لدينا لوحة معلومات تحتوي على السير الذاتية للأشخاص ذوي الإعاقة، مما يسهل على الشركات العثور على المرشحين المؤهلين، هدفنا هو بناء مجتمع أكثر شمولاً، وظيفة تلو الأخرى".
ولم يمر تفاني مارلينا الدؤوب دون أن يلاحظه أحد، ففي عام 2010 كرمتها مؤسسة سينيرجوس روكفلر باعتبارها مبتكرة اجتماعية في العالم العربي، وهو التكريم الذي أقره المقرر الخاص للأمم المتحدة، ومؤخراً تم تكريمها لدورها في صياغة استراتيجية أبوظبي للإعاقة 2020-2024، وتم تسميتها رائدة أعمال اجتماعية من قبل هيئة المساهمات الاجتماعية في الإمارات العربية المتحدة "معاً". كما قادها دورها القوي الى الانضمام إلى شبكة الأعمال العالمية للإعاقة التابعة لمنظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة، حيث تتعاون في جهود الدعوة والإدماج العالمية للإعاقة.
لكن الرحلة لم تكن سهلة، فخلال ثلاث سنوات، عملت مارلينا كمتطوعة، وتغلبت على القيود المالية للحفاظ على رؤيتها حية، وتقول: "بكيت مرات عديدة لأن أحداً لم يفهم ما كنت أحاول القيام به. ولكن إذا كنت متحمساً، فستجد طريقة". وتضيف: "لقد كانت رحلة صعبة، لكن المكافآت تستحق ذلك".
اليوم، أصبحت "الفراشة" قوة مزدهرة للتغيير، تقول بفخر: "ما حققناه في غضون بضع سنوات أمر لا يصدق، نحن نؤثر على أكثر من 500 أسرة و14 شركة، ونحن قوة محورية في استراتيجية أبوظبي لذوي الإعاقة".
وتتطلع مارلينا إلى المستقبل، وترى أن هدفها واضح: ألا وهو ضمان أن يصبح إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة ليس مجرد اتجاه، بل حركة مستدامة، وتقول: "لقد بنينا شيئاً مستداماً، وآمل أن يستمر في النمو، وأن يلهم الآخرين للانضمام إلينا في هذه الرحلة". ونصيحتها لأي شخص متحمس لإحداث التغيير واضحة: "استمر، لا تدع الانتكاسات توقفك. التغيير يأتي ببطء، لكنه يأتي".
ستشارك الفراشة في المؤتمر السنوي لشبكة الأعمال العالمية لذوي الإعاقة التابعة لمنظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة في جنيف يومي 27 و28 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث ستمثل وتقدم التطور الذي حققوه في مبادرات الإعاقة من الدول العربية.
كما أن أجنحة الفراشة تخلق تموجات، فإن عمل مارلينا يثبت أن الأفعال الصغيرة يمكن أن تحدث تأثيراً عميقاً .. تغيير العالم، رفرفة واحدة في كل مرة.