مع تسارع وتيرة الحياة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وما رافق ذلك من ازدحام مروري خانق، لاحظ الأطباء تزايد شكاوى المرضى من تقلصات الساق وآلام القدم، وأرجع الكثيرون سبب هذه الآلام إلى قضاء ساعات طويلة في القيادة.
وقد أجمع الأطباء على ثلاثة عوامل رئيسية تُفاقم هذه المشكلة، وهي: الجلوس لفترات طويلة، وعدم اتخاذ وضعية قيادة سليمة، بالإضافة إلى الضغط المُتكرر على الساقين.
وفي هذا السياق، أوضح الدكتور مهند قهواش، استشاري جراحة العظام والإصابات في المستشفى الكندي التخصصي بدبي، أن القيادة في مدينة مكتظة مثل دبي، بما فيها من توقف متكرر وازدحام مروري وإشارات مرور متعددة، تطيل من وقت الجلوس خلف عجلة القيادة. وقال: "يُؤدي الاستخدام المتكرر لدواستيّ الوقود والفرامل أثناء القيادة إلى تنشيط عضلات الساق وإرهاقها، مما يُسبب إجهاداً مزمناً ويزيد الضغط على الأوتار".
وبمرور الوقت، قد يُفضي هذا الإجهاد المُستمر إلى التهاب مزمن يُعرف بـ"التهاب غمد الوتر"، والذي قد يتطور بدوره إلى تقلصات عضلية والتهاب في المفاصل، وخصوصاً مفاصل الكاحل والورك.
وأشار الدكتور قهواش إلى أن ضبط مقعد السيارة بطريقة خاطئة يزيد من حدة المشكلة، حيث يمتدّ الألم من الساق إلى الفخذ والوركين، وصولاً إلى أسفل الظهر. وأضاف: "في عيادتي، أُلاحظ تَكرار هذه المشكلة في الساق اليمنى لدى معظم المرضى، وذلك لأنّ أغلبهم يقودون سيارات أوتوماتيكية، ويعتمدون بشكل أساسي على الساق اليمنى للتحكم في دواستيّ الوقود والفرامل. هذا الاستخدام المُفرط يُرهق العضلات ويُسبب الالتهاب".
وأكد خبراء الرعاية الصحية على وجود علاقة وثيقة بين الجلوس لساعات طويلة أثناء القيادة وبين آلام الركبة، فقد يُصاب الغضروف بالتهاب نتيجة ذلك، مما يُسبب الشعور بالألم وعدم الراحة.
وصرح الدكتور "راجيش جارج"، أخصائي جراحة العظام في مستشفى جامعة ثومبي، قائلاً: تُعد قيادة السيارات الأوتوماتيكية مريحةً بلا شك، إلا أن الاستخدام المتكرر لدواسة الفرامل والوقود في زحام الطرقات بالإمارات العربية المتحدة، قد يُسفر عن آلام حادة في الساق. كما نلاحظ تزايداً ملحوظاً في أعداد المرضى الذين يُعانون من آلام الظهر والساق، خاصةً بين السائقين الذين يمضون ساعات طويلة خلف عجلة القيادة".
وأشار إلى أنه في الماضي، كانت شكوى المرضى في عيادة العظام تنصبّ في الغالب على آلام أسفل الظهر، والناتجة عن القيادة لمسافات طويلة، والتي غالباً ما تُعزى إلى الوضعية الخاطئة والضغط المستمر من الجلوس لفترات طويلة. وأضاف: "لكننا نلاحظ اليوم انتشاراً ملحوظاً لتقلصات الساق وآلام القدم بين السائقين".
كما أكدّ أن الأبحاث تُشير إلى أن الجلوس لفترات طويلة، خاصةً في وضعيات ثابتة، قد يُسبب مشاكل في الجهاز العضلي الهيكلي، مثل آلام الظهر المزمنة والشعور بعدم الراحة في الساق.
وضرب "جارج" مثالاً بدراسة أُجريت عام 2022 حول الاضطرابات العضلية الهيكلية المرتبطة بالقيادة المهنية، حيث بيّنت أن السائقين الذين حافظوا على وضعية غير صحيحة أو جلسوا لفترات طويلة عانوا من آلام الظهر بنسبة أكبر مقارنةً بمن حرصوا على أخذ فترات راحة منتظمة وتعديل وضعية جلوسهم.
يُجبر الحفاظ على وضعية قيادة ثابتة عضلات الرقبة والظهر والكتف والذراعين على البقاء في حالة توتر مستمر لفترات طويلة، مما قد يُسبب إجهاداً عضلياً موضعياً وآلاماً وعدم راحة.
وشدّد الدكتور بشار أبو بكر، أخصائي جراحة العظام في مستشفى "إنترناشيونال مودرن" بدبي، على ضرورة الانتباه إلى هذه المخاطر والتعامل معها بجدية، خاصةً مع كثافة حركة المرور في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ونصح السائقين باتخاذ تدابير وقائية، مثل أخذ فترات راحة قصيرة خلال الرحلات الطويلة، وتمديد الأرجل، وضبط وضعية المقاعد بما يُوفر الدعم الكافي لأسفل الظهر.
وقال: "إذا استمرّ الشعور بالألم لأكثر من بضعة أسابيع أو تفاقم، فمن الضروري استشارة الطبيب لاستبعاد أي مشاكل أخرى، مثل ضغط الأعصاب أو اختلال التوازن العضلي الهيكلي".