مع استمرار ضبابية الخطوط الفاصلة بين العمل والحياة الشخصية، يجد العديد من الموظفين في الإمارات العربية المتحدة أنفسهم مضطرين إلى الرد على المكالمات والرسائل الإلكترونية والرسائل من رؤسائهم بعد ساعات العمل بوقت طويل. ويرتبط هذا الوضع باستطلاع حديث كشف أن نصف الموظفين في الإمارات العربية المتحدة يشعرون بضغوط العمل لساعات إضافية.
ولفهم آثار هذا الاتجاه المتزايد، تحدثت صحيفة خليج تايمز مع محامٍ وخبير في الموارد البشرية ومحترفين عاملين حول التأثير القانوني والثقافي للتواصل في مكان العمل بعد ساعات العمل.
وبحسب هديل حسين، الشريكة الرئيسية في BSA LAW، فإن قانون العمل في الإمارات العربية المتحدة لا يعطي الشركات صراحة الحق في الاتصال بالموظفين خارج ساعات العمل الرسمية ما لم ينص على ذلك في عقد الموظف أو في حالة إصدار تعليمات رسمية بشأن العمل الإضافي. وفي غياب مثل هذه الأحكام، لا يكون الموظفون ملزمين قانوناً بالرد خارج ساعات العمل العادية.
وأوضح حسين لـ «خليج تايمز» أن المرسوم بقانون اتحادي رقم 33 لسنة 2021، الذي يحكم علاقات العمل، يوفر إطاراً للعمل الإضافي لكنه لا ينص صراحة على ضرورة استجابة الموظفين للمكالمات أو الرسائل من صاحب العمل خارج ساعات العمل الرسمية.
ينص قانون العمل على أن العمل الإضافي يتطلب تعليمات رسمية من صاحب العمل. الاتصالات غير الرسمية مثل المكالمات الهاتفية أو الرسائل التي لا تتضمن طلبًا رسميًا للعمل لا تعتبر "عملاً بعد ساعات العمل".
ما لم يتلقى الموظف طلباً رسمياً للعمل الإضافي، فإنه غير ملزم قانوناً بالرد خارج ساعات العمل، باستثناء بعض الأدوار والصناعات المعفاة.
وفي حين لا يستطيع أصحاب العمل الاتصال بالموظفين خارج ساعات العمل دون طلب رسمي بالعمل الإضافي، أكدت حسين أنه في حالة إصدار تعليمات رسمية بالعمل الإضافي، فمن المتوقع أن يمتثل الموظفون. وعادة ما يقتصر العمل الإضافي على ساعتين في اليوم ما لم تكن هناك ظروف حرجة. ويجب ألا يتجاوز إجمالي ساعات العمل على مدى فترة ثلاثة أسابيع 144 ساعة.
على الرغم من عدم وجود عواقب قانونية مباشرة للموظفين الذين لا يستجيبون للاتصالات خارج ساعات العمل، فإن عدم الامتثال لتعليمات العمل الإضافي الرسمية يمكن أن يؤدي إلى إجراءات تأديبية، مثل التحذيرات الكتابية أو العقوبات الأخرى، وفقًا لقانون العمل.
تتطلب بعض الصناعات والأدوار في دولة الإمارات العربية المتحدة من الموظفين البقاء في متناول اليد خارج ساعات العمل الرسمية، وخاصة في القطاعات ذات العمليات المستمرة أو الخدمات الأساسية. وأوضحت حسين أنه وفقًا للمادة 15 من اللائحة التنفيذية لقانون العمل، فإن الأدوار في العمل الفني أو الاستجابة للطوارئ، مثل الرعاية الصحية والمرافق، غالبًا ما تتطلب ساعات عمل ممتدة أو توافرًا يتجاوز أسبوع العمل القياسي.
قد يتم إعفاء المناصب الإشرافية، بما في ذلك كبار المديرين وأعضاء مجلس الإدارة، من لوائح الحد الأقصى لساعات العمل. بالإضافة إلى ذلك، قد يُطلب من البحارة وغيرهم من الموظفين الذين يعملون في ظل ظروف خدمة خاصة البقاء في وضع يمكن الوصول إليه بسبب طبيعة عملهم.
وقال أبو محمد (اسم مستعار)، وهو متخصص في الموارد البشرية يتمتع بخبرة تزيد عن 25 عامًا في العمل في الإمارات العربية المتحدة، لصحيفة خليج تايمز إن ديناميكيات التواصل بعد ساعات العمل تغيرت بشكل كبير مع ظهور التكنولوجيا الرقمية.
وقال "منذ عقد من الزمان، كان التواصل من جانب أصحاب العمل خارج ساعات العمل نادراً، ولكن مع ظهور منصات المراسلة مثل واتساب، أصبح من الشائع أن يتواصل أصحاب العمل مع الموظفين بعد ساعات العمل".
ورغم اعترافه بأنه يتلقى مكالمات ويرد على رسائل من صاحب العمل بعد ساعات العمل، إلا أنه اعترف بأن ذلك قد يكون مزعجاً.
وأضاف "إنه أمر محبط بشكل خاص عندما أتلقى مكالمات أو رسائل متعلقة بالعمل في عطلات نهاية الأسبوع. لا يؤثر ذلك عليّ فقط، بل يؤثر أيضًا على عائلتي، حيث من المفترض أن أقضي هذا الوقت معهم، بعيدًا عن العمل".
وقال دياب فاروق (تم تغيير الاسم أيضًا)، وهو مسؤول تنفيذي كبير للمبيعات من مصر، إن التعامل مع المكالمات الهاتفية بعد ساعات العمل من صاحب العمل والعملاء أصبح جزءاً متوقعًا من وظيفته.
وأضاف "ليس من الصعب تلقي مكالمات بعد ساعات العمل، خاصة إذا كنت أكسب دخلاً جيداً. ومع ذلك، أعترف بأن الأمر قد يكون محبطًا في بعض الأحيان. ولكن نظراً لطبيعة عملي، فهذا أمر يتعين علي التعامل معه - سواء كان من المكتب أو العملاء، فالمكالمات هي مجرد جزء من الوظيفة".
وأشار "ريشاب تشاندرا"، المؤسس والمدير التقني لشركة"تاسك تراكر يويت" TaskTracker Suite: "في الإمارات العربية المتحدة، أصبحت الاتصالات خارج ساعات العمل أكثر انتشاراً، وخاصة في قطاعات مثل التمويل والتكنولوجيا والضيافة. وقد أدى استخدام منصات المراسلة مثل واتساب WhatsApp إلى زيادة وتيرة الاتصال خارج ساعات العمل العادية.
"إن الاتجاه المتزايد هو توقع التوافر، وخاصة في الأدوار العليا، حيث قد يُتوقع من الموظفين الاستجابة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. وفي حين لا يُطلب من الموظفين من المستوى المتوسط والمستوى الأدنى دائماً العمل بعد ساعات العمل، إلا أنه لا يزال من المتوقع أن يتعامل العديد منهم مع الأمور العاجلة.
وأضاف أنه "على الرغم من الجهود المبذولة لتعزيز التوازن بين العمل والحياة، فإن ظهور أدوات الاتصال عن بعد أدى إلى طمس الحدود بين العمل والوقت الشخصي".
ورغم أن قانون العمل لا يتناول بشكل مباشر الاتصالات المتعلقة بالعمل خارج ساعات العمل العادية، فإنه يركز على ضمان التوازن العادل بين حقوق والتزامات أصحاب العمل والموظفين.
إذا كان التواصل المفرط خارج ساعات العمل يؤثر سلباً على صحة الموظف، فيمكنه معالجة المشكلة ضمن سياسات شركته أو تصعيد الأمر إلى وزارة الموارد البشرية والتوطين. إذا ظلت المشكلة دون حل، فيمكن للموظفين رفع دعوى قانونية لدى المحاكم المختصة.
وفي الوقت نفسه، يحق للموظفين المطلوب منهم العمل الإضافي الحصول على تعويض إضافي: 25% فوق أجرهم الأساسي، و50% عن العمل الإضافي الذي يتم بين الساعة 10 مساءً والرابعة صباحاً (باستثناء العاملين بنظام المناوبات). وإذا طُلب من الموظفين العمل في أيام الراحة المخصصة لهم، فيجب عليهم إما الحصول على يوم إجازة إضافي أو الحصول على أجرهم المعتاد بالإضافة إلى 50% من أجرهم الأساسي عن ذلك اليوم.