ترعرع مظفر فاروقي في "مدينة النواب" التي كانت موطناً للشعراء والكتاب لفترة طويلة. كانت طفولته غنية بالقصص المتنوعة عن التاريخ والتراث، وكذلك عن لكناوي روجان جوش. في تلك الفترة، لم يكن مظفر يدرك أن مسيرته، التي بدأت بالعمل الحر في الصحف خلال مراهقته، ستقوده في نهاية المطاف ليصبح واحداً من أبرز الصحفيين الاستقصائيين في الإمارات .
مع بداية فصل جديد في مسيرته، أطلق مظهر كتابه الأول بعنوان "ملفات ماز: القصص القصيرة، الاحتيالات والمواجهات". في هذا الكتاب، يسرد مظهر لحظات مليئة بالأدرينالين من حياته المهنية، وهي لحظات ستظل محفورة في ذاكرته إلى الأبد.
وعن نصيحته للصحفيين الطموحين؟ ببساطة: المثابرة.
في حديثه مع خليج تايمز، يتحدث مظهر بصراحة عن سنوات تكوينه ونقطة التحول التي قادته إلى الصحافة الاستقصائية. ويؤكد: "استمر في المضي قدماً، مهما كانت التحديات". هذه الكلمات، التي تعكس مبادئه الراسخة في السعي وراء الحقيقة، هي ما قادته ليصبح واحداً من أبرز الصحفيين الاستقصائيين.
مقتطفات محررة من المقابلة:
س: أخبرنا قليلاً عن سنوات تكوينك؟
نشأت في لكناو، وهي مدينة في شمال الهند غنية بالتاريخ ومعروفة بطعامها. كانت عائلتي تعمل في مجال البناء، لكن شغفي كان دائماً الكتابة. عندما كنت مراهقاً، عملت لحسابي الخاص في الصحف المحلية، رغم أنني لم أكن أرى الصحافة كمهنة في البداية.
س: لماذا قررت أن تصبح صحفياً استقصائياً؟
لقد اخترت هذا المسار لسببين. الأول أنني كنت حريصاً على مواجهة تحدي كشف الحقائق الخفية. ففي ذلك الوقت، كانت العديد من الصحف تكتفي بالتغطية السطحية، وتتجنب الخوض في أعماق القضايا الحاسمة. وقد تعززت عزيمتي في أوائل التسعينيات أثناء موجة العنف الطائفي في مدينتي. ولقد دفعني رؤية وسائل الإعلام وهي تشوه الحقيقة بشكل مباشر إلى التعهد بأن أكون صحفياً ملتزماً بالكشف عن القصة الحقيقية، بدلاً من مجرد تكرار الروايات التي تُسلَّم إلي.
س: هل تعتقد أن مهنة الصحافة الاستقصائية في الإمارات أكثر صعوبة؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فلماذا؟
تواجه الصحافة الاستقصائية تحديات في جميع أنحاء العالم، لكن في الإمارات ، تصبح هذه التحديات أكثر تعقيداً. ففي حين يُعتبر التشهير في العديد من الدول جريمة مدنية تستوجب دفع غرامات، يُصنف في الإمارات كجريمة جنائية، ما قد يؤدي إلى عقوبات تشمل الغرامات أو السجن أو كليهما. علاوة على ذلك، يمنع القانون الإماراتي تصوير الأفراد أو تسجيل مقاطع فيديو لهم دون الحصول على موافقتهم المسبقة، مما يضيف قيداً آخر على عمل الصحفيين.
إن التعامل مع هذه القوانين الصارمة يتطلب من الصحفيين الاستقصائيين تحقيق توازن دقيق بين إعداد تقارير متعمقة والالتزام بالمعايير القانونية. ورغم ذلك، يجدر بالذكر أن المحاكم في الإمارات غالباً ما تتعامل مع القضايا بمرونة، مع التركيز على نية الصحفي عند تقييم الحالات.
س. ما هي المبادئ التي لن تتنازل عنها أبداً عند السعي وراء قصة؟
لا أتنازل أبداً عن الصدق والدقة. فالنزاهة بالنسبة لي أمر أساسي، وألتزم دائماً بالممارسات الأخلاقية والشفافية في عملي. أحرص على تحقيق الإنصاف من خلال تقديم جميع الجوانب واحترام الخصوصية، مع الحفاظ التام على سرية المصادر. وعندما تكون القصة في المصلحة العامة، أركز على الكشف عن المعلومات الحيوية، دون أن أتنازل عن هذه المبادئ الراسخة.
س: حدثنا عن طريقتك - بمجرد حصولك على نصيحة، كيف تقوم بسرد قصتك؟
ليس هناك صيغة ثابتة للعمل، لكنني ألتزم بمجموعة من المبادئ الأساسية. أولاً، أحرص دائماً على التحقق من صحة المعلومات عبر مراجعة مصداقية المصدر ومقارنة التفاصيل مع مصادر أخرى موثوقة. ثم أبدأ في إجراء بحث شامل لجمع الخلفية والسياق، وهو ما قد يستغرق بضعة أيام. العديد من القصص تتطلب تحقيقاً ميدانياً وجهداً كبيراً، مما يدفعني غالباً إلى الخروج وطرق الأبواب.
بعد ذلك، أضع خطة واضحة للمقابلات والمزيد من التحقيقات، بهدف كشف المزيد من الأدلة ووجهات النظر. أتجنب استخدام أساليب مثل أسلوب اللدغ إلا في الحالات التي تكون ضرورية تماماً. وغالباً ما أتعامل مع كميات كبيرة من المعلومات، لذلك أركز على التفاصيل الحاسمة، وأحرص على تقديم القصة بشكل واضح وجذاب يجذب انتباه القراء.
س: لقد تعرضت لبعض المواقف الصعبة؛ ما هو الحادث الأكثر إيلاما في مسيرتك المهنية؟
كانت الحادثة الأكثر رعباً عندما امتدت التهديدات لتشمل عائلتي. لم يكتف الأفراد باستهدافي شخصياً، بل شملوا بناتي بوضوح في تهديداتهم، ونشروا علناً على وسائل التواصل الاجتماعي أننا أصبحنا على قائمة المستهدفين. استمرت هذه الحملة الخبيثة لأسابيع عدة، حيث غمرت بريدي الإلكتروني وواتساب رسائل مليئة بالإساءات والتهديدات. بل إنهم نشروا عناوين والديّ وابنتي، التي كانت تدرس في مدينة أخرى، وحرضوا الآخرين على اتخاذ إجراءات ضدهم. كانت تلك تجربة مزعجة للغاية ومليئة بالخوف والقلق.
س. ما الذي دفعك إلى اتخاذ قرار كتابة "ذا ماز فايلز سكوب سكام اند شوداونس" : الآن؟ هل سيكون هناك جزء ثانٍ؟
كانت رحلتي كصحفي استقصائي مليئة بالتجارب المكثفة – من العرق والتهديدات إلى المعارك القانونية. شعرت أن الوقت قد حان لمشاركة هذه القصص. يأخذ الكتاب القراء في مغامرة شيقة، من مطاردة المحتالين والنجاة بأعجوبة من مواقف خطيرة، إلى تكوين صداقات غير متوقعة مع شخصيات بارزة مثل الراحل إم إف حسين، والدخول في صراعات مع مشاهير مثل مايكل جاكسون. كما يحتوي الكتاب على مقالات ثاقبة تسلط الضوء على 13 شخصية ملتوية كشفتها خلال مسيرتي.
في المستقبل، أطلق على مشروعي القادم اسم "معاذ وميرا". سأعمل على هذا المشروع بالتعاون مع الدكتورة أمينة محمود، وهي كاتبة من باكستان لم ألتقِ بها شخصياً أبداً، ونتواصل فقط عبر تطبيق واتساب والبريد الإلكتروني. تدور أحداث الرواية في دبي، وهي قصة رومانسية مثيرة عن صحفية هندية وامرأة باكستانية طموحة للغاية. وللتوضيح، هذه القصة لا تتعلق بتجاربي الشخصية.
س. ما هي بعض الدروس التي تعلمتها طوال مسيرتك المهنية؟
لقد مررت بالعديد من المواقف وما زلت أتعلم. من أهم الدروس التي تعلمتها هو أن الدقة أمر ضروري. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر بناء علاقات قوية والالتزام بها أمراً بالغ الأهمية. أما النزاهة، فهي قيمة غير قابلة للتفاوض على الإطلاق. كما أدركت أن جودة قصتك الأخيرة تعتمد بشكل كبير على جودة ما قدمته في السابق.
س. ما هو أكبر إنجاز في حياتك؟
كان أعظم إنجازاتي هو تحريك الإجراءات القانونية ضد أكثر من 250 فرداً، والعديد منهم الآن خلف القضبان. ومع ذلك، فإن عملي يتجاوز كشف عمليات الاحتيال. لقد لعبت أيضاً دوراً في لم شمل الأسر.
س. ما هو الجزء المفضل لديك في الكتاب؟
هذا هو الفصل الذي أصف فيه مواجهتي مع مايكل جاكسون. سيتعين عليك قراءة الكتاب للحصول على القصة الكاملة!
س. نصيحة للآخرين الذين يرغبون في أن يصبحوا صحفيين استقصائيين؟
إذا كنت تفكر في هذه الفكرة فقط، فربما ترغب في إعادة النظر فيها. فهي ليست جذابة كما تبدو ــ فهي تتطلب عملاً شاقاً ويمكن أن تتعرض إلى مخاطر كبيرة. ولكن إذا كنت ملتزماً، فإن نصيحتي الوحيدة هي المثابرة. استمر في الأمر، مهما كانت صعوبته.