"مع تصاعد الصراع، يجد المغتربون اللبنانيون في الإمارات أنفسهم في مواجهة مزيج من القلق والإحباط والعجز، وهم يشهدون الاضطرابات التي تحدث في وطنهم من بعيد. ومع بقاء الأهل والأصدقاء في لبنان، يشعر العديد منهم بالحيرة بين الأمان الذي يتمتعون به في الإمارات والثمن العاطفي لمشاهدة بلادهم تعاني من صراع مستمر."
"إن تصاعد الصراع بين إسرائيل وحزب الله يعيد إلى الأذهان ذكريات مؤلمة تعود إلى ما يقرب من عقدين من الزمن بالنسبة لرشا، 45 عاماً، التي فرت من لبنان أثناء حرب 2006. تقول: "لقد أثر الصراع علينا كثيراً لأننا نشعر بالقلق المستمر بشأن أقاربنا في لبنان، نشعر بتوتر دائم بسبب عدم معرفتنا بالصراعات التي يواجهونها كل يوم. أتصل بعائلتي كل صباح ومساء للاطمئنان عليهم". تشعر رشا وكأنها عادت إلى عام 2006 مرة أخرى، ولكن الفارق الوحيد هذه المرة هو أنها آمنة، وهو واقع يجلب لها الراحة والشعور بالذنب في الوقت نفسه."
"تتواصل رشا مع عائلتها في لبنان قدر الإمكان، لكن انقطاع التيار الكهربائي وضعف الاتصال يجعل الأمر صعباً. ووصفت القصص المروعة التي تسمعها من أقاربها، قائلة: 'يتحدثون عن الخوف المستمر ونقص الضروريات الأساسية مثل الغذاء والدواء، وانهيار نظام الرعاية الصحية. إن قدرة هؤلاء على الصمود على الأرض ملهمة، لكن معاناتهم لا تطاق.'"
"بالنسبة لفرح دندشي، وهي طالبة تبلغ من العمر 21 عاماً، كان للوضع أيضاً تأثير كبير عليها وعلى أسرتها. روت فرح قصص الدمار والازدحام المروري الذي جعل الحياة اليومية أكثر صعوبة بالنسبة لأحبائها، قائلة: 'لقد تسبب الصراع في ازدحام مروري هائل في كل مكان، مما جعل من الصعب جداً التنقل من مكان إلى آخر، وهناك عدد قليل جداً من الموارد المتاحة للمشاركة.'"
"إن العبء العاطفي الناتج عن البعد عن الوطن خلال مثل هذه الأوقات الصعبة يعاني منه العديد من المغتربين اللبنانيين. قالت جنى مارون، وهي طالبة لا تزال عائلتها في لبنان: 'لقد أثر ذلك عليّ نفسياً، حيث أعلم أنني لا أستطيع فعل أي شيء لمساعدتهم أو البقاء معهم. النوم وعدم معرفة ما سيحدث غداً هما قلق مستمر.'
واعترفت جنى بأنها تحاول البقاء على اتصال بعائلتها طوال اليوم، إلا أن موازنة ضغوط الجامعة تجعل الأمر صعباً. تشعر بالذنب أحياناً، وهي تدرك أنها تعيش حياة هادئة نسبياً مقارنة بأحبائها في لبنان، قائلة: 'لا يمكنني حتى إجراء محادثة عادية مع أفضل صديقاتي في لبنان، وأعلم ما يمر بهن. لا يمكنني الشكوى من اختبارات منتصف الفصل الدراسي أو تناول العشاء عندما لا يستطيعون حتى الاستمتاع بالأشياء الأساسية في ظل هذه الظروف.'"
"بالنسبة للعديد من المغتربين، تؤدي المسافة إلى تفاقم مشاعر العجز و"ذنب الناجي". أوضحت رشا قائلة: 'هناك دائماً شعور مزعج بالذنب لأنني في أمان بينما يتعرض العديد من الأشخاص الذين أحبهم للخطر. غادرت لبنان أثناء حرب عام 2006، ورغم أنني ممتنة لبناء حياة مستقرة هنا في الإمارات العربية المتحدة، لا يسعني إلا أن أشعر بالذنب لعدم وجودي هناك مع شعبي.'"
"ورغم هذه المشاعر العارمة، اجتمع أفراد الجالية اللبنانية في الإمارات العربية المتحدة تضامناً مع بعضهم البعض. لاحظت فرح تعزيز الروابط بين المغتربين اللبنانيين، حتى أنها نظمت محادثات جماعية مع الأصدقاء لترتيب سكن مؤقت لمن قد يحتاجون إليه. تقول: 'إذا احتاج أحد أفراد أسرة شخص ما في لبنان إلى مكان للإقامة، فإننا نرسل رسائل نصية في الدردشة الجماعية لنرى ما إذا كانت أسرة أي شخص تستطيع استضافته. إنها طريقة صغيرة نحاول من خلالها المساعدة.'"
"وأكدت رشا على أهمية دعم المجتمع خلال هذه الأوقات، قائلة: 'لقد كان المجتمع اللبناني هنا مصدراً رائعاً للدعم العاطفي. نتواصل مع بعضنا البعض ونشارك آخر المستجدات حول ما يحدث في الوطن. هناك شعور قوي بالتضامن لأننا جميعاً نمر بمشاعر مماثلة.'"
"ويواصل العديد من المغتربين، مثل فرح ورشا، إرسال الدعم المالي إلى أسرهم في لبنان، رغم أن هذه العملية أصبحت صعبة بشكل متزايد. أوضحت فرح: "يرسل والدي الأموال بشكل روتيني، لكن حركة المرور المجنونة والظروف غير المستقرة تجعل من الصعب على أسرتنا تحصيلها". وتواجه رشا تحديات مماثلة، لكنها تواصل إيجاد طرق لدعم أحبائها على الرغم من تعقيدات النظام المصرفي في لبنان."
"كما أثار الصراع المستمر مخاوف بشأن الهوية بين المغتربين. تعرب جنى عن خوفها العميق من فقدان ارتباطها بلبنان، قائلة: 'في مثل هذه المواقف، من المفترض أن يجتمع أفراد الأسرة معاً لدعم بعضهم البعض نفسياً. ولكن في حالتنا، من الآمن أن نكون خارج لبنان، حتى لو لم يكن ذلك صحيحاً. في أعماقك، تشعر دائماً وكأن هويتك تُمحى ببطء.'"
بالنسبة لرشا، عزز الصراع فخرها بكونها لبنانية، لكنه أدى أيضاً إلى تعقيد علاقتها بوطنها. "أشعر بارتباط أكبر بتراثي من أي وقت مضى، لكن من الصعب ألا أشعر بالانفصال عن حقائق العيش في لبنان".
ومع استمرار الصراع، تتشارك النساء الثلاث مخاوفهن الكبرى بشأن مستقبل لبنان. إذ تشعر رشا بالقلق إزاء قدرة البلاد على التعافي، وتخشى تآكل هويتها الثقافية وتهجير شعبها. أما فرح فتخشى تصعيد الصراع. وتردد صدى هذا القلق لدى غنى، مضيفة أنها تخشى فقدان أحبائها وعدم القدرة على العودة إلى وطنها.
إن حالة عدم اليقين التي تحيط بمستقبل لبنان تثقل كاهل هؤلاء المغتربين، الذين ما زالوا، على الرغم من بعدهم عن الصراع، يتحملون العبء العاطفي الناجم عن الصراع. وهم ما زالوا يأملون في أن يسود السلام، لكنهم يدركون تمام الإدراك التحديات التي تنتظر لبنان وشعبه.