بالنسبة للعديد من المهنيين العاملين، قد يكون التنقل إلى المكتب وسط ساعات الذروة مرهقًا. فما كان من المفترض أن يكون رحلة سريعة غالبًا ما ينتهي به الأمر إلى ساعات ممتدة، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في إمارة ويعملون في إمارة أخرى.
وبحسب ما أوردته صحيفة خليج تايمز، حذر الخبراء من أن التعثر في حركة المرور قد يؤثر على الصحة العقلية والجسدية. وفي حين يقبل معظم الموظفين الساعات التي يقضونها داخل سياراتهم كجزء من روتينهم اليومي، فقد ترك بعضهم وظائفهم إما لبدء أعمالهم الخاصة أو العثور على عمل بالقرب من منازلهم.
سارة سلطان، موظفة سابقة في قطاع التعليم، اتخذت مؤخرًا قراراً صعبًا بالاستقالة من منصبها بسبب الضغوط الهائلة التي تواجهها أثناء تنقلها اليومي. تعيش المقيمة في الإمارات العربية المتحدة، والتي تنحدر من لندن، مع أطفالها الثلاثة - ابنة تبلغ من العمر 8 سنوات، وابنة تبلغ من العمر 5 سنوات، وصبي يبلغ من العمر عامين. عملت سارة في مجال التعليم مع التركيز بشكل كبير على دعم الاحتياجات التعليمية الخاصة.
وأوضحت أن "السبب الرئيسي لتركي العمل كان التغيير الكبير الذي طرأ على وضعي المهني. كنت أعمل في البداية في الشارقة لصالح نفس الشركة، ولكن بعد ذلك قرروا نقلي إلى دبي. وقد أضاف هذا التغيير ساعات عمل إضافية إلى يوم عملي".
في نوفمبر/تشرين الثاني، بدأت تعاني من آلام الركبة بسبب بقائها في وضع واحد لفترة طويلة أثناء تنقلها، إلى جانب العبء العاطفي الناجم عن قضاء 13 ساعة بعيدًا عن المنزل كل يوم. تقول: "كنت أقضي 13 ساعة خارج منزلي كل يوم. لم يكن لدي سوى القليل من الوقت لأقضيه مع أطفالي أو إدارة دراستي".
كان الازدحام المروري هو السبب الرئيسي وراء قرارها بالمغادرة، خاصة بعد أن أبلغتها إدارة الموارد البشرية بعدم إمكانية تعديل ساعات عملها.
"قبل أن أستقيل، سألت إذا كان من الممكن تعديل ساعات عملي إلى 8 بدلاً من 9، لكن أخبروني أنني لن أتمكن من الحصول على استراحة.
منذ أن تركت عملها، بدأت سارة في البحث عن فرص عمل أقرب إلى منزلها، وتفكر في العمل عن بعد. فهي تريد إيجاد طريقة لملاحقة شغفها بمساعدة الأطفال على التعلم والنمو دون الإجهاد البدني والعاطفي الناجم عن التنقل لمسافات طويلة، مثل الدروس الخصوصية عبر الإنترنت.
لقد واجهت نادية المهدي، مؤسسة دار نادية، إحباطات مماثلة. ففي عام 2022، اتخذت الإماراتية المقيمة في دبي قرارًا جريئًا بترك وظيفتها بدوام كامل والتركيز على إنشاء عمل يتماشى مع قيمها وأسلوب حياتها. وأشارت إلى أن "حركة المرور كانت بالتأكيد الشرارة".
تركز نادية الآن على إنشاء شموع العناية بالجسم المستوحاة من الضيافة العربية، مما يسمح لها بموازنة العمل والحياة الأسرية بشكل أكثر فعالية.
وأشارت إلى أنه على الرغم من أن حركة المرور لم تؤثر بشكل مباشر على إنتاجيتها الوظيفية، إلا أنها خلقت طاقة سلبية تغلغلت في مكان العمل. تقول نادية: "كنت أقضي ما يقرب من ثلاث ساعات على الطريق كل يوم، وكان الأمر مرهقًا للغاية. كان مزيج حركة المرور والحرارة الشديدة يسبب لي القلق قبل أن أصل إلى المكتب".
فاطمة عبدالله، مواطنة إماراتية مقيمة في الشارقة، تعمل في جبل علي. تستغرق الرحلة إلى العمل حوالي ساعة وثلاثين دقيقة، وتفكر في ترك وظيفتها بسبب المسافة.
تبحث فاطمة حاليًا عن فرصة عمل جديدة وتتقدم لوظائف جديدة. "أفكر دائمًا في الاستقالة، وأريد أولاً البحث عن فرصة عمل أقرب إلى منزلي".
وتؤكد النساء الثلاث على التأثير الذي يخلفه التنقل الطويل على الصحة العقلية والأداء الوظيفي. وتتذكر سارة كيف أثر الإرهاق على كفاءتها وعلاقاتها في العمل: "شعرت بالإرهاق وعدم السعادة".
وفي الشهر الماضي، أعلنت دبي عن تدابير لتخفيف الازدحام المروري من خلال توسيع نطاق تطبيق ساعات العمل المرنة وسياسات العمل عن بعد في جميع أنحاء الإمارة، وهو ما قد يقلل من وقت السفر في أوقات الذروة الصباحية بنسبة 30 في المائة. ويتم تشجيع القطاعين العام والخاص على تبني هذه الممارسات للحد من الازدحام المروري.
وتدعو سارة ونادية الشركات إلى النظر في نماذج عمل أكثر قدرة على التكيف لاستيعاب التنقلات الطويلة.
وقالت سارة إن "ترتيبات العمل المرنة يمكن أن تساعد الموظفين على الحفاظ على توازن أفضل بين حياتهم الشخصية والمهنية"، في حين أكدت نادية على الفوائد المحتملة للإنتاجية وجودة الحياة في مركز مزدحم مثل دبي.
وبينما يواصل المهنيون تقييم خياراتهم في مواجهة تحديات التنقل، فإن النصيحة التي تقدمها هاتان السيدتان هي أن تثق في نفسك وتضع رفاهيتك في المقام الأول. وتنصح سارة: "إذا كنت تفكر في الإقلاع عن العمل بسبب التنقل، فابحث عن الفرص التي تتوافق مع نمط حياتك وأولوياتك".
وتردد نادية صدى هذا الشعور، وتشجع الآخرين على خلق فرصهم الخاصة واحتضان رحلة اكتشاف الذات. تقول سارة، التي أصبحت الآن قادرة على المشاركة بنشاط في حياة أطفالها: "سأتخذ نفس القرار مرة أخرى بكل تأكيد". وأضافت نادية: "كل خيار، كبيرًا كان أم صغيرًا، شكلني لأصبح المرأة التي أنا عليها اليوم".
وفي الشهر الماضي، أصدرت هيئة الطرق والمواصلات ودائرة الموارد البشرية لحكومة دبي نتائج استطلاع مشجعة بشأن ساعات العمل المرنة وسياسات العمل عن بعد.
ويرى نحو 87% من موظفي حكومة دبي أن هذه الساعات تلبي احتياجاتهم، فيما يرى 89.4% أنها تعزز الإنتاجية. وتشير الاستطلاعات إلى أن 32% من الشركات الخاصة تطبق حالياً العمل عن بعد، وأن 58% منها مستعدة لتوسيع نطاق هذه السياسات.