هل شعرت يوماً أن أفكارك تقفز من مهمة إلى أخرى، ولا يمكنك التركيز على شيء واحد لفترة طويلة؟ ربما تواجه ظاهرة تعرف باسم "دماغ الفشار".
وأعرب الخبراء عن قلقهم إزاء هذه القضية الناشئة نتيجة اتصالنا المستمر بالتكنولوجيا، والتي أصبحت جزءاً ضرورياً من حياتنا اليومية، حيث يستخدم مصطلح "دماغ الفشار" لوصف حالة فرط النشاط والرغبة المستمرة في الحصول على محفزات جديدة والتي يعاني منها العديد من الأفراد.
وقالت الدكتورة "برجس سلطانة"، الطبيب النفسي في مستشفى "إن إم سي" التخصصي في النهدة بدبي: "إننا نشهد حالياً ارتفاعاً في ما يسميه البعض "دماغ الفشار"، وهو مصطلح عامي لأسلوب الانتباه المشتت. ويتميز بالقفزات السريعة بين الأفكار والمهام لذلك يشبه لحد كبير قفزات وتشتت الفشار.
وشددت الدكتورة سلطانة كذلك على أن هذه الظاهرة يمكن أن ترتبط باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD). وبالرغم أن كلاهما ينطوي على قلة الانتباه، إلا أن الحالتين مختلفتين. "غالباً ما يظهر اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه في مرحلة الطفولة، في حين يبدو دماغ الفشار أكثر ارتباطاً بالتحفيز المستمر للحياة الحديثة. وأوضحت أن دماغ الفشار يعكس في الأساس أسلوب اهتمام مجزأ، ويرجع ذلك على الأرجح إلى الحمل الزائد بالمعلومات وليس مشكلة نمو عصبية أساسية".
وفقاً للدكتور "راجيش تشودري"، أخصائي طب الأعصاب في مستشفى أستر في الشارقة، فإن الدوافع الرئيسية وراء دماغ الفشار تشمل الوجود المستمر للهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي وغيرها من الأجهزة الرقمية التي توفر تدفقاً مستمراً للمعلومات والإشعارات. وقال الدكتور تشودري: "إن الكم الهائل من البيانات المتاحة عبر الإنترنت يمكن أن يطغى على قدراتنا المعرفية، مما يؤدي إلى تحديات في معالجة المعلومات والاحتفاظ بها".
ويمكن أن يؤدي نمط الحياة السريع والضغط للبقاء على اتصال دائم إلى تفاقم المشكلة. وأوضح أن "توقع التعامل مع مهام متعددة في وقت واحد، والذي غالباً ما يكون مدفوعاً بالضغوط المهنية والاجتماعية، يساهم في مسألة هذا الاهتمام المجزأ".
كما حذر الدكتور "تشودري" من الآثار طويلة المدى لدماغ الفشار، سواء بالنسبة للأفراد أو المجتمع بشكل عام. وأضاف: "إن انخفاض الإنتاجية وزيادة خطر الإصابة بمشاكل الصحة العقلية مثل القلق والتوتر والانخفاض المحتمل في الأداء الأكاديمي من بين التأثيرات على المستوى الفردي".
وعلى المستوى المجتمعي، قالت الدكتورة سلطانة، "إن السكان الذين لديهم فترات اهتمام مجزأ يمكن أن يعانوا من التفكير النقدي والتعلم العميق والابتكار. وقد تشهد الأنظمة التعليمية التي تعتمد على التعلم المركّز انخفاضاً في الإنجاز الإجمالي، وشددت أيضاً على أن عدم القدرة على التواصل الحقيقي مع المعلومات أو الأشخاص بسبب التقلبات العقلية المستمرة يمكن أن يؤدي إلى زيادة العزلة الاجتماعية وانخفاض التعاطف.
معالجة هذه الظاهرة تتطلب أساليب متنوعة. يوصي الخبراء بالتخلص من السموم الرقمية وممارسة الوعي الذهني والتأمل والعلاج السلوكي المعرفي لمساعدة الأفراد على استعادة السيطرة على فترات انتباههم. واقترح الدكتور تشودري أن "تقنيات إدارة الوقت، مثل طريقة بومودورو، يمكن أن تكون فعالة أيضاً في تعزيز التركيز والإنتاجية".
وأضافت الدكتورة سلطانة: "حاول تدريب الدماغ على مقاومة عوامل التشتيت والتواجد في الوقت الحالي، مما يعزز التركيز. تعد إدارة التكنولوجيا مثل الحد من وقت الشاشة واستخدام تطبيقات حظر التشتيت وإنشاء مناطق خالية من التكنولوجيا، أمراً بالغ الأهمية لإعادة تدريب العقل".