في المشهد النابض بالحياة والمتطور للفن الإماراتي المعاصر، تدفع امرأتان حدود الجمال والإبداع الى أقصى الحدود مع الحفاظ على تراثهما الثقافي.
تولي "سلامة الفلاسي" اهتماماً دقيقاً بالتفاصيل في فنها الواقعي الذي يضم المناظر الطبيعية والحياة البرية في وطنها الأم، في حين تضع "ميرة جمال المدفع" أسساً جديدة في فن الأداء وصناعة الأفلام.
وتحدثت صحيفة خليج تايمز معهن، وشاركن كيف أن شغفهن وقدرتهن على الصمود وإبداعهن سوف تلهم الأجيال الحالية والمستقبلية من النساء الإماراتيات لتحقيق أحلامهن.
وباعتبارها فنانة، تتجاوز إبداعات سلامة حدود الجماليات المجردة، حيث تتردد أصداؤها في تراث وطنها واتصالها العميق بالطبيعة. فقد أمضت سنواتها الأولى في استكشاف الصحاري الشاسعة في الإمارات العربية المتحدة برفقة والدها، مما أدى إلى تكوين رابطة مع البيئة أصبحت حجر الزاوية في تعبيرها الفني.
قادها سعيها الأكاديمي في مجال الفن إلى جامعة "ماونت سانت ماري" في "لوس أنجلوس"، حيث حصلت على درجة البكالوريوس في الفنون الجميلة. وفي كلية "آرت سنتر" للتصميم الشهيرة في كاليفورنيا، صقلت مهاراتها بشكل أكبر وطورت صوتًا فنيًا فريدًا. وقد أعطى هذا المزيج من الخبرة الدولية والجذور الإماراتية العميقة لعملها طابعًا مميزًا - حيث يجمع بين الواقعية والسرد الثقافي.
غالبًا ما تتضمن أعمال سلامة حيوانات ذات أهمية عميقة في الثقافة الإماراتية، مثل الصقور والخيول العربية، والتي تم تصويرها بدقة وعاطفة ملحوظة.
إن اختيارها للأدوات - أقلام Prismacolor، والألوان المائية، وأقلام الباستيل، والفحم - يسمح لها باستحضار مشاعر وأجواء معينة. وأشارت إلى أن "الدقة التي توفرها أقلام Prismacolor تمكنني من تقديم تفاصيل معقدة، في حين أن سيولة الألوان المائية تضفي جودة مهدئة على عملي".
الصقر - رمز القوة والتقاليد في الإمارات العربية المتحدة - هو موضوع متكرر في عملها. على سبيل المثال، في سلسلتها "إشرا"، تشيد سلامة بالشراكة الدائمة بين الإماراتيين وهذه الطيور المهيبة، مما يعكس تجاربها الشخصية والذاكرة القديمة للصقارة - وهو تقليد تناقلته الأجيال.
ومن أهم مجالات التعاون تعاون سلامة مع مؤسسة الكمدة للصقور، حيث تعمل على تصميم رسوم توضيحية لصور الصقور ومشاهد الصيد لكتاب للباحث الإماراتي ومربي الصقور محمد الكمدة.
وفي الوقت نفسه، تتخطى ميرة حدود عالم فنون الأداء وصناعة الأفلام. ولدت ونشأت ميرة في دبي، وكانت محاطة بنسيج غني من القصص والتقاليد منذ سن مبكرة. كان والدها، وهو رجل متجذر بعمق في الثقافة الإماراتية، يأسر ميرة بحكايات التراث والهوية وتاريخ الأرض. أشعلت هذه القصص شرارة بداخلها، وعززت تقديرها العميق لفن سرد القصص.
درست ميرة في الجامعة الأمريكية في الشارقة، حيث حصلت على تخصصين فرعيين في المسرح والسينما. وخلال فترة دراستها في الجامعة، ظهرت موهبة ميرة بسرعة. فقد كتبت وأخرجت وحررت ثلاثة أفلام قصيرة.
وقد أظهرت عروض ميرة في سبعة عروض مسرحية، بما في ذلك "نيفيشايا" و"ماكبث العربية"، براعتها والتزامها بمهنتها. ولم تكن هذه العروض ناجحة محلياً فحسب؛ بل اختارتها الجامعة أيضاً لعرضها على مسارح دولية.
واصلت ميرا مسيرتها المهنية بعد تخرجها من الجامعة. ففي عام 2016، أدت صوت الشخصية الرئيسية في فيلم "قلبهم"، أول فيلم رسوم متحركة إماراتي. وقد شكل هذا الدور علامة فارقة في مسيرتها المهنية، حيث أظهر قدرتها على إضفاء الحيوية على الشخصيات من خلال التمثيل الصوتي. وقد برزت براعتها بشكل أكبر عندما تولت أدواراً صعبة في عروض مسرحية مثل المسرحية الموسيقية "سويني تود" في مسرح دبي المجتمعي ومركز الفنون؛ بالإضافة إلى فيلم الإثارة النفسية "امتحان"، من إنتاج شركة "باك ستيج".
وكانت إحدى أهم اللحظات الفارقة في مسيرة ميرة المهنية في عام 2015 عندما تم اختيارها من بين 34 ممثلاً في جميع أنحاء الشرق الأوسط للمشاركة في إنتاج أكاديمية الشرق الأوسط المسرحية لمؤسسة "كيفن سبيسي" بعنوان "داو تحت الشمس".
وقالت إن "التجربة كانت تحويلية"، وعززت سمعتها كنجمة صاعدة في مشهد المسرح الإماراتي.
وبعد ذلك اتخذت ميرة قراراً جريئاً بالانتقال إلى لوس أنجلوس لمتابعة دراستها للحصول على درجة الماجستير في الفنون الجميلة في معهد الفيلم الأمريكي المرموق. وكان قبولها في برنامج الإخراج التابع للمعهد إنجازًا تاريخيًا، حيث أصبحت أول إماراتية يتم اختيارها على الإطلاق لهذه الدورة الدراسية شديدة التنافسية.
خلال فترة عملها في المعهد الأمريكي للأفلام، تلقت ميرة الإرشاد والتوجيه من بعض صناع الأفلام الأكثر احتراما في الصناعة، بما في ذلك المخرج الحائز على جائزة الأوسكار "أصغر فرهادي"، و"بيتر ماركهام"، و"نيما بارنيت"، و"بيلي راي"، و"بروس بلوك".
وقد تم الاعتراف بمساهمات ميرة في الفنون عندما تم اختيارها للمشاركة في العروض المسرحية لليوم الوطني الثامن والأربعين والتاسع والأربعين - وهي شهادة على مكانتها كشخصية رائدة في المشهد الفني الإماراتي. وبرزت براعتها التمثيلية بشكل أكبر عندما لعبت دور البطولة في الأغنية الرسمية والفيديو الموسيقي لمعرض إكسبو 2020، وهو الدور الذي جلب مواهبها إلى جمهور عالمي.
وكان دورها الرئيسي في فيلم "الوحش" القصير من إخراج عبد الرحمن المدني إنجازًا مهمًا آخر. وقد عُرض الفيلم في 12 مهرجانًا سينمائيًا في دبي ولوس أنجلوس والمملكة العربية السعودية، وحصل على جوائز مثل جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان العين السينمائي وأفضل فيلم درامي قصير في معرض عالم المرأة السينمائي في الشرق الأوسط.
ورغم عملها المكثف خلف الكواليس، لم تبتعد ميرة أبداً عن حبها الأول - التمثيل. فقد قامت مؤخرًا ببطولة فيلمين قصيرين من إنتاج استوديو الفيلم العربي، تحت إشراف المخرج والممثل والمنتج الأردني الشهير زيد أبو حمدان.
وقد عُرضت هذه الأفلام بالفعل في مهرجانات سينمائية مرموقة في الرياض وكان والمغرب وأبو ظبي، مما يُظهر قدرة ميرة على أسر الجماهير بأدائها. وأحدث مشروع لميرة هو دور رئيسي في الفيلم الروائي الطويل العيد عيدين (2024)، وهو جهد تعاوني بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.