شين جوريب دكتوراه في صانعة محتوى 
الإمارات

شين جوريب: من أكاديمية إلى قمة صناعة المحتوى في دبي

أناميكا تشاترجي

تخيل أنك نشأت على جزيرة يبلغ عدد سكانها مليون نسمة، تخيل أنك تتوجه إلى الشاطئ كل يوم. تخيل الأحلام التي قد يحلم بها المرء في هذا العالم الصغير. أثناء نشأتها، كانت "شين جوريب" تعلم أنه لا مفر من الدراسة، ربما كان لذلك علاقة بحقيقة أن والد شين اضطر إلى ترك الجامعة بسبب وفاة والديه (أجدادها)، ونتيجة لذلك، كان يعتقد دائماً أنه لا يوجد بديل للتعليم.

وكانت شين التي تعود جذور عائلتها إلى خمسة أجيال، بارعة في دراستها. ومع ذلك، بدا أن "أكسفورد" و"كامبريدج" حلمان بعيدا المنال. "في موريشيوس، لدينا نظام يسمى نظام المتميزين، وهو ما يعني أنه بحلول نهاية امتحانات المستويات المتقدمة لدينا، يتم تصنيف جميع الطلاب. كنت أدرس العلوم وآمل في الحصول على مكان من بين السبعة الأوائل حتى أتمكن من الحصول على منحة دراسية ممولة بالكامل. لقد حصلت على المرتبة الرابعة عشرة، وهو أمر لم يكن سيئاً ولكنه كان يعني أنني لم أحصل على تلك المنحة.”

كانت شقيقة شين تدرس بالفعل في المملكة المتحدة وكانت تشجعها على التقدم بطلب للالتحاق بـ أكسفورد، ومن ذلك صُنِع التاريخ. واليوم، أصبحت الدكتورة شين جوريب أول مواطنة من موريشيوس تدرس في أكسفورد وكامبردج. ودرست شين علوم المواد في أكسفورد. تقول: "إنها العلوم التي تسبق الهندسة؛ وبعبارة بسيطة، يبني المهندسون ما اكتشفه علماء المواد". كما حصلت على درجة الدكتوراه في كيفية بدء آلام الظهر في العمود الفقري ("من الجانب المادي لما يبدو عليه العظم"). تقول: "لقد أصبحت الفتاة المثالية إلى حد ما. لم يكن لدى الجميع في موريشيوس إمكانية الوصول إلى نوع التعليم الذي حصلت عليه. ولهذا السبب بدأت بعض المشاريع الممولة لتثقيف اللاجئين. كما كنت أقوم بالكثير من العمل مع النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات".

صناعة المحتوى وظيفة إبداعية

ولكن ما يميز رحلة الدكتورة جوريب حقاً أنه على الرغم من إنجازاتها الأكاديمية فقد اختارت أن تنأى بنفسها عن معايير ما ينبغي أن تكون عليه مهنة خريجي الجامعات العريقة. فبعد حصولها على درجة الدكتوراه مباشرة انضمت إلى شركة أوليفر وايمان كمستشارة وهي الوظيفة التي جلبتها إلى دبي. ولكن بعد عام من ذلك، قررت أن تتجه إلى صناعة المحتوى. "كانت وظيفتي تتطلب مني العمل لمدة 18 إلى 20 ساعة يومياً. عندها التقيت بصانع المحتوى الإماراتي خالد العامري وأقنعني بترك وظيفتي ومساعدته في تأسيس شركته الإعلامية، انتهى بي الأمر بالانضمام إليه كمدير تنفيذي للعمليات".

ربما ظلت شين في تلك الوظيفة لمدة ستة أشهر فقط، لكن ما ساعدها على التأقلم مع الأمر هو تقبل حقيقة أن هدفها الحقيقي كان هو صناعة المحتوى. اليوم، ما عليك سوى تصفح منصات "إنستغرام" أو "تيكتوك" للعثور على ملفات أشخاص يعرّفون عن أنفسهم كصناع محتوى. قد ترغب في تصديق أنه في عصر الإنترنت، أي شخص هو صانع محتوى. لكن إذا تعمقت أكثر قليلاً، فستدرك أن هذه وظيفة إبداعية مثل أي وظيفة أخرى وأن ما يميز أحد صانعي المحتوى عن الآخر هو ما هي رسالته وكيف يعمل على نقلها للجمهور.

عليك أنت تتحدث إلى العالم فقط عندما يكون لديك ما تقوله

ولنأخذ على سبيل المثال مقطعاً قصيراً من بودكاست شين الشهير "احلمي يا فتاة" (Dream, Girl) الذي حظي بعشرين مليون مشاهدة. وفي المقطع، نرى شين تروي حكاية عن جولة ميشيل وباراك أوباما، عندما قررا الخروج عن خطط رحلتهم المحددة مسبقاً وتناول الطعام في مطعم غير مزدحم، ثم وجدا مطعماً وتناولا وجبتهما هناك. وفي نهاية الغداء، جاء النادل وأخبر ميشيل أوباما أن الطاهي كان حريصاً على مقابلتها. وعند عودتها، أخبرت باراك أوباما أن المطعم يديره في الواقع صديقها من المدرسة الثانوية وأنه من الجنون أن يلتقيا بهذه الطريقة بعد كل هذه السنوات. قال باراك أوباما:" تخيلي لو أن حياتك كانت مختلفة بعض الشيء، لكنت أصبحت مالكة هذا المطعم الجميل." فردت ميشيل أوباما: " لو أن حياتي كانت مختلفة بعض الشيء، لكان صديقي السابق رئيساً للولايات المتحدة الآن."

لا تقتصر الحكمة من هذه الحكاية القصيرة على العلاقات والفرص فحسب، بل إنها تقدم أيضاً نظرة ثاقبة حول عقلية الشخص الذي يرويها. وهذا هو بالضبط ما يميز صانع محتوى عن الآخر، ومقدم بودكاست عن الآخر. عليك أنت تتحدث إلى العالم فقط عندما يكون لديك ما تقوله، ويكون لديك ما تقوله عندما تكون مطلعاً ومفكراً عميقاً أيضاً.

تتذكر قائلة: "كان قرار التخلي عن وظيفة ذات أجر جيد أمراً صعباً للغاية لأن والديّ استثمرا بيَ الكثير، ولقد استثمرت الكثير في رحلتي التعليمية في أكسفورد وكامبريدج وكان من الحماقة أن أتخلى عن كل ذلك. سألني أحد أصدقائي الحاصلين على درجات علمية من أكسفورد وكامبريدج وهارفارد عن أسوأ سيناريو يمكن أن يحدث وقلت له هو أن أعود إلى وظيفة بدوام كامل". وأضافت أن: "المهنة المكتبية التقليدية أصبحت مسألة من الماضي الآن." "في شهر مايو الماضي، أرسلتني جامعة أكسفورد بالطائرة للتحدث إلى الطلاب أثناء حفل التخرج عن مساري المهني، لأنه مع التغيير والطريقة التي يسير بها العالم اليوم، لن يستمر أحد في نفس المسار الوظيفي. تقول الإحصائية التي صدرت عن (Dell Tech) هي أنه في عام 2030، 80 في المائة من الوظائف التي ستكون موجودة في السوق هي وظائف غير موجودة اليوم، وهذا بعد ست سنوات. إذن، ما الذي نتدرب من أجله؟ أفضل ما يمكنك تعلمه الآن هو أن تكون قادراً على التكيف مع أي شيء."

مع ظهور الذكاء الاصطناعي أصبح العالم الرقمي مفتوحاً أمامنا

تستشهد شين بمفهوم المسار الوظيفي المتعرّج، والذي يعني في الأساس محاولة تجربة أشياء مختلفة. وتقول إن هذا هو مستقبل العمل. ماذا يعني ذلك بالنسبة للنساء اللواتي مازلن يكافحن حتى في المسارات المهنية بسبب الساعة البيولوجية المحدودة؟ قالت: "في عالم الشركات، هناك ما يسمى بسلم المومياء، حيث يقولون إن النساء اللواتي لا يتسلقن السلم المهني بالشركات يتسلقن سلم المومياء. هذا النظام الجديد سيساعد النساء. أظهرت لنا فترة وباء كوفيد أنه يمكننا العمل عن بُعد.

لقد استضفت شخصاً في البودكاست الخاص بي وحكى أنه بدأ عملاً تجارياً في بالي قبل ثلاث سنوات وحوله الآن إلى عمل تجاري قيمته بالملايين. كل هذه الأشياء تعني أن النساء يمكنهن الآن العمل من المنزل. والآن مع ظهور الذكاء الاصطناعي، أصبح العالم الرقمي مفتوحاً أمامنا."

ولكن علاقتنا بالذكاء الاصطناعي لم تتأسس بعد بشكل كامل. ورغم أن الذكاء الاصطناعي يهدف إلى دفع حدود المهارات البشرية إلى أقصى ما يمكن، إلا أنه يُخشى أن يستحوذ الذكاء الاصطناعي أيضاً على العديد من الوظائف. وتقول شين، التي تدرس أيضاً أخلاقيات التكنولوجيا في جامعة ميدلسكس: "لا يمكننا التنبؤ بما سيحدث. هل سيستحوذ الذكاء الاصطناعي على بعض الوظائف؟ نعم. إذا نظرت إلى الصناعة الإبداعية، فستجد أن الذكاء الاصطناعي قد تسلل إليها بالفعل. يمكن لأي شخص استخدام ChatGPT لكتابة نص برمجي. لكنه لا يزال ليس بنفس مستوى الدماغ البشري. فهو لا يمتلك الإبداع أو ذلك العامل "البشري". ولهذا السبب يميل الناس الآن نحو هذه الأنواع من المهارات". وتضيف: "سيخلق الذكاء الاصطناعي أيضاً الكثير من الوظائف؛ وسوف يتعلق الأمر بكيفية استخدامنا له. نحن بحاجة إلى فهم أخلاقيات الذكاء الاصطناعي وكيف ينتهك حقوق الإنسان".

ويشير الأمر أيضاً إلى حقيقة مفادها أن الإنجاز الفردي سيكون أكثر أهمية من أي وقت مضى. وهذا بدوره يجعل العلامة التجارية الشخصية ضرورة في الوقت الحاضر. وتقول: "أشجع الناس على التفكير في علامتهم التجارية الشخصية. لذا إذا كنت تعمل في وظيفة في شركة، فإن امتلاك شبكة رائعة على موقع لينكدإن (LinkedIn) قد يساعد". وأضافت: أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست للجميع أيضاً. الكثير من الناس لديهم مخاوف بشأن مشاركة حياتهم الشخصية مع الجميع. ولكن إذا كنت تطمح إلى بناء عمل رائع، فإن امتلاك علامة تجارية شخصية أمر مهم، ووسائل التواصل الاجتماعي النشطة تجعل الأمر أسهل. إنها عملتك الاجتماعية. إن الطريقة التي يتحرك بها العالم تتغير باستمرار بسبب الطرق التي يستهلك بها الناس المحتوى اليوم. الآن لن يهتم الناس حتى برؤية لوحة إعلانية طالما أن المؤثر المفضل لديهم يقوم بعمل إعلان".

شين اختارت مساراً مهنياً مختلفاً تماماً

وحتى في هذه الحالة، لا يتعلق الأمر بالكمية، بل بالجودة. تستشهد شين بالوقت الذي اختارتها فيه مؤسسة بيل جيتس لتسليط الضوء على تمكين المرأة. فقد سافرت إلى كينيا حيث تفاعلت مع المزارعات، وكان هذا في مقطع فيديو عُرض خلال مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (COP 28). وتقول: "لقد اختاروني لأن جمهوري متفاعل جداً. ليس لدي مليون متابع، لكن متابعي مهتمون بقضية تمكين المرأة. لذا، فإن هذا يدل على معرفة الشركات والعلامات التجارية بأهمية التفاعل".

من التفكير في الحلم الكبير إلى تحقيق الحلم الكبير، قطعت شين شوطاً طويلاً. بعد أن اختارت مساراً مهنياً مختلفاً تماماً (تقول إن والدها يمازحها بأنها تركت أربع وظائف في ثلاث سنوات بينما كان هو في وظيفة واحدة لأكثر من أربعة عقود). عندما تفكر في إنجازاتها الأكاديمية، تقول إنها ساعدتها في الوصول إلى حيث هي الآن. تقول: "إن المصداقية التي تمنحني إياها أكسفورد وكامبريدج أمر مختلف. لقد منحتني الشخصية القوية والقدرة على التحدث والتفكير بشكل مختلف، ناهيك عن الشعور بذاتي التي ترفض أن تكون مقيدة."

اقرأ أيضا :

3 سنوات سجن لمعلم بريطاني وغرامة 5 آلاف درهم لتلقيه رشاوى من الطلاب بأبوظبي

ازدحام مروري بسبب حادث تصادم على شارع الشيخ زايد

دبي: ضبط 180 مركبة متهورة وغرامات 50 ألف درهم

رفع الحظر عن الدراجات الكهربائية في المترو بشروط جديدة

عامل وأصدقاؤه يحققون حلم الفوز بـ 20 مليون درهم