في الحادية عشرة من عمره، وقف فيصل الهرمودي أمام موقد النار، يستمع لتعليمات والدته التي كانت طريحة الفراش آنذاك، ويُحضّر أول طبق له. لم يكن يعلم أن هذا الموقف سيُشكّل نقطة تحوّل في حياته.
بينما كانت والدته، التي تستخدم كرسياً متحركاً، تُملي عليه خطوات الوصفة، انغمس فيصل في عالم الطهي، مُحضّراً وجبات الأسرة اليومية، من المكبوس الشهي إلى المرقوق اللذيذ، وصولاً إلى البرياني الغني بالنكهات.
وسرعان ما تحوّل شغفه إلى طموح لا يردعه شيء، فأعلن لعائلته عن رغبته في احتراف الطهي. لكن هذه الرغبة قوبلت بالرفض، فبالنسبة لعائلته، كان اختيار مهنة الطباخ خروجاً عن المألوف وتحدياً للتقاليد.
وقال الهرمودي، الذي يبلغ من العمر 37 عاماً الآن، وصاحب مطعم "ريبا" الحائز على نجمة ميشلان مؤخراً: "لم تتقبل عائلتي فكرة أن أصبح طاهياً، فقد اعتبروا ذلك مُخالفاً لعاداتنا وتقاليدنا".
وأضاف: "لقد اضطررت إلى دراسة تخصص تقليدي في الكلية التقنية العليا، مُلبّياً رغبة عائلتي".
بعد أكثر من خمس سنوات قضاها في دراسة هندسة إدارة الخدمات اللوجستية، حقق الهرمودي أخيراً حلمه في عالم الطهي. تخرج من الكلية التقنية العليا، ثم التحق بمدرسة للطهي في دبي، ليبدأ بعدها رحلته المهنية. وفي غضون أشهر قليلة، أطلق مشروعاً لتقديم الطعام في المنازل، واشتهر كمدوّن طعام، ليُصبح في النهاية مالكاً لمقهى "ليتس آند أوش" (Lets and Oosh) ومطعم المأكولات البحرية "ريبا" (Ryba) في سوق الميناء.
وقال: "كلمة "ريبا" تعني سمك باللغة الروسية، اخترت هذا الاسم لأنه مُميّز ويعكس الطابع الفريد لمطبخي".
اشتهر الهرمودي بابتكاراته التي تجمع بين الصيد المحلي الطازج من الميناء القريب، وبين الوصفات العالمية المُبتكرة.
وفي يوم تتويجه بنجمة ميشلان، حضر سبعة من أصدقائه من مختلف أنحاء الإمارات لمشاركته هذه اللحظة السعيدة. وكانوا مُتحمسين لتجربة برياني جراد البحر في مطعم "ريبا".
قال محمد الفلاسي، الذي أتى من دبي خصيصاً لهذه المناسبة: "سيُقام الاحتفال في "ريبا" بعد انتهاء الحدث".
وأضاف الفلاسي، البالغ من العمر 32 عاماً: "جميعنا مدونو طعام، وقد تعرّفنا على بعضنا البعض عبر انستغرام. حرصنا على الحضور اليوم لنُعبّر عن دعمنا لفيصل".
وتابع: «سعدنا برؤية العديد من المطاعم الإماراتية والعربية الأخرى وهي تتسلم جوائز ميشلان اليوم».
يقول الهرمودي إن طبقه المفضل هو "الجشيد"، المُستوحى من كرات الأرانشيني الإيطالية، والذي يُحضّره باستخدام لحم سمك القرش الصغير المحلي المعروف باسم "الجشيد".
واضاف: "اشتهرت بإعداد الأطباق العالمية بلمسة إماراتية."
وأشار الفلاسي إلى أن الهرمودي كان حريصاً منذ بداية مشواره على شراء مكوناته من المشاريع المنزلية المحلية لدعمها.
وقال: "تميز فيصل في البداية بإعداد خبز البريوش والمعجنات، لذلك قام بافتتاح مقهى "ليتس" في عام 2022."
وبعد عام واحد، افتتح مطعم "ريبا" في سوق الميناء الجديد النابض بالحياة في أبوظبي.
وأضاف مازحاً: "عندما علم فيصل بأنه مُرشّح لنجمة ميشلان وأن لجنة التحكيم ستزور مطعمه بشكل سري خلال ذلك الشهر، لم ينم لمدة 30 يوماً!".