خلال فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب، قدّمت موريتانيا هدية فنية مميزة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، عبارة عن لوحة فسيفسائية رائعة، مؤلفة من 1971 حجراً مُختلفاً في الحجم واللون، صُنعت بأيدي فنانين موهوبين في دار المعرفة النجيبوية.
وقال ممثل دار المذهب أن هذه الهدية ما هي إلا لفتة بسيطة للتعبير عن امتنانهم للدعم الذي تُقدّمه دولة الإمارات العربية المتحدة، مُشيراً إلى أن العمل الفني، الذي يُصوّر نسراً شامخاً وعليه اسم الإمارات مخطوطاً باللغة العربية، يتكوّن من 1971 حجر فسيفساء، وهو عدد يحمل دلالة رمزية، إذ يوافق عام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة.
وأوضح أحمد نجيب ولد الشريف، مؤسس ومدير ديوان الشناقطة (مستودع التراث والأدب الموريتاني) ودار المذهب للطباعة والنشر والتوزيع، أن فريقاً من فناني الفسيفساء الماهرين قد قام بتكسير 1971 حصاة مُتنوعة، ليُبدعوا منها هذه التحفة الفنية.
وقد تم وضع صورة بالأبيض والأسود للصقر الإماراتي على قاعدة خشبية دائرية، لتشكل دليلاً للفنانين الذين قاموا بترتيب الحصى بعناية فائقة فوق الصورة، مستخدمين الألوان الرسمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، ملصقين إياها بمادة لاصقة طبيعية.
ولإكمال اللوحة، أضاف الشريف حصى بيضاء للخلفية حتى وصل العدد الإجمالي إلى العدد المُحدد، 1971 حصاة. وبعد اكتمال العمل، تم تأطير اللوحة بإطار دائري لتثبيت الحصى على الحواف، وضمان بقاء القطعة سليمة وخالية من العيوب. وأشار الشريف إلى أن العمل على لوحة واحدة كهذه يستغرق عادة ما بين 20 إلى 40 يوماً، حسب دقتها وتفاصيلها وعدد الحصى المُستخدمة.
وتُعدّ موريتانيا، هذه الدولة الصحراوية التي تُشبه طبيعتها تضاريس دول الخليج، مصدراً لهذه الأحجار الفسيفسائية المُتنوعة، حيث تنتشر فيها الجبال، مثل جبل أطار، الذي تُستخرج منه الصخور وتُكسّر إلى قطع مناسبة لإنشاء لوحات فسيفسائية رائعة.
تعتبر فنون الفسيفساء والتبليط حديثة نسبياً في موريتانيا، حيث ساهمت دار المعرفة النجيبوية في إحيائها، إلا أن هذا الفنّ العريق له جذور ضاربة في التاريخ، تعود إلى عهد الإغريق الذين استخدموه لتزيين قصورهم ومعابدهم، ثم سار الرومان على نهجهم. ولاحقاً، ازدهر فنّ الفسيفساء في الحضارة الإسلامية، فزين المساجد والقصور الملكية في الأندلس، لينتشر بعدها إلى المغرب، ثم إلى بلاد الشام، مُزيناً معالم تاريخية بارزة مثل قبة الصخرة في القدس ومواقع في البتراء بالأردن.
أما عن التحدّي الأكبر في صناعة هذه اللوحة، فقد كشف الشريف عن صعوبة كتابة عبارة "الإمارات العربية المتحدة" أسفل الصقر، نظراً لدقّة العمل وصغر حجم الحصى المستخدمة في الكتابة، والتي تتطلّب مهارة فائقة في التشكيل والرصف. ووصف هذه اللوحة بأنها متميّزة للغاية، مُعبراً عن سعادته بتقديمها إلى إدارة معرض الشارقة الدولي للكتاب، كعربون شكر وتقدير لدولة الإمارات العربية المتحدة على جهودها في إنجاح هذا الحدث الثقافي البارز.
ومن بين الروائع الفنية الأخرى التي زُيِّن بها معرض الشارقة الدولي للكتاب، لوحةٌ فسيفسائيةٌ تُجسّد مسجد شنقيط التاريخي في موريتانيا، ذلك الصرح الديني العريق الذي بُني في القرنين الثالث عشر أو الرابع عشر، ليُصبحَ منارةً للعلم والعبادة. وتُعدّ مئذنة المسجد، ذلك البرج الشامخ الذي يُرفع منه الأذان، ثاني أقدم مئذنة في العالم الإسلامي، ولا تزال تُستخدم حتى يومنا هذا. كما أشار ممثل جناح دار المذهب، إلى أن مسجد شنقيط لا يزال يحتفظ بطريقته التقليدية في تحديد أوقات الصلاة باستخدام الشمس، مما يُجسّد تمسّك أهل موريتانيا بتراثهم العريق وتاريخهم المجيد.
وكشف الشريف عن أحد المشاريع المستقبلية لدار المعرفة النجيبوية في موريتانيا، وهو إنجاز عمل فني فسيفسائي ضخم، سيُعرض في معرض أبوظبي الدولي للكتاب المقبل، والذي سيخلّد ذكرى المغفور له صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، الأب المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة.