الأم وابنتيها.. عائلة مقاتلة 
الإمارات

من معركة الأم مع السرطان إلى البطولات العالمية: رحلة زمزم وغلا الحمادي

سمية ميهتا

عندما يدخل المرء إلى منزل آل الحمادي، يشعر بروح المرونة التي تسري في أعماق هذه العائلة الإماراتية ، في اللحظات الهادئة قبل الفجر، تنبض المساحة بطاقة فريدة - وهي بالكاد طاقة عائلة عادية تستعد لليوم.

في عالم حيث غالباً ما تملي التقاليد الأدوار التي تلعبها النساء، ترسم زمزم وغلا الحمادي، بقيادة والدتهما الشجاعة ندى النعيمي، مساراً يتحدى كل التوقعات. الأختان الإماراتيتان، اللتان دافعتا عن ألقابهما كبطلتين حقيقيتين في بطولة العالم للفنون القتالية المختلطة للناشئين التي أقيمت مؤخراً في أبو ظبي، تنهضان لاستقبال يوم جديد ليس فقط كشابتين ولكن كمقاتلتين - سواء في الحلبة أو في الحياة.

ندى النعيمي وابنتيها..الحلم مستمر

قبل ثلاث سنوات، عندما تم تشخيص إصابة والدتهن بالسرطان في مرحلته الثانية، ربما كان العالم يتوقع أن تبطئ الأسرة خطواتها وتتراجع. لكن بالنسبة لنساء عائلة الحمادي، كانت الشدائد دائماً بمثابة دعوة إلى قهر التحديات . وبينما يستعدن للاحتفال بيوم المرأة الإماراتية، نتحدث معهن عن قوة التصميم، والروابط الأسرية التي لا تلين، وكيف يمهدن الطريق أمام المرأة الإماراتية للارتقاء في عالم الرياضات القتالية.

إرث من القوة

تبدأ قصة عائلة الحمادي مع ندى، التي تعد بمثابة منارة أمل لكل امرأة تجرؤ على الحلم بما يتجاوز الحدود التي وضعت لها. في مجتمع يدفع النساء غالباً نحو الأدوار التقليدية، اختارت ندى مساراً مختلفاً ، لن يشكل حياتها فحسب، بل وأيضاً حياة أطفالها الثلاثة.

وعلى الرغم من نشأتها في أسرة تقليدية حيث كانت والدتها تفضل أن تمارس الباليه أو السباحة، إلا أنها وجدت نفسها منجذبة إلى رياضة الجودو ثم الجيو جيتسو. تقول ندى: "لقد دعم والدي رغبتي في أن أكون قوية ومنحني الحرية لممارسة هذا المجال. وعندما كبرت، كنت معجبة بمحمد علي لدرجة أنني تمنيت أن أكون مقاتلة ذكر".

الصورة: شهاب/خليج تايمز

لقد كانت مثابرتها في اتباع مسار أقل سلوكاً من قبل النساء في مجتمعها هو الذي وضع الأساس لنجاح ابنتيها، زمزم وغلا، وكذلك شقيق غلا التوأم، زايد الحمادي. حتى عندما كانت حاملاً، واصلت التدريب، مجسدة روح المرونة التي أعجبت بها في الرياضيين مثل محمد علي وماري كوم. تضيف زمزم: "لم تعلمنا والدتي القتال فحسب، بل علمتنا أن نكون مقاتلين في الحياة".

ولكن رحلة ندى لم تكن خالية من التحديات الكبيرة. فقبل ثلاث سنوات، تم تشخيص إصابتها بالسرطان في مرحلته الثانية. وبالنسبة للكثيرين، كان مثل هذا التشخيص بمثابة ضربة مدمرة، لكن ندى واجهته بنفس العزيمة والمرونة التي أظهرتها دائماً في الحلبة.

رفضت العلاج الكيميائي، ولجأت بدلاً من ذلك إلى نظام غذائي صارم من الخضروات، وركزت على صحتها بنفس الانضباط الذي كانت تطبقه دائماً في تدريبها على الفنون القتالية. تقول غلا: "لقد أظهرت لنا معركة والدتي ضد السرطان ما هي القوة الحقيقية. كانت تقاتل من أجل حياتها، ولم تستسلم أبدًا. علمنا ذلك أننا قادرون على التغلب على أي شيء".

لحظة المجد

من اللحظات البارزة في رحلتهم عندما هزمت زمزم البطلة الأوكرانية "كيرا فولياشينكو" التي احتفظت باللقب لمدة سنتين. دخلت زمزم التاريخ كأول بطلة من الإمارات العربية المتحدة، عندما حصلت على الميدالية الذهبية لوزن 52 كجم في بطولة العالم للشباب في فنون القتال المختلطة 2023. تقول زمزم: كانت معركة صعبة، ولكن عندما فزت باللقب، شعرت وكأننا أرسلنا رسالة".

زمزم الحمادي أول بطلة إماراتية في بطولة العالم للناشئين 2023.

كما حققت غلا شهرة واسعة بتسجيلها أسرع استسلام وحصولها على الميدالية الذهبية، ما أكسبها احترام وإعجاب مجتمع الفنون القتالية العالمي. تقول زمزم: "عندما سجلت غلا أسرع استسلام، أصيب الجميع بالصدمة. كيف وصلت الرياضيات الإماراتيات إلى هذا المكان؟ الشيء الذي لا يعرفنه هو أن النساء الإماراتيات قويات أيضاً".

بالنسبة لوالدتهما، لا يبدو أن عاماً قد مر منذ فوز ابنتيها الكبير، خاصة وأنهما تمكنتا من الدفاع عن لقبيهما هذا العام. تقول زمزم: "تشاهد فيديو تلك اللحظة مراراً وتكراراً، وتبكي في كل مرة. لم تتمكن من إخفاء سعادتها عندما التقينا بسموالشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان".

غلا الحمادي تدافع عن لقبها في بطولة العالم للشباب في اتحاد فنون القتال المختلطة 2024. الصورة: مقدمة

وتقول ندى: "لقد سعدت للغاية برؤية سموالشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان لمباريات ابنتي، إن أكبر إنجاز حققناه هو أننا نجحنا في جعل القيادة الإماراتية تشعر بالفخر، ونحن ممتنون لكل دعمهم".

العائلة على الحصيرة

بدأت الأختان حمادي رحلتهما في فنون القتال في سن مبكرة بشكل ملحوظ. وبينما كان معظم الأطفال لا يزالون يتعلمون المشي، كانت زمزم قد خطت بالفعل على حصيرة الجيو جيتسو. وفي سن الثانية والنصف فقط، أظهرت ارتباطًا غريباً بهذه الرياضة. تقول زمزم وعيناها تلمعان عند تذكرها: "كانت الحصيرة أشبه بالمنزل. كنت أشعر دائمًا أنها المكان الذي أنتمي إليه. بدأت في مرحلة ما قبل المدرسة، ولم تكن المدارس قد أدرجت الجيو جيتسو بعد". وعلى عكس معظم الأطفال الصغار، وجدت زمزم العزاء في عالم فنون القتال المنضبط وليس في الألعاب .

الصورة: شهاب/خليج تايمز

سارت غلا، التي كانت أصغر منها ببضع سنوات، على خطى أختها، حيث نظرت في البداية إلى الفنون القتالية باعتبارها لعبة أكثر منها نشاطاً جادًا. لكن لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى أدركت الأختان أن هذا كان أكثر من مجرد هواية - لقد كان نداءً لهما. تقول غلا: "اعتدت أنا وأخي على القتال كثيرًا، لذلك قامت والدتنا بتدريبنا. في البداية، بدا الأمر وكأنه لعبة، ولكن بعد بضعة أشهر، بدأنا نحب الجيو جيتسو. أصبح الأمر روتينًا، وإذا فاتنا يوم، شعرنا وكأن شيئًا ما خطأ. الآن، أصبحت الفنون القتالية حياتنا".

كانت الأيام الأولى (قبل حوالي 15 عامًا) مليئة بالتحديات - كانت مرافق التدريب للفتيات محدودة، وكانت فكرة مشاركة الفتيات في الرياضات القتالية لا تزال محل تشكك. غالبًا ما وجدت زمزم وغلا نفسيهما تتدربان مع الأولاد لأنه ببساطة لم يكن هناك عدد كافٍ من الفتيات في هذه الرياضة. تضيف زمزم: "كان الأمر صعبًا بعض الشيء لأنني كنت أتدرب مع بنات وأبناء المدربين هناك"، لكن هذه التحديات لم تؤد إلا إلى تغذية عزيمتهما.

رؤية الأم: رعاية الأبطال

إن تأثير ندى على بناتها يتجاوز حدود الحلبة. فهي ليست مدربتهن فحسب، بل هي مرشدتهن ومخططتهن وأكبر داعم لهن. وتحت إشرافها، لم تكتسب الأختان القوة البدنية فحسب، بل اكتسبن أيضًا القوة العقلية اللازمة للتفوق في مثل هذه الرياضة الصعبة. تقول زمزم: "كانت والدتي تعتقد دائمًا أن الله خلق النساء ليكونوا أقوياء". هذا الاعتقاد هو القوة الدافعة وراء نجاح بناتها وقدرتهن على كسر القوالب التقليدية التي غالبًا ما تقيد أدوار المرأة في المجتمع.

الصورة: شهاب/خليج تايمز

وتضيف: "غالبًا ما يفرض علينا المجتمع الاعتقاد بأننا لسنا أقوياء مثل الرجال، لكن والدتي علمتنا أنه يمكننا أن نكون أقوياء مع الاحتفاط بأنوثتنا. لقد أرادت منا أن نسير على خطاها ونصبح مقاتلين". أصبحت هذه العقلية حجر الزاوية في نهج عائلة الحمادي في الحياة. تقول غلا: "لقد زرعت هذه التقنيات فينا منذ سن مبكرة، والآن نستخدمها في معاركنا".

تعمل زمزم وغلا بجدية لا مثيل لها، وتخططان بدقة لروتينهما اليومي لتعزيز مهاراتهما. من صلاة الفجر إلى جلسات التدريب المتأخرة، كل جزء من حياتهما موجه نحو التفوق. تقول زمزم: "تنظم والدتنا يومنا. نستيقظ ونصلي ونتناول الإفطار ثم نتدرب لساعتين قبل الذهاب إلى المدرسة. وبعد المدرسة نعود للتدريب - الجيو جيتسو والفنون القتالية المختلطة، ثم جلسة أخرى في المنزل قبل النوم. إنها تدفعنا دائمًا للاستمرار، حتى عندما نشعر أننا لا نستطيع".

الصورة: شهاب/خليج تايمز

إنه جدول شاق، ولكن الأختان يقبلنه بكل إخلاص. تقول ندى: "عندما يشعرن بالتعب والضعف، يبدأ التدريب الحقيقي. يتعلق الأمر بالاستفادة من قوة البقاء. نحن لا نعيش حياة تقليدية. لا نخرج أو نسافر مثل العائلات الأخرى. كل شيء يركز على التدريب والمسابقات. لكن الأمر يستحق ذلك لأنني أريد أن يكون أطفالي الأفضل".

كسر الحواجز وتغيير المفاهيم

إن رحلة عائلة الحمادي لا تقتصر على تحقيق الإنجازات الشخصية؛ بل إنها تتعلق بتغيير المفاهيم المجتمعية وتمهيد الطريق لأجيال المستقبل من النساء الإماراتيات. وفي منطقة كانت الرياضات القتالية تعتبر في السابق محظورة على النساء، تتحدى الأخوات الحمادي الصور النمطية ويثبتن أن المرأة قادرة على التفوق في أي مجال، حتى تلك المجالات التي يهيمن عليها الرجال تقليديًا.

ولكن نجاحهن لم يأتِ دون مقاومة. ففي الأيام الأولى، تساءل كثيرون في مجتمعهن عن سبب سعي هؤلاء الفتيات الصغيرات إلى هذا المسار غير التقليدي. تقول زمزم: "في البداية، لم يفهم الناس سبب قيامنا بهذا. لقد اعتقدوا أنه أمر غريب. ولكن الآن، بعد رؤية رحلتنا، يتطلع كثير من الناس إلى والدتي ويريدون أن يحذوا حذوها".

واليوم، تُعتبر زمزم وغلا رائدتين في مجالهما، حيث تُلهمان الفتيات الإماراتيات الأخريات لاتباع شغفهن، بغض النظر عن توقعات المجتمع.

الصورة: شهاب/خليج تايمز

الطريق إلى الأمام

مع اقتراب يوم المرأة الإماراتية، تتأمل عائلة الحمادي رحلتها وما ينتظرها في المستقبل. وبالنسبة لزمزم وغلا، فإن الهدف واضح: فهما تريدان الاستمرار في تمثيل بلدهما على الساحة العالمية، وجلب الفخر للإمارات العربية المتحدة. ولكن إلى جانب الإنجازات الشخصية، تأملان في إلهام جيل جديد من النساء الإماراتيات لممارسة الرياضات القتالية والتحرر من الأدوار التقليدية.

لكن أمهما لديها أحلام أكبر. تقول: "أريد أن يكون أطفالي مثل محمد علي"، وتضيف أنها تتخيل مستقبلاً حيث لا تكون المرأة الإماراتية مجرد مشارك بل قائدة في عالم الرياضات القتالية. "بدعم من قيادة الإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك وسموالشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم ، إلى جانب اتحاد الإمارات للجوجيتسو والفنون القتالية المختلطة، أصبحت هذه الرؤية الآن حقيقة واقعة".

الصورة: شهاب/خليج تايمز

وتضيف الأختان وعيونهما مليئة بالفخر: "نحن نفعل ذلك من أجل أمهاتنا ونساء بلدنا. نريد أن يرفرف علم الإمارات عالياً في السماء. عندما ترى والدتنا علمنا في الأعلى وتسمع النشيد الوطني، فهذا هو أفضل شعور بالنسبة لها. أعتقد أنا وأختي غلا أن الفوز هو أقل ما يمكننا فعله لبلدنا، الذي دعمنا في تحقيق أحلامنا".

إن الهدف النهائي لندى هو أن ترى أسماء بناتها محفورة في التاريخ، ليس فقط كبطلات ولكن كرموز لما يمكن للمرأة الإماراتية تحقيقه. وهي تعتقد أن الرياضة بمثابة بوابة لفهم الثقافات المختلفة وبناء الجسور بين الأمم. "من خلال الرياضة، يمكننا أن نتعلم من البلدان الأخرى ونعيد الأفضل إلى الإمارات العربية المتحدة".

تحدي دبي للياقة البدنية يعود بفعاليات جديدة ومسابقات دولية

"الموارد البشرية": الهوية الإماراتية إلزامية للدخول إلى منصاتنا الإلكترونية

بدء ترشيح المعلمين المتميزين للإقامة الذهبية

سلطان القاسمي: التأمين الصحي لجميع مواطني الشارقة

منخفض مداري محتمل في بحر العرب الأسبوع المقبل