قال خبراء طبيون في الإمارات أن آلام الظهر ومشاكل المفاصل من الأسباب الرئيسية للتغيب عن العمل. وغالباً ما تنبع هذه الحالات من ممارسات بيئة العمل السيئة ونمط الحياة المستقر، مما يؤثر على كل من الموظفين وأصحاب العمل من خلال تقليل الإنتاجية وزيادة النفقات الطبية.
يذكر أنه تمت مناقشة دراسة مؤخراً في معرض ومؤتمر الصحة العربي كشفت أن نحو 60% من سكان دولة الإمارات يعانون من آلام الظهر.
قال الدكتور سامح أبو الفتوح، استشاري جراحة العظام في مستشفى ميدكير لجراحة العظام والعمود الفقري، لصحيفة خليج تايمز."إن بيئة العمل غير الملائمة هي العامل الرئيسي وراء ارتفاع حالات آلام الظهر. عندما لا تُصمم أماكن العمل والكراسي والمعدات لدعم الجسم بشكل صحيح، يضطر الموظفون إلى اتخاذ أوضاع غير مريحة، مما يضع ضغطاً غير مبرر على العمود الفقري وعضلات الظهر، ويؤدي ذلك إلى الألم والإصابات بمرور الوقت."
وبعيداً عن مكان العمل، يمكن أن يؤدي نمط الحياة المستقرة أيضاً إلى تفاقم المشكلة، كما لاحظ الدكتور أبو الفتوح، موضحاً: "إن نمط الحياة الحديث المرتبط بالعمل المكتبي، إلى جانب قضاء ساعات طويلة أمام الشاشات أو التنقل في السيارات، يضعف عضلات القلب والظهر، مما يجعل العمود الفقري أكثر عرضة للإجهاد".
ومع قضاء العديد من المقيمين في الإمارات ساعات طويلة في الجلوس، تضعف عضلات الظهر وتزداد مخاطر الإصابة باضطرابات الجهاز العضلي الهيكلي. وأضاف الدكتور أبو الفتوح: "إن الافتقار إلى ممارسة التمارين الرياضية بانتظام يؤدي إلى تفاقم المشكلة، حيث تصبح العضلات الضعيفة أقل قدرة على دعم العمود الفقري".
ولا تقتصر عواقب اضطرابات العضلات والعظام على المشاكل الصحية فقط. ويؤكد الدكتور أبو الفتوح: "عندما يعاني الموظفون من آلام الظهر، فإنهم يكونون أكثر عرضة للتغيب عن العمل لحضور المواعيد الطبية أو لفترة التعافي. وقد يعاني بعض الموظفين الذين يستمرون في العمل من انخفاض الحضور، حيث تقل إنتاجيتهم بسبب الانزعاج أو الألم." مشيراً إلى أن "الألم المستمر يمكن أن يقلل من التركيز والكفاءة، مما يؤثر بشكل كبير على إنتاجية العمل".
إذا تُرِكَت آلام الظهر وغيرها من اضطرابات العضلات والعظام دون علاج، فقد يكون لها عواقب طويلة الأمد على صحة الفرد ومسيرته المهنية. وحذر الدكتور أبو الفتوح قائلاً: "قد تؤدي الحالات غير المعالجة إلى ضرر تدريجي للعمود الفقري، وانخفاض القدرة على الحركة، وحتى الإعاقة الدائمة في الحالات الشديدة".
وأضاف أن "الألم المزمن يؤثر أيضاً على الصحة العقلية. فالأفراد الذين يعانون من الانزعاج المستمر هم أكثر عرضة للقلق والاكتئاب، مما قد يؤدي إلى انخفاض إنتاجيتهم وجودة حياتهم".
وللتخفيف من المخاطر، أكد الدكتور أبو الفتوح على أهمية توفير بيئة عمل مريحة. وقال: "ينبغي على الشركات تأمين كراسي ومكاتب وأجهزة كمبيوتر مريحة تشجع على اتخاذ الوضعية الصحيحة. بالإضافة إلى ذلك، يجب تثقيف الموظفين حول أهمية أخذ فترات راحة منتظمة ودمج الحركة في روتينهم اليومي".
وأشارت "إلزا أوفسيانيكوفا"، مديرة فئة مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي في لوجيتك، إلى أن "التعديلات البسيطة تشكل بداية جيدة لتحسين بيئة العمل، ولكن من الضروري تقييم ما إذا كانت أماكن العمل القديمة بحاجة إلى ترقية. فوضعيات الجلوس غير الصحيحة أو الانحناءات يمكن أن تؤدي إلى التعب وآلام الظهر وتشنجات البطن، فضلاً عن مشاكل الجهاز الهضمي وجلطات الدم. كما أن الإضاءة الضعيفة أو وضع شاشات الكمبيوتر بشكل غير صحيح قد تكون مسؤولة أيضاً عن إجهاد العين والصداع والغثيان".
وأضافت: "يمكن أن تساعد أجهزة الماوس ولوحات المفاتيح والمكاتب والكراسي المصممة هندسياً بشكل كبير في تقليل الاضطراب الجسدي. وحتى الأشياء الصغيرة، مثل دعامات المعصم، والحصائر تحت المكتب، وحوامل الشاشة، والإضاءة الصديقة للعين، يمكن أن تخفف من العديد من المشاكل الجسدية وتعزز الراحة العامة".
يعد العلاج الطبيعي أحد أكثر العلاجات فعالية لإدارة آلام الظهر ومنع المزيد من الإصابات. أوضحت ليبا أشفق، أخصائية العلاج الطبيعي المرخصة في عيادة أمان للعافية في دبي، أن "العلاج الطبيعي يلعب دوراً محورياً في إدارة آلام أسفل الظهر من خلال تعديل الوضعية والعلاج اليدوي وروتين التمارين".
وأضافت أشفق أن انتشار آلام أسفل الظهر على مستوى العالم قد ارتفع في السنوات الأخيرة، حيث أشار تقرير العلاج الطبيعي العالمي إلى أن واحداً من كل 13 شخصاً عانى من آلام أسفل الظهر في عام 2020. وأكدت أنه "من خلال التركيز على التدخل المبكر وتعديل نمط الحياة، يمكن للعلاج الطبيعي أن يساعد في منع الأضرار طويلة الأمد وتحسين نوعية الحياة".
وأوضحت أشفق: "إن الإدارة الفعّالة لآلام أسفل الظهر لا تحسن جودة حياة الفرد فحسب، بل تقلل أيضاً من العبء الإجمالي على أنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم. ومن خلال معالجة الأسباب الجذرية وتنفيذ استراتيجيات العلاج الشاملة، يمكن للأفراد أن يعيشوا حياة أكثر صحة ونشاطاً".