الوكالات الصغيرة والمتوسطة تعيد تعريف الإبداع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
يشهد عالم الإبداع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تغيراً جذرياً يعيد تعريف أساليب سرد القصص لدى العلامات التجارية والوكالات.
ومن المتوقع أن يلامس حجم الاقتصاد الإبداعي الرقمي عالمياً 7.35 تريليون دولار مع حلول عام 2030، بينما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من المتوفع أن يقفز الاقتصاد الرقمي من 180 مليار دولار عام 2022 إلى 780 مليار دولار بحلول عام 2030. يُبرز هذا النمو تركيز المنطقة المتزايد على الابتكار، وتقود الوكالات الصغيرة والمتوسطة دفة هذا التوجه.
وقد سيطرت في الماضي الوكالات الإعلانية التابعة للشبكات العالمية الضخمة على مشهد الإبداع في المنطقة، لكنّها اليوم تتجه نحو نظام أكثر تنوعاً يضم شركات مبدعة من مختلف الأحجام والخلفيات. ويقبع في صميم هذا التحول مفاهيم الأصالة والمرونة والتركيز على بناء شراكات هادفة، وهو شعور يؤكده "سوني عبد المحسن"، الشريك المؤسس في وكالة "أوكوورد للإعلانات" (Awkward Ads)، التي تمثل جزءاً من موجة جديدة من الوكالات المتخصصة التي تعيد صياغة نهج المنطقة تجاه الإبداع.
ويقول عبد المحسن: " نشهد تغيراً في طريقة اختيار العملاء لشركائهم، وهو أمر رائع. يتجه الكثيرون بعيداً عن النماذج التقليدية، ويستكشفون خيارات أكثر مرونة خارج نطاق وكالات الشبكات الكبيرة التي هيمنت على المشهد سابقاً. لا يعني ذلك تلاشي دور الوكالات الكبيرة، فهي تتمتّع بإرث عريق وحجم كبير وبنية صلبة، لكن الكثير من العملاء باتوا يبحثون عن نهج أكثر خصوصية ومرونة وجرأة."
يجسّد هذا التوجه تحولاً واسع النطاق يجتاح الصناعة الإبداعية، حيث تُعاد صياغة قواعد اللعبة برمّتها. أدى صعود الوكالات المستقلة إلى ضخّ جرعة من الجرأة والإبداع في عالم لطالما اتّسم بالصرامة والقيود.
صعود الوكالات المستقلة
تُضيف الوكالات المستقلة بُعداً فريداً للمشهد الإبداعي: موظفوها وثقافتها. يوضح عبد المحسن: "تتميّز هذه الوكالات بالجرأة والسرعة، لكن سرها يكمن في موظفيها. تعكس الوكالات المستقلة روح فرقها، حيث يُعدّ كل عضو جزءاً لا يتجزأ من روحها. تُترجم هذه الديناميكية إلى عمل لا يهدف إلى تحقيق نجاح العميل فحسب، بل نجاح الفريق أيضاً. وهذا النوع من الطاقة يُلهم حملات أكثر أصالة وعمقاً."
وتدفع روح التعاون والمرونة هذه بالوكالات المستقلة إلى صدارة المشهد الإبداعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويغذي هذا الصعود تحول واضح في تفضيلات العملاء، حيث تتطلّع المزيد من العلامات التجارية إلى شركاء يتمتعون بسرعة التكيّف وفهم عميق للفروقات الدقيقة في الأسواق المحلية، ويقدمون أفكاراً جريئة خارجة عن المألوف. وبينما تحافظ الوكالات التقليدية على مكانتها، تزدهر الوكالات المستقلة من خلال سد فجوة في السوق، فجوة تستدعي وجهات نظر جديدة ونهجاً يُعلي من قيمة الإنسان في صناعة الإبداع.
الأصالة في سرد القصص
لسنوات، اعتمدت العلامات التجارية العالمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على حملات عالمية معدلة لتلائم الجمهور المحلي. لكن مع إعطاء الأجيال الشابة أولوية للشفافية وتبنّي القيم المشتركة، تحول النهج نحو سرد قصص متجذرة في الثقافة المحلية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، حملة "ليز" (Lay's) في العراق، التي صمّمتها وكالة "أوكوورد لللإعلانات" (Awkward Ads)، والتي سلّطت الضوء على تراث الطهي للبلاد من خلال نكهات مستوحاة من المطبخ المحلي وسرد قصص مرتبطة به، مما أحدث صدى عميقاً لدى الجمهور.
ويشير عبد المحسن إلى أن "الوكالات المحلية تساهم في سد هذه الفجوة. فهي لا تكتفي بفهم السوق، بل هي جزء لا يتجزأ منه. وتُقدم هذه الوكالات رؤى ثقافية عميقة مع قدر كبير من المرونة والقدرة على التواصل مع الجماهير بطرق تلقائية وصادقة. ولا يفيد هذا الأمر العلامات التجارية فحسب، بل يمكّن المنطقة أيضاً من سرد قصصها بأصوات محلية، مبتعدة عن القوالب النمطية نحو سرد أكثر أصالة."
التعاون يحفز التغيير
يُعدّ التحول في ديناميكيات العلاقة بين العميل والوكالة أحد المحركات الرئيسية للتغيير الإبداعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فالعملاء اليوم لا يكتفون بالخدمات التقليدية، بل يبحثون عن شراكات تتحدى قدراتهم وتعزز الإبداع. ويقول عبد المحسن: "من أكثر جوانب هذا التحول إثارة للاهتمام هو رؤية العلامات التجارية الكبرى وهي تتبنّى هذا التغيير، وتثق في حدسها، وترحب بالشراكات التي تقدم أفكاراً جديدة وجريئة. فهؤلاء العملاء يدركون قيمة الثقة في غرائزهم، ويُقدّرون الشراكات مع الوكالات التي تجسّد الأفكار المبتكرة والمبدعة."
لكن هذا التحوّل لا يخلو من التعقيدات. إذ تواصل الوكالات التابعة للشبكات الكبرى التمسّك بمكانتها، مستفيدة من بنيتها التحتية وانتشارها العالمي. ويُقرّ عبد المحسن بهذه الحقيقة قائلاً: "لا يزال هناك عملاء يفضلون البنية التحتية والأمان اللذين توفرهما الوكالات الأكبر حجماً، وهذا أمر طبيعيّ، فلكل نهج مكانته ودوره. ويكمن المفتاح هنا في أن يعثر كل عميل على شريك يتوافق مع احتياجاته ورؤيته."
ثورة في التقدم
ويشهد المشهد الإبداعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تطوراً مستمراً بلا شك، حيث تسعى الوكالات الأصغر حجماً إلى ترسيخ وجودها من خلال التركيز على مفاهيم التكيّف والتعاون. وتعطي رحلة عبد المحسن الشخصية عبر مختلف جوانب هذه الصناعة، من التواصل مع العملاء، إلى الأدوار الإبداعية، ووصولاً إلى إدارة الوكالات، منظوراً فريداً لهذا التحوّل.
وأضاف عبد المحسن: "لقد حظيت بامتياز العمل في مختلف جوانب هذه الصناعة." وتابع قائلاً: "بعد أن شهدت هذا التحوّل من زوايا متعددة، أستطيع القول أنه يمهد الطريق للوكالات الأصغر حجماً للتألق، ليس من خلال منافسة الوكالات الكبيرة على نطاقها الواسع، بل من خلال التركيز على الإبداع والتعاون والمرونة."
ويبدو المستقبل زاهراً لمن يملكون الرغبة في التطور ومجاراة التغيير.
واختتم عبد المحسن حديثه قائلاً: "سواءً أكانت الوكالة كبيرة أو متخصصة أو مستقلة صغيرة، فإنّ النجاح يكمن في مواكبة التطور، وتقدير المواهب البشرية، والسعي نحو الأصالة. ففي النهاية، لا يقتصر هدفنا على صناعة الإعلانات، بل يتعداه إلى إبداع عمل هادف يلامس قلوب الجماهير ويلهمهم."