مبادرة إماراتية لتمكين المرأة : مقعد نسائي إلزامي في مجالس إدارة الشركات الخاصة
مع حلول يناير 2025، سيتم إلزام كافة الشركات المساهمة الخاصة في دولة الإمارات العربية المتحدة بتخصيص مقعد واحد على الأقل في مجلس إدارتها للنساء، وذلك عقب انتهاء ولاية مجلس الإدارة الحالي.
ويستند هذا الشرط إلى تفويض صدر عام 2021 للشركات المساهمة العامة، ويعمل على دعم أهداف مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين وسعيه لتمثيل النساء بنسبة 30% في مجالس إدارة الشركات بحلول عام 2025.
وأكد معالي عبدالله بن طوق المري، وزير الاقتصاد، أن هذه المبادرة تدعم التزام الدولة "بتعزيز التوازن بين الجنسين، وتمكين المرأة في قطاع الأعمال، وتعزيز حضورها في مراكز القيادة وصنع القرار". وقد بدأت النتائج الأولية للشركات العامة تؤتي ثمارها بالفعل، مع تحقيق أداء مؤسسي ونتائج اقتصادية أفضل. كما واصلت دولة الإمارات العربية المتحدة تقدمها في مؤشر عدم المساواة بين الجنسين (SDP 5) لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وفي هذا السياق، أشارت الشيخة منال بنت محمد بن راشد آل مكتوم إلى أن "التزام قيادتنا الرشيدة العميق بدعم التوازن بين الجنسين، وحرصها على تعزيز تمثيل المرأة في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية من خلال التشريعات والمبادرات الرائدة، هو ما مكّن من تحقيق هذا الإنجاز الاستثنائي".
ولنتذكر أيضاً أن تأثير المرأة على الإنفاق الاستهلاكي في الإمارات العربية المتحدة كبير، إذ أنها تشكل نحو 80% من إجمالي مشتريات المستهلكين. ولكن، لا بد من الإشارة إلى أن زيادة عدد النساء في مجالس الإدارة، وإن كانت خطوة مهمة، إلا أنها لا تكفي وحدها لإحداث تغيير حقيقي ومستدام، ولا لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه المشاركة. فالأهم هو تمكين صوت المرأة، وضمان أن يُسمع ويُؤخذ بعين الاعتبار في قاعات الاجتماعات.
كما تؤكد الدكتورة نجاة بن شيبا سافينيوس، المستشارة البارزة للشركات والمكاتب العائلية في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، أن هذا "توجه ممتاز من قبل قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة، ويتطلب تكثيف الشركات الإماراتية لجهودها من أجل تحقيق هذا الهدف، ولكن يجب أن يتم ذلك على أساس الجدارة لا الرمزية".
رغم أن النساء شغلن 77 مقعداً في مجالس الإدارة، أي ما نسبته 8.9% من أصل 868 مقعداً في 115 شركة مدرجة في دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2022، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً. فلا يمكن الاعتماد على تلبية الحصص وحدها لتحقيق النجاح المنشود، بل يجب على مجالس الإدارة ضمان مشاركة الأعضاء من الإناث بشكل كامل وفعال في عملية صنع القرار. وفي هذا الصدد، تحذر "أليسون رينولدز"، الباحثة في مجال التنوع والإنصاف والإدماج، من أن "الحصص قد تؤدي إلى نتائج عكسية، حيث قد تمتنع الإناث عن المشاركة بسبب الخوف أو عدم التمكين أو قلة الخبرة". وعلى القادة في دولة الإمارات العربية المتحدة تجنب هذه المشكلة.
وفي ضوء هذا التكليف، هناك ثلاث توصيات رئيسية للمؤسسات في دولة الإمارات العربية المتحدة التي تهدف إلى تعظيم القيمة في قاعات اجتماعاتها:
1) الاستماع إلى صوتها: بناء ثقافة تقدر التنوع في المساهمات:
لا يكفي أن تتواجد المرأة في مجالس الإدارة دون أن تُسمع وتُحترم آراؤها، وأن تُدمج فعلياً في عملية صنع القرار. فكثيراً ما نجد مجالس إدارة تبدو متنوعة في تشكيلتها، لكنها في حقيقة الأمر لا تزال سجينة لوجهات النظر التقليدية، تهمش الأفكار المعارضة أو البديلة.
لتغيير هذا الواقع، يجب على مجالس الإدارة أن تسعى بجدّ لبناء ثقافة تشجع على المشاركة الفعالة للجميع. ويبدأ ذلك بمراجعة صادقة لثقافة مجلس الإدارة، وإعادة النظر في معايير اختيار الأعضاء: ما هي السلوكيات التي نقدّرها؟ من يشعر بالثقة للتعبير عن رأيه بحرية؟
كيف نتعامل مع المعارضة؟ يجب على مجالس الإدارة تبني ممارسات تعزز الشعور بالأمان النفسي، وتضمن لجميع الأعضاء، بغض النظر عن جنسهم، الراحة في طرح وجهات نظر مختلفة.
ويشمل ذلك تدريب أعضاء مجلس الإدارة على التعرّف على التحيز اللاواعي، واختيار رؤساء يدعمون الشمولية، وتقييم مساهمات كل عضو بانتظام كجزء من تقييمات أداء مجلس الإدارة. إنّ المجالس التي تتّبع هذه الممارسات ستهيئ بيئة لا تُسمع فيها الأصوات المتنوعة فحسب، بل تحفّز الابتكار وتحسّن عملية اتخاذ القرار.
2) تمكين صوتها: دعم انخراط أعضاء مجلس الإدارة من الإناث في أدوارهن
لا يقتصر دور عضو مجلس الإدارة الفعّال على مجرد حضور الاجتماعات و مراجعة المذكرات، فهناك مهارات محدّدة تتطلّبها هذه المناصب. ورغم أن العديد من المديرات المعيّنات حديثاً قد تكون لديهن خبرة في مناصب قيادية عليا، إلا أن مناصب مجلس الإدارة تفرض مجموعة متميزة من المهارات، بدءاً من الحوكمة والمراجعة، وصولاً إلى بناء العلاقات وإدارة التأثير. وهذا ينطبق أيضاً على أعضاء مجلس الإدارة الرجال الجدد، فالأمر يتعلّق بدعم مسيرتهم في بداية انضمامهم إلى مجلس الإدارة، بغضّ النظر عن الجنس.
ويُعدّ التوجيه السليم أمراً حيوياً. فمن دون دعم هادف، تواجه النساء المُعيّنات حديثاً خطر الوقوع في أدوار رمزية، مما يقلّل من تأثيرهن، ويقوّض الأهداف الأوسع للتكليف. ولتفادي ذلك، يجب على المنظمات الاستثمار في الإرشاد والتدريب على الانخراط في الدور وتنمية مهارات أعضاء مجلس الإدارة الجدد. وينبغي أن يشمل هذا التدريب مسؤوليات الحوكمة المؤسسية، والتعامل مع سياسات مجلس الإدارة، وتطوير النفوذ اللازم للتأثير على قرارات مجلس الإدارة.
وأضافت الدكتورة نجاة بن شيبا سافينيوس: "عند السعي لتوظيف أعضاء مجلس إدارة أو أمناء من خلفيات متنوعة، يصبح من الضروري توفير فرص للتعرف على أعمال مجلس الإدارة عن كثب. ويمكن تحقيق ذلك من خلال السماح للمرشحين بحضور اجتماعات المجلس كمراقبين، أو الانضمام إلى برامج تتيح لهم متابعة أعماله والتعلم من أعضائه. تساهم هذه الفرص في اكتساب الخبرة و فهم طبيعة العمل في مجلس الإدارة، وتساعد المرشحين على تحديد ما إذا كان هذا هو المسار المهني المناسب لهم قبل الالتزام بدور رسمي."
إنشاء شبكة دعم بقيادة نسائية من شأنه أن يعزز الشعور بالترابط والتكاتف، مما يتيح للمديرات تبادل الخبرات والاستراتيجيات أثناء تطورهن في أدوارهن.
3) تعزيز صوتها: بناء خط من القيادات النسائية المستقبلية
وبينما تُعدّ تلبية متطلبات القرار الراهن أمراً ضرورياً، ينبغي على المؤسسات في دولة الإمارات العربية المتحدة ألا تغفل التخطيط للمستقبل. إذ أن قلة المرشّحات المؤهّلات لعضوية مجالس الإدارة في الوقت الحالي، مع اقتراب الكثيرات منهن من سن التقاعد، ينذر بخطر استمرار مجالس الإدارة بنفس الأنماط القائمة، ويقلص من فرص التنوع الحقيقي في الأفكار ووجهات النظر بين الأجيال.
ولكي تتمكن المؤسسات من استدامة التقدم، يجب عليها الاستثمار في تنمية جيل جديد من الكفاءات النسائية لشغل مناصب في مجالس الإدارة. إنّ رحلة الوصول إلى قيادة مجالس الإدارة طويلة، وغالباً ما تستغرق سنوات لتأهيل المرشحات لمواجهة التحديات الفريدة التي يفرضها العمل في مجالس الإدارة. وكما تشير الدكتورة نجاة بن شيبا سافينيوس، فإن إعداد الراغبات في تولي دور في مجلس الإدارة يستغرق عاماً على الأقل، وخلق هذه الرغبة يستغرق وقتاً أطول.
ينبغي للمؤسسات أن تسعى بجدّ لتحديد المواهب النسائية في مراحل مبكرة، وأن تهيئ لهن فرصاً لمتابعة أعمال أعضاء مجلس الإدارة الحاليين، وأن تنشئ برامج إرشاد تشجّع على تنمية مهارات القيادة لديهن. إنّ بناء مثل هذا الخط من القيادات سيضمن مع مرور الوقت وجود مجموعة متنوعة من النساء ذوات خلفيات ومراحل مهنية وتجارب حياتية مختلفة، للمساهمة في قيادة مجلس الإدارة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعزيز "التحالف" بين أعضاء مجلس الإدارة الذكور سيضمن قيامهم بدور فعّال في دعم وتشجيع زميلاتهم.
ختاماً
يمثّل قرار دولة الإمارات العربية المتحدة بزيادة تمثيل المرأة في مجالس الإدارة خطوة إيجابية وضرورية. ولكن لتحقيق النجاح الحقيقي وجني ثماره، لا يكفي مجرد الوفاء بالحصص المقررة. وكما قال معالي عبدالله بن طوق المري، وزير الاقتصاد: "على مدى العقود الماضية، أثبتت المرأة في دولة الإمارات العربية المتحدة قدراتها باستمرار، وقدّمت مساهمات كبيرة في قطاعات الأعمال والمالية والاستثمار. واليوم، أصبحت المرأة شريكة لا غنى عنها في النمو الاقتصادي، وركناً أساسياً في القدرة التنافسية العالمية لدولة الإمارات العربية المتحدة".
ولكن، لا بد من بذل جهود مشتركة لتطوير ديناميكيات وثقافة مجلس الإدارة، ودعم الأعضاء الجدد، والاستثمار في إعداد جيل جديد من الكفاءات النسائية، حتى يتسنّى دعم هذه المهمة الفريدة لتعزيز التنوّع في مجالس الإدارة للأجيال القادمة.
إن المجالس التي تلتزم بالإدماج والتمكين الحقيقيين للمرأة، ستساهم في صياغة مستقبل يكون فيه التنوع محركاً للأداء والابتكار والنمو المستدام.
تُعدّ الدكتورة نجاة بن شيبا سافينيوس الرئيسة التنفيذية لمجموعة "جازيل الاستشارية"، ومتحدّثة بارزة حائزة على جوائز في مجال تمكين المرأة في عالم الأعمال. أما "ناتالي وارتون"، فهي الرئيسة التنفيذية ومؤسِّسة شركة "وارتون" للاستشارات التجارية، وعضوة في برنامج "وارتون إجنايت".