هذا المكان يشبه مدينة الحدود النهائية - سكن على مشارف الحاضر، ينظر بجرأة إلى المستقبل. نيوم، المدينة الضخمة قيد الإنشاء، تحتضن سكاناً متنوعين من جميع أنحاء العالم. خارج قاعة الطعام الجماعية ، يتحدث الناس عن نسيم الليل البارد، يتشاركون المخاوف والآمال والقصص والتطلعات. ولكن ما يميز هذه المدينة هو الغياب غير المعتاد لأصوات حركة المرور ومحركات الديزل المزعجة. فقط همهمة لطيفة للمحركات الكهربائية وخطوات عجلات السكوتر على الطرق الجديدة، تعزز الإحساس بالهدوء والابتكار.
أول لقاء لي مع أهل نيوم كان خلال ورشة عمل حول الرفاهية الرقمية. في الأيام القادمة، سنكتشف كيف يمكن للتكنولوجيا أن تعزز رفاهية الإنسان وكيفية تجنب بعض التأثيرات السلبية غير المقصودة للتكنولوجيا على الصحة البدنية والنفسية والاجتماعية. مع تزايد رقمنة حياتنا اليومية، يصبح هذا التركيز أكثر أهمية.
نيوم، التي تقع في شمال غرب المملكة العربية السعودية، تضم بعضاً من أكثر مشاريع التطوير العملاقة المتقدمة تكنولوجياً في العالم، مثل "ذا لاين"، و"ماجنا"، و"تروجينا"، و"سندالة"، و"أوكساجون" - أماكن تحمل أسماء جديدة تماماً. اسم "نيوم" نفسه هو مزيج من البادئة اليونانية "نيو" التي تعني "جديد" والحرف العربي "ميم" الذي يشير إلى "مستقبل".
بينما كانت أفكار أنماط الحياة المستقبلية تقليدياً مجالاً للخيال الأدبي والفلسفة، مثلما في عمل توماس مور "يوتوبيا" عام 1516، والتي تصف أرضاً خيالية لا قيمة فيها للذهب والفضة، وتقتصر ساعات العمل فيها على ست ساعات، أو في رواية "توقف الآلة" لإي إم فورستر عام 1909، حيث يعيش البشر في مخابئ تحت الأرض معتمدين كلياً على التكنولوجيا.
نيوم ليست عملاً خيالياً؛ إنها واقع يُبنى بالخرسانة والألمنيوم والزجاج والصلب. هذه التطورات الطموحة تجمع بين التقنيات الرائدة وقدرات الحوسبة المتقدمة لتحسين حياة السكان والزوار. كما تلتزم نيوم بالحفاظ على البيئة، حيث سيتم حماية حوالي 95 في المائة من الأراضي والبحر، مع برنامج طموح لإعادة التشجير.
وبحسب الأمم المتحدة، سيعيش ثلثا سكان العالم في المدن بحلول عام 2050، مما يتطلب تطوير مدن جديدة ذكية ومبتكرة. نيوم قد تقدم نموذجاً قيماً للتخطيط الحضري المستدام والابتكارات في البنية التحتية والخدمات العامة.
بعد انتهاء ورشة العمل التي استمرت يومين حول الرفاهية الرقمية، مع فريق نيوم الذي ضم متخصصين في الصحة والعمارة والتعليم وعلم النفس، أصبح من الواضح أن مدننا المستقبلية ستكون أنظمة بيئية رقمية. لم يكن لكيفية استخدامنا للتكنولوجيا أهمية أكبر من أي وقت مضى.
الدكتور جاستن توماس هو طبيب نفساني معتمد وباحث أول في برنامج الرفاهية الرقمية (سينك) في مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء).