ذاكر حسين
ذاكر حسين

تداعي الذكريات في رحيل "ذاكر حسين": أسطورة الطبلة وأيقونة الفن الخالدة

توفي العبقري الموسيقي يوم أمس الاثنين
تاريخ النشر

يستذكر "دينيش كوثاري"، رجل الأعمال المقيم في دبي، حضوره حفلتين أو ثلاث لأسطورة الطبلة ذاكر حسين في الهند، قائلاً: "عندما يبدأ ذاكر حسين العزف، ينسى الجمهور نفسه. إنّ إرثه الموسيقي عظيم وفريد. وكان الاستماع إليه ومشاهدة أدائه تجربة حسية عميقة".

رحل الفنان حسين عن عالمنا عن عمر يناهز 73 عاماً، يوم أمس الاثنين، في أحد مستشفيات سان فرانسيسكو. وأعلنت عائلته في بيان لها أنه كان يعاني من تليف رئوي مجهول السبب، وهو مرض رئوي مزمن، أدّى إلى مضاعفات صحية خطيرة تسببت في وفاته.

وما إن انتشر خبر وفاة أيقونة الطبلة ذاكر حسين، حتى عمّ الحزن أرجاء العالم، وتدفقت التعازي من كل حدب وصوب. ونعاه رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي"، واصفاً إياه بأنه "رمز للوحدة الثقافية"، وغرّد على منصة "إكس": "أشعر بحزن عميق لرحيل أستاذ الطبلة الأسطوري، ذاكر حسين. سيُخلّد في ذاكرة الناس كعبقري موسيقي أحدث ثورة في عالم الموسيقى الكلاسيكية الهندية، وعرّف العالم بآلة الطبلة، وأسر الملايين بإيقاعاته الساحرة. لقد مزج ذاكر حسين ببراعة بين التقاليد الكلاسيكية الهندية والموسيقى العالمية، ليصبح رمزاً للوحدة الثقافية".

عُرف حسين ببراعة أصابعه على الطبلة، وكأنها ترقص على سطحها، إن صحت الروايات. ويُقال أنّ أول لقاء له مع الموسيقى كان بعد أيام قليلة من ولادته في 9 مارس 1951. فحين عاد به والداه إلى المنزل، وهو لا يزال رضيعاً لم يتجاوز عمره اليومين، احتضنه والده، الأستاذ الأسطوري علاء رخا، وبدأ يغني له مقاطع إيقاعية، وكأنه يرسل الإلهام الموسيقي إلى قلب ابنه الصغير.

مع عازف الفلوت الهندي راكيش تشوراسيا. الصورة: فيفيك ميهتا
مع عازف الفلوت الهندي راكيش تشوراسيا. الصورة: فيفيك ميهتا

بداية مبكرة

وفي سن الثانية عشرة، كان حسين قد خطى خطواته الأولى نحو الاحتراف كعازف طبلة، متوّجاً بلقب "الطفل المعجزة"، ليرافق كبار الموسيقيين الكلاسيكيين الهنود في حفلاتهم، ويشاركهم العزف أمام الجمهور.

وما إن بلغ الثامنة عشرة، حتى بدأ حسين رحلاته حول العالم، ليشارك في حفلات موسيقية ضخمة، ويعزف إلى جانب أساطير الموسيقى، مثل "بانديت رافي شانكار"، و"أستاذ علي أكبر خان".

وقال "فيفيك ميهتا"، رجل الأعمال المقيم في الإمارات العربية المتحدة منذ عام 1984، والذي وثّق بعدسته العديد من حفلات الأستاذ ذاكر حسين: "كنت أغوص في حالة من الذهول التام، فطريقة عزفه آسرة، تخدرك وتأخذك لعالم آخر".

انطلق عازف الطبلة المبدع من أرضية التقاليد الكلاسيكية الهندية، لكنه لم يقف عند حدودها، بل انطلق في رحلة استكشافية متعمقة للعوالم الموسيقية الأخرى، متفاعلاً مع مختلف الأنواع والأصوات. أثمرت هذه الرحلة تعاونات موسيقية فذّة مع عمالقة الفن، أمثال "جورج هاريسون"، وعازف التشيلو "يو يو ما"، وعازف الجاز "هيربي هانكوك".

وفي عام 1973، أسس حسين فرقة "شاكتي" مع عازف الجيتار "جون ماكلولين"، ليقدما معاً توليفة موسيقية فريدة تجمع بين سحر الموسيقى الكلاسيكية الهندية وحيوية موسيقى الجاز.

ومن أبرز التعاونات الموسيقية التي خاضها حسين كانت مع "ميكي هارت" من فرقة "ذا جرايتفول ديد"، و"جيوفاني هيدالغو" و"سيكيرو أديبوجو" من فرقة "بلانيت درام". وفي مقابلة مع مجلة "بيلبورد"، وصف حسين هذا الألبوم بأنه "ألبوم إيقاعي بامتياز، لا يركّز على العزف المنفرد، بل على التناغم الإيقاعي بين أربعتنا، لنقدم تجربة موسيقية استثنائية".

كما تعاون حسين مع "هارت" في ألبوم "غلوبال درام".

وقد تم ترشيح حسين لسبع جوائز "غرامي" عن هذه الألبومات، وألبومه الأخير "ذيس مومنت"، وفاز بأربع منها، ثلاث منها هذا العام.

وعلى الرغم من شهرته الواسعة، إلا أن التواضع كان سمة بارزة في شخصية حسين. ويستذكر "ميهتا" موقفاً له مع ابنته في حفل أقيم في الإمارات العربية المتحدة قبل بضع سنوات، حيث تحدثت ابنته إلى الموسيقار الكبير بعد الحفل. وقال "ميهتا": "بعد انتهاء الحفل، ذهبنا لمقابلة الأستاذ ذاكر حسين في الكواليس. أخبرته ابنتي أنها بدأت تحب الموسيقى وتتعلم العزف على الجيتار. فابتسم لها الأسطورة وقال: "هذا يجعلنا اثنين، فأنا أيضاً ما زلت أتعلم العزف على الطبلة".

وفي وقت سابق من هذا العام، أوضح حسين في حوار له مع مجلة "رولينج ستون" الهندية: "عندما تعتقد أنّك أصبحت معلماً، فأنت في الحقيقة تعزل نفسك عن الآخرين. يجب أن تكون جزءاً من المجموعة، لا أن تحاول السيطرة عليها".

فنان شامل

لم يكتف حسين بكونه عازف طبلة بارعاً، بل تجاوز ذلك ليصبح فناناً شاملاً. فقد خاض عالم التمثيل، وشارك في أفلام مثل (هيت آند دست) "Heat and Dust" عام 1983 و(ذا برفكت مردر) "The Perfect Murder" عام 1988. ولم يقتصر دوره على التمثيل، بل امتدّ إلى تأليف الألحان لأفلام مثل (إن كاستدي) "In Custody" و(فانابراستام) "Vanaprastham". ولم يتوان عن خوض تجربة الإعلانات، حيث قدّم إيقاعاته الساحرة في إعلان شاي "واه تاج" في التسعينيات، بشعره الكثيف الذي يتراقص مع إيقاع الطبلة. ويقول "أكيل حسن"، المتخصص في الإعلانات والمقيم في دبي: "يبدأ الإعلان بمقطوعة موسيقية سريعة على الطبلة، تثير الحماس قبل أن يظهر حسين ويتحدث. هكذا تم تقديم شاي تاج محل كعلامة تجارية جديدة في الهند في أواخر الثمانينيات والتسعينيات. عندما شاهدت الإعلان لأول مرة، وكان قد عُرض من قبل عدة مرات، لكن الشيء الأكيد هو أن الجميع، صغاراً وكباراً، أغنياء وفقراء، مُحبي الموسيقى وغيرهم، تعلق بأذهانهم شعار "واه تاج!"، وبالتالي عرفوا العلامة التجارية التي يمثلها".

مع المغني والملحن الهندي شانكار ماهاديفان. تصوير: فيفيك ميهتا
مع المغني والملحن الهندي شانكار ماهاديفان. تصوير: فيفيك ميهتا

وبعد سنوات من عرض الإعلان لأول مرة، أقرّ حسين بأن إعلان شاي تاج محل هو الذي "جعلني مشهوراً في الهند".

وحصد حسين العديد من الجوائز المرموقة، بما في ذلك جائزة "بادما شري" عام 1988، و"بادما فيبهوشان" عام 2023 من حكومة الهند. كما فاز بجائزة أكاديمية "سانجيت ناتاك"، وزمالة التراث الوطني في الولايات المتحدة، وهي أكبر جائزة تُمنح للفنانين في مجال الفنون التقليدية.

الموسيقى لغة عالمية، وعلى الرغم من رحيل أحد أكثر متحدثيها بلاغة، إلا أن إرثه سيظلّ حياً ينبض في كل نوتة موسيقية.

Khaleej Times - Arabic Edition
www.khaleejtimes.com