"تنوير"في مليحة: احتفال بالموسيقى والفن تحت سماء الصحراء
تحولت رمال صحراء مليحة في الشارقة إلى مكان مليء بالموسيقى والشعر والفن مع بدء مهرجان تنوير بطريقة رائعة. على مدار ثلاثة أيام مميزة، اجتمع أكثر من 6000 شخص تحت سماء مرصّعة بالنجوم للاحتفال بالإبداع والوحدة والتراث، مستلهمين من حكم جلال الدين الرومي.
بتوجيهات من الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، انطلق المهرجان تحت شعار "أصداء خالدة من المحبة والنور"، وهو احتفال يجمع بين الثقافة والاستدامة والتنوير الروحي. في الفترة من 22 إلى 24 نوفمبر، استضافت صحراء مليحة التاريخية هذا الحدث الفريد في المنطقة، ليكون منصة للإنسانية المشتركة والتعبير الفني.
كانت الأمسية الأولى للمهرجان بداية رائعة لفعاليات الحدث، حيث ألقت الشيخة بدور كلمة مؤثرة، تزامنت مع أنغام موسيقية رائعة لعازفة الكورا السنغالية سيني كامارا. وقد كانت كلماتها تتردد بعمق في الأجواء:
"إن تنوير ليس مجرد مهرجان؛ بل هو دعوة لإيقاظ النور داخلنا. فمن خلال المحبة والتسامح والاتحاد، نزرع بذور واقع جديد ونشهد بناء وعي ووجدان، يتحول من خلاله الجفاء إلى وصل، والخوف إلى تعاطف وتراحم، وهنا على أرض مليحة المباركة، لا نجتمع بالمصادفة، وإنما عمداً مع سبق الإصرار، لنحمل شعلة النور، ونلهم جميع المجتمعات لصناعة التغيير الإيجابي المطلوب".
عروض من الطراز العالمي.
كان العرض مذهلاً حقاً، مع عروض من نجوم عالميين. في ليلة الافتتاح، أسرت أغنية "في الأندلس" لرائد الموسيقى العالمية سامي يوسف القلوب، حيث كانت تحية ساحرة للتراث الأندلسي. ونجح ريبرتواره، بما في ذلك مقطوعات محبوبة مثل "إلهانا" و"مدد"، في تجاوز الفجوات الثقافية والزمانية، ليخلق تجربة سمعية مليئة بالوحدة والحنين إلى الماضي.
وشهد اليوم الثاني لحظات مميزة مثل التعاون الرائع بين عازف الجيتار العربي كمال مسلم في أغنية "رحلات النور"، حيث امتزجت أنغام العود والإيقاع والصوت والبراعة الأوركسترالية في سيمفونية مذهلة من الإبداع. وفي الليلة الأخيرة، تدفقت ألحان عازف العود الكبير ظافر يوسف، التي كانت مثيرة مثل نسيم الصحراء، في استعارة مؤثرة لمسيرة تنوير من خلال تحقيق الانسجام الثقافي.
الفن وورش العمل والاستكشاف.
كان المهرجان أكثر من مجرد عروض؛ بل كان رحلة غامرة. شارك الزوار في ورش عمل متنوعة، من الدوران الصوفي إلى الهندسة الروحية، كل ورشة مصممة لإيقاظ الإمكانات الإبداعية والروحية. وقد أذهلت ورش عمل الخطاط اللاتيني الشهير جوليان بريتون ( أليف خطوط الضوء المتحركة) "ALIF Motion Light Calligraphy" المشاركين، حيث مزجت بين التقاليد والتكنولوجيا بطريقة مبتكرة.
انتشرت في أرجاء المهرجان أعمال فنية مستوحاة من فلسفة جلال الدين الرومي والطبيعة. من "آثار الصحراء" لكريم وإلياس إلى "تورويد" التأملي لزينب الهاشمي، قدّمت هذه المنحوتات أماكن للتفكير وسط أجواء المهرجان النشطة.
كان سوق تنوير مليئاً بالنشاط، حيث تم عرض السلع الإماراتية المصنوعة يدوياً والكنوز الحرفية العالمية. وفي مكان قريب، كانت منطقة الطعام تسعد براعم التذوق بالأطعمة الشهية الإقليمية مثل الأرز المنقوع بالزعفران والكباب الساخن، مما يؤكد على روح المهرجان الاحتفالية الحسية.
الوحدة الثقافية في إطار خالد.
تحت سماء الصحراء الرائعة، تحولت مسارح تنوير إلى جسور تربط بين الماضي والحاضر. من الإيقاعات الساحرة لعازف الكناوة المغربي حسن حكمون إلى التأملات الشعرية لبركة بلو والمخرجة الإماراتية نجوم الغانم، نسج كل عرض قصة عن تراث وإنسانية مشتركين.
كما تبنى المهرجان مفهوم الاستدامة، من خلال عناصر تصميم صديقة للبيئة مثل الإضاءة الشمسية والمواد الصديقة للبيئة والتي تذكّر الضيوف بالتوازن الدقيق بين الإنسانية والطبيعة.
على مدار عطلة نهاية الأسبوع، استمتع الجمهور بمجموعة متنوعة من الأنشطة التي شملت أكثر من 29 عرضاً قدمها أكثر من 100 فنان من 15 دولة. ومن أبرز الفعاليات كانت 10 ورش عمل تفاعلية مثل الدوران الصوفي، بالإضافة إلى 10 منشآت فنية مذهلة ألهمت التأمل.
كما قدمت المهرجانات الأخرى مثل الجولات الأثرية، ومراقبة القمر، والطيران الشراعي، فرصة للمشاركين لاستكشاف المناظر الطبيعية القديمة في مليحة، حيث تلاقى التاريخ والثقافة مع جمال الحاضر. وفي وسط الكثبان الرملية، عزز المهرجان الرابط العميق بالأرض والتراث والتقاليد الغنية في المنطقة.
وفي تعليقها على نجاح المهرجان، عبّرت الشيخة بدور عن امتنانها العميق، قائلة: "لقد أثبت مهرجان تنوير أنه حركة قوية وشهادة دائمة على إنسانيتنا المشتركة، تتجاوز كل الحدود من خلال حب الإبداع والفكر والارتباط بالتراث والطبيعة. وبينما وقفنا وسط أحد أبرز مهد البشرية، منطقة مليحة الحبيبة، شهدنا كيف تردد صدى الحب والنور إلى ما هو أبعد من هذه الأيام الثلاثة السامية، مؤكدين قدرتنا اللامحدودة على التواصل والارتقاء وتنوير بعضنا البعض. أنا فخورة للغاية بما أنشأناه معاً وممتنّة بعمق لكل روح انضمت إلينا في هذه الرحلة. لقد أظهرنا معاً أن وحدتنا وإبداعنا يمكن أن ينيرا الطريق لعالم أكثر رحمةً واستدامةً ووعياً".
من الفن المذهل والموسيقى السامية إلى جولات الصحراء تحت ضوء القمر والمأكولات الشهية، كان مهرجان تنوير رحلة متعددة الحواس أعادت تعريف مفهوم المهرجان. وقد ترك أول ظهور له إرثاً دائماً من التنوير الثقافي، والاستدامة، والوحدة الإبداعية.
وبينما كانت النغمات الأخيرة لعود ظافر يوسف تتردد في هواء الصحراء والرمال تحت النسيم البارد، كانت حقيقة واحدة واضحة: مهرجان تنوير ليس مجرد حدث؛ بل هو دعوة لإيقاظ النور داخلنا جميعاً.