"شوجيت سيركار": الواقع ملهمه في سرد قصصه السينمائية
لطالما تميّزت أعمال "شوجيت سيركار" بقدرته الاستثنائية على سرد القصص البسيطة والصادقة التي تلقى صدى عميقاً لدى الجماهير، وذلك بفضل أعماله الرائعة مثل "بيكو" (Piku) و"فيكي دونور" (Vicky Donor) و"أكتوبر" (October). اشتهر بسرده القصصي المذهل ومهارته في تصوير جمال الحياة اليومية، ويواصل أحدث أفلامه، "أريد أن أتحدث" (I Want to Talk)، ببطولة "أبيشيك باتشان"، احتضان هذه البساطة واستكشاف تعقيدات المشاعر والعلاقات.
وفي لقاء صريح قبل إصدار فيلم "أريد أن أتحدث" (I Want to Talk)، شارك المخرج ما ألهمه لإنتاج هذا الفيلم، الذي يستند لقصة أحد أصدقائه، وكيف أن "أبيشيك" يذكره بسحر "جايا باتشان" الفتّان، وسبب اعتقاده بأن السينما يجب أن تظل بعيدة عن ضغوطات شباك التذاكر.
ومن تصوير الأفلام ذات الميزانية المحدودة إلى تجربة الرسوم المتحركة والاحتفاء بلحظات الصمت في الحياة، يظل المخرج ملتزماً بسرد قصصه الصادقة المنعشة من وحي الواقع، مما يذكرنا لماذا تشعرنا أعماله دائماً وكأنها وقفة هادئة وسط ضجيج السينما الهادر.
مقتطفات من المقابلة بتصرف:
س: عندما نشاهد أفلامك، نرى أنك لا تتعجل في سرد قصتك. ولا تحاول فرض وتيرة مصطنعة على حبكة القصة؛ بل يبدو وكأن كل شيء يتكشف بشكل طبيعي. من أين تأتي بهذا الصبر كمخرج؟
من وجهة نظري، أعتقد أن كل هذا جاء بفضل خلفيتي في مجال الأفلام الوثائقية. لذا، فأنا عادةً لا أسمي أعمالي "أفلاماً"، بل أسميها "توثيقاً للحياة اليومية". فعندما توثق موقفاً من الحياة بطريقة واقعية للغاية، تكون له مكانته الخاصة وإيقاعه الخاص. ولهذا أنت محق تماماً. ففي مثل هذه المواقف، عندما توثق العلاقات أو عندما تسيطر المشاعر على أحدهم أو يمر بمواقف صعبة، فأنت تستهدف تلك المساحة وذلك الإيقاع. في بعض الأحيان، يتحدث الصمت أكثر من الكلام، وأنا لست في عجلة من أمري.
س: تمنحك الأفلام الوثائقية قدراً أكبر من الحرية عندما يتعلق الأمر بالجانب الواقعي للعمل الإعلامي، ولكن في السينما الهندية، هناك متطلبات تجارية. كيف تحقق هذا التوازن بينهما؟
في بداية مسيرتي المهنية، قدمتُ بعض التنازلات للتكّيف مع هذا النظام. أما الآن، فأنا أشعر بقدر أكبر من الحرية. لا أستطيع أن أقول أنني "لا أخاف"، بل أقول "لا يعتريني الخوف" بهذا المعنى. لقد قررتُ أن أنتج أفلاماً أحبها، وبإيقاعي وبأسلوبي. وإذا أنتجتُ شيئاً لا يتماشى مع شخصيتي، أو إذا تبيّن أن الفيلم لا يمثلني، فلن أكون صادقاً مع نفسي. أريد أن يعرف جمهوري هويتي كشخص من خلال أعمالي. ولهذا اخترتُ أن أنتج أفلاماً تتوافق مع شخصيتي، بغض النظر عن المعايير أو المتطلبات التقليدية.
س: هل هذا ما يجعلك تجد السحر في الأشياء العادية؟ عدم الخوف من تصوير الجوانب العادية من الحياة في قصصك، وهو ما يتجنبه العديد من صناع الأفلام.
نعم، هذا لأن كل شيء في الحياة يجب أن يُنظر إليه بنظرة دهشة وتعجّب. وإذا فقدنا هذه النظرة، فإن الحياة تفقد بريقها. على سبيل المثال، لماذا قد تمطر في دبي، أو لماذا قد تتساقط الثلوج هناك؟ ستنظر إلى هذا بفضول وتتساءل، ما الذي يحدث هناك؟ لا يمكن توقع ما يحدث في هذه الحياة، ومن المهم أن يبقى هذا الشعور بالدهشة والتساؤل عن كل شيء.
س. هل هذا ما يحدث أيضاً في حياتك الشخصية؟
نعم، أذهب إلى السوق كل يوم، وأشتري خضرواتي بنفسي. وإذا لم تكن سيارتي معي في ذلك اليوم، فإنني أسير على قدمي أو أستقل إحدى عربات الريكشا إلى مكتبي. أعيش حياة عادية للغاية، وأحب أن أعيشها هكذا. كثيراً ما تسخر مني بناتي، فيقلنَ لي: أنت لا ترتدي ملابس لائقة. وخاصة الآن، عندما أجري مقابلات، فهنَّ يطلبن مني أن أرتدي ملابس أنيقة. والآن لقد أصبحنَ يتحكمن بي، لذا عليّ أن أصغي إليهن!
س. هل تعتبر نفسك شخصاً مجازفاً كصانع أفلام؟
لا، لا أعتقد ذلك. فالمخاطرة تكمن في إنفاق مبالغ كبيرة على الفيلم. فإذا كنت متحكماً في التكاليف وتعرف كيف تدير نفقات عملية الإنتاج، فأين المخاطرة؟ على سبيل المثال، تم تصوير فيلم " أريد أن أتحدث" بالكامل في الولايات المتحدة. ولو قام مخرج آخر بتصويره مع "أبيشيك باتشان"، لكان من المستحيل أن يتم ذلك بميزانيتنا. ولكننا تمكنّا من تحقيق ذلك لأننا تحكمنا جيداً في التكاليف. وإذا لم تفرط في الإنفاق على أشياء غير ضرورية، فلن تكون هناك مخاطرة حقيقية.
س: حدثنا أكثر عن هذا الفيلم. ما الذي ألهمك لسرد هذه القصة؟
يستند فيلم "أريد أن أتحدث" إلى قصة أحد أصدقائي. بدأت أتحدث معه حوالي عام 2020، ووجدت شيئاً جميلاً في قصته، وكيف جعل حياته مميزة. كان تطور علاقته بابنته بمرور الوقت أمراً مؤثراً بشكل خاص. فنحن كآباء، غالباً ما نعتقد أننا نتواصل مع أبنائنا بوضوح في حين أننا نفعل العكس. فإطعام ابنك أو إخباره بأن ينام أو توصيله إلى المدرسة ليس كافياً.
هناك مفهوم آخر يؤثر فيّ كثيراً: وهو الوقت الذي نقضيه بعيداً عن أطفالنا كآباء بسبب العمل. عندما نكون في العمل، فإننا في الواقع نسلبهم حقهم في قضاء الوقت معهم. وقد اعتقدتُ أن هذه فكرة عميقة جداً ويجب تناولها. هذا إضافة إلى أن القصة تتناول موضوع المرونة، وأنه لا يجب أن نستسلم لمصاعب الحياة. وهي رحلة بسيطة، حاولتُ توثيقها بطريقتي.
س: كان هناك تعليق على المقطع الدعائي للفيلم يصف الفيلم بأنه "نسمة هواء نقي" في السينما الهندية. وسط هيمنة الأفلام المليئة بالإثارة والتشويق، لماذا تعتقد أن هذا الرأي له تأثير قوي؟
قد يكون سبب ذلك هو أننا عندما نبالغ في شيء ما، فإن مجرد تغيير بسيط قد يبدو مؤثراً. لا ينبغي للسينما أن تتبع دائماً الاتجاهات أو المعايير السائدة، بل يجب أن يبحث المخرج عن الأصالة. تبدأ المشكلة عندما يتم حصر دَورُ السينما في أرقام شباك التذاكر. لقد أخبرتُ المنتجين وحتى وسائل الإعلام بأنني لا أريد مناقشة أرقام شباك التذاكر. لأنني لا أهتم لهذه الأمور. إذا عرفتَ مهمتك في الحياة، فإن مهمتك كصانع أفلام ستصبح أسهل. ربما لهذا السبب يشعر الناس أن هذا الفيلم يبدو جديداً.
س: لقد أنتجت أعمالاً فنية مع السيد "أميتاب باتشان" في الماضي. كيف كان العمل مع "أبيشيك باتشان" في هذا الفيلم؟ هل لاحظتَ أي أوجه تشابه بينه وبين والده؟
أنا منبهر بما قدمه "أبيشيك" ولقد فاجأني بإخلاصه وحبه للعمل. أثناء التصوير، كنتُ أعانقه بشدة بعد كل مشهد. لقد وجدت فيه الدفء والجمال والإحساس. لقد ذكرني بـ"جايا جي" (جايا باتشان). فقد انعكست نظراتها الحادة وحضورها الصامت وإحساسها وسحرها في "أبيشيك". لم يتحدث أحد عن ذلك كثيراً، لكن "جايا جي" كانت واحدة من أفضل الممثلات في عصرنا.
س: في هذا الفيلم، نرى مشاهد تأملية للسماء المفتوحة والرحلات الطويلة، والتي تبدو عناصر متكررة في أفلامك. ما الذي يجذبك لمثل هذه المشاهد؟
أنا أتبع سرد القصة فعلى سبيل المثال، التصوير السينمائي في هذا الفيلم ملوّن وجديد لأنني أتعامل مع حالات طبية، وأردت تصوير الحياة بمشاعر السعادة والفكاهة وكل ألوانها. فالحياة ملونة، وأنا أتعامل مع الصور بطريقة تأملية غامرة. إذا نظرتُ من النافذة ورأيتُ مشهداً جميلاً، لن أستطيع وصف هذا الشعور لك، وسيتعين عليك أن تعيشه بنفسك. وهذا ما أحاول التقاطه في أفلامي.
س: فيما يتعلق بالرسوم المتحركة، قمتَ مؤخراً بإخراج فيلم رسوم متحركة بعنوان "النور" (The Light)، وهو فيلم يتحدث عن سيرة ذاتية دينية يتناول حياة مؤسس مؤسسة "براهما كوماريس" (Brahma Kumaris) الروحانية. ما الذي ألهمك لدخول عالم الرسوم المتحركة؟
السيد "هاريلال بهانوشالي" هو من طلب مني إخراج هذا العمل، وهو منتج أفلام قصيرة. أمضيتُ بعض الوقت في جبل "أبو"، وهناك تعاملتُ مع فريق "براهما كوماريس"، ومن بينهم الأخت "بي كيه شيفاني". لطالما كنتُ مهتماً بالتداخل بين العلم والروحانيات، وكانت هذه فرصة رائعة لاستكشاف ذلك التداخل. لذلك، أردتُ المساهمة في إنتاج الفيلم لهذه المؤسسة.
س. هل تفكر في إدخال الرسوم المتحركة إلى السينما؟
بالتأكيد. لقد أظهرت لنا "هوليوود" مدى قوة الرسوم المتحركة وأنها تتمتع بنفس قوة الأفلام الحية. وبفضل الذكاء الاصطناعي، أصبحت الآن تبدو واقعية بشكل لا يصدق. ولكن الأهم من ذلك، هي العواطف التي تنقلها. وأود أن أجرب الرسوم المتحركة أكثر في أعمالي المستقبلية.