نعيمة كريم..من الألم إلى الإبداع في مواجهة الاكتئاب
اليوم هو اليوم العالمي للصحة النفسية. وبصفتي كاتباً علمياً، فقد كنت أكتب مقالات بمناسبة هذا اليوم منذ عام 2008. في ذلك الوقت، لم يكن هذا اليوم في معظم دول الخليج أكثر من مجرد ذكرٍ للشرائط الخضراء أو تقديم كعكات صغيرة مبتسمة. لكن الأمور تغيرت الآن، وأصبح هذا اليوم يحظى باهتمامٍ أقرب لما يستحقه؛ ومع ذلك، لا أزال أعتقد أن تخصيص شهر كامل للصحة النفسية سيكون أكثر ملاءمة.
لقد اعتدت أن أبدأ مقالاتي عن اليوم العالمي للصحة النفسية (WMHD) بالحقائق والأرقام والإحصائيات والتأثيرات الاقتصادية: شخص من كل أربعة، 50% قبل سن 14 عاماً، السبب الرئيسي لفقدان أيام العمل، وما إلى ذلك. ومع ذلك، اكتشفتُ في النهاية إلى أن القصائد والقصص أكثر فعالية في رفع الوعي الهادف، وخاصة كلمات وأعمال أولئك الذين عاشوا التجارب بأنفسهم. وكما كتبت الشاعرة شارلوت سميث: "أولئك الذين يرسمون الحزن بشكل أفضل هم الذين يشعرون به أكثر".
لقد تعرفتُ مؤخراً على نعيمة كريم، وهي فنانة وأم محبة تم تشخيص ابنتها المراهقة باضطراب اكتئابي حاد. جوهر قصة نعيمة كان أنها لم تدرك لفترة طويلة أن ابنتها تعاني من مشكلة صحية عقلية يمكن علاجها، ولم يدرك المعلمون في مدرسة ابنتها ولا الطفلة نفسها ذلك. على مدار عدة أشهر، أدت التغيرات في الحالة المزاجية والدافع ومستويات الطاقة إلى خلافات واستياء وانخفاض في الأداء الأكاديمي.
قبل التشخيص، كانت نعيمة ترى ابنتها مدللة، وغير شاكرة، وكسولة، وأنانية ـ وهي مشاعر ترددت وتضخمت لدى معلمات المدرسة التي تدرس فيها ابنتها. إن سماع مثل هذه الكلمات القاسية من أولئك الذين يهتمون بنا لا يؤدي إلا إلى انخفاض الحالة المزاجية، مما يؤدي بالنسبة لبعض الناس إلى تحريك حلقة مفرغة من الانحدار.
في قاع الاكتئاب (الذهول الاكتئابي)، كما يحدث في كثير من الأحيان، أخذت نعيمة ابنتها إلى أخصائي الصحة العقلية، الذي أدرك على الفور الأعراض الكلاسيكية للاكتئاب - المرض التوأم: الاضطراب العاطفي وفقدان المتعة. من خلال العمل مع كل من الأم والابنة، استخدم الطبيب المعالج تقنيات معرفية سلوكية متنوعة لمساعدة الناس على التحسن، والأهم من ذلك، مساعدتهم في الحفاظ على هذه الحالة الأفضل.
تشعر نعيمة بالندم لعدم طلب المساعدة في وقتٍ أبكر، وتشتبه في أن رد فعلها الأولي - الذي تمثل في الغضب والعداوة - قد ساهم في تفاقم الوضع. تلتزم نعيمة الآن بمساعدة الآخرين على التعرف على علامات وأعراض الاكتئاب في مراحل مبكرة، وتشجعهم على الاستجابة بطرق أكثر دعماً.
وقد دفع هذا الطموح نعيمة نحو برنامج الإقامة للحلول الإبداعية، وهو مبادرة من مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) مفتوحة للمواطنين والمقيمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يدعم برنامج الحلول الإبداعية الأفراد في تطوير مهاراتهم الإبداعية الرقمية في مجالات التكنولوجيا الغامرة، ويقدم الوصول إلى أحدث التقنيات مثل الواقع الافتراضي والواقع المعزز، بالإضافة إلى التوجيه والإرشاد من خبراء رائدين في هذا المجال.
يُطلق على مشروع نعيمة، وهو نموذج أولي عملي، اسم (ميريج)"Mirage". إنه تجربة غامرة تهدف إلى مساعدة الناس على تقدير شعور الاكتئاب بشكل أفضل. تسمي نعيمة التطبيق (ميريج) "Mirage" لأنه عندما يعاني الشخص من الاكتئاب، يشعر وكأنه سراب، حيث يختبر شعور السعادة بشكل زائف. وبعيداً عن مجرد عرض الأعراض، يتعمق (ميريج) "Mirage" أكثر، ويحاول استحضار التعاطف والرحمة تجاه أولئك الذين يعانون من نوبات الاكتئاب. من الناحية العملية، يتم استخدام سماعة الواقع الافتراضي للدخول إلى عالم افتراضي حيث تتفاعل مع طفل يعاني من الاكتئاب.
تستخدم التجربة أيضاً تقنية اللمس. لذا، بعيداً عن الأصوات المثيرة والصور الحزينة، تشكل الأحاسيس الجسدية مثل معدل ضربات القلب المتوترة جزءاً من التجربة التي تحفز التعاطف. يتم التفاعل مع الطفل الافتراضي بطريقة عاطفية: فكلما كنت أكثر تعاطفاً معه، كلما تمكن من اتخاذ خطواته الأولى نحو التعافي بشكل أسرع.
إنها رسالة قوية، ولكن ما أثر في أكثر من أي شيء آخر هو اكتشافي أن صوت الطفلة المستخدمة في المشروع كان صوت ابنة نعيمة (التي تعافت الآن). إنه تعاون إبداعي بين الأم وابنتها، يساعد الآخرين على اجتياز مسار مؤلم ساروا فيه معاً.
كتب كارل يونج، المعالج النفسي السويسري الشهير، "إن الطبيب الجريح وحده هو القادر على الشفاء... ولكن فقط إلى الحد الذي تمكن فيه من شفاء نفسه". واقترح يونج أن أكثر المعالجين النفسيين نجاحاً يستعينون بمعرفة آلامهم لمساعدة الآخرين. إن أولئك الذين تعافوا من الجروح النفسية هم في أفضل وضع لمساعدة الآخرين؛ ومشاركة القصص هي واحدة من أقدم الطرق وأكثرها قوة للقيام بذلك.
سيتم عرض أعمال نعيمة خلال مؤتمر تنوين للإبداع الذي سيعقد في وقت لاحق من هذا الشهر (31 أكتوبر - 6 نوفمبر) في إثراء بالظهران، المملكة العربية السعودية. يمكن للإبداع أن يلعب دوراً كبيراً في منع مشاكل الصحة العقلية وتعزيز ازدهار الإنسان.
الدكتور جاستن توماس هو طبيب نفساني معتمد وباحث أول في برنامج الرفاهية الرقمية (سينك) في مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء).