معرض "عثمان يوسف زادة" يتحدى الروايات التقليدية للاستعمار والهجرة والتفاوت
"عثمان يوسف زادة"، فنان وكاتب، يتحدى الروايات التقليدية للاستعمار والهجرة والتفاوت حول الاستعمار والهجرة والتفاوت الاجتماعي من خلال ممارسته الفنية المثيرة والمتعددة التخصصات. وُلد في مدينة برمنغهام البريطانية التي تضم نسبة عالية من المهاجرين، ويعود أصله إلى منطقة الحدود الشمالية الغربية في باكستان (المعروفة حالياً باسم خيبر بختونخوا). يتبع في ممارسته نهجاً شخصياً وأتو-إثنوجرافياً، ويعكس عمله تجربته كطفل لمهاجرين، لا سيما من مجتمع (BAME) (مجتمع ذوي البشرة السوداء، الآسيويين، والأقليات العرقية).
تساؤلاته حول التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية التي تشكل عالمنا اليوم تتجسد في طبقات عديدة من أعماله. فقد كانت مسيرته المهنية السابقة كمصمم أزياء ـ حيث صمم ملابس لبيونسيه ولوبيتا نيونجو وكريستين ستيوارت ـ سبباً في تعريفه بالمنسوجات كوسيلة تعبيرية. وتحولت ممارساته بمرور الوقت إلى أعمال قائمة على المنسوجات والأشياء التي تفحص تاريخاً أكثر تعقيداً للهجرة والاستغلال والهوية.
إن ارتباط يوسف زادة العميق بالمنسوجات ينبع من تعرضه المبكر لأعمال والدته في خياطة الملابس. وقد أصبح هذا التأسيس للتقاليد النسيجية حجر الأساس للغته الفنية. وبالنسبة ليوسف زادة، الأقمشة ليست مجرد عناصر جمالية أو عملية، بل هي حاملة للذاكرة والتاريخ والهوية. وفي معرضه الحالي، أصبحت المنسوجات رمزاً للهجرة والعمل، متشابكة مع الروايات الشخصية للنضال والمرونة. وهذا التفاعل بين الشخصي والسياسي على وجه التحديد، يعد سمة ثابتة في أعماله، يستخدم يوسف زاده الأقمشة لربط تجربته الشخصية ودعوة المشاهد لفهم التداعيات المستمرة للاستعمار على هياكل القوة العالمية.
يعد يوسف زادة باحثاً في الكلية الملكية للفنون في لندن وزميلاً زائراً في جامعة كامبريدج، يُعتبر يوسف زاده فناناً مبدعاً له العديد من العروض الفردية في مؤسسات بارزة، منها متحف فيكتوريا وألبرت في لندن، مؤسسة بيرينغو في بينالي البندقية، وصالة كارترايت للفنون في برادفورد.
إن أحدث مداخلاته "متى سنكون جيدين بما فيه الكفاية؟" وهي تجربة جريئة وطموحة في "ذا بوكس" في بليموث. يقوم يوسف زاده بدمج مقتنيات من المتحف في "ذا بوكس" لإعادة وضع التاريخ المؤسسي في سياقه. بالتدخل في السرد التاريخي، يعيد فحص الإرث الاستعماري البريطاني وتأثيره المستمر على حياة الشتات المعاصر. أحد الأعمال المركزية في المعرض يتضمن ثلاث قوارب صغيرة مطلية بالأسود، كل منها يحمل شحنة رمزية: المانجو المعلبة، ورأس خشخاش خزفي، وخزانة مليئة بالنباتات من إفريقيا وأستراليا وجنوب آسيا. ترمز القوارب إلى استعمار الاستغلال، محملة بالبضائع التي كانت تُتاجر ذات يوم بشروط استغلالية. الطلاء الأسود، الذي يصفه يوسف زادة بأنه "سواد الاستعمار الاستغلالي"، هو مؤشر بصري للاستغلال، يربط هذه الأشياء بقرون من الهجرة العنيفة والاستعمار الاستغلالي.
مدينة بليموث، بارتباطها التاريخي برحلات الإمبراطورية البريطانية، تزيد من تأثير هذه الرموز القوية. كما تقول فيكتوريا بومري، الرئيس التنفيذي لمتحف "ذا بوكس": "العمل مع الفنانين بهذه الطريقة يتيح لنا طرح أسئلة وسرد قصص بطرق جديدة ومختلفة، وهو أمر بالغ الأهمية بالنظر إلى تاريخ بليموث المعقد." تشكل شحنة القوارب - التي تبدو بسيطة من حيث الشكل ولكنها غنية من حيث التاريخ - رمزاً للإرثين المتشابكين للاستعمار والصراعات المستمرة التي تواجهها مجتمعات الشتات. مع ذلك، رغم أن الرمزية قوية، إلا أنها في كثير من الأحيان تبدو مجزأة، حيث يولد التفاعل بين الأشياء المختلفة توتراً سردياً قد يقترب من الغموض. بينما يثير العمل قضايا هامة، إلا أن إطارها النقدي أحياناً يبدو غير مركز، ويعتمد بشكل كبير على الجمهور للتنقل عبر المعاني المتعددة ودمجها بشكل مستقل، خاصة في هذا المعرض حيث يفتقر للأدبيات التوضيحية.
من بين العناصر التي تضمنها المعرض، سجادة موضوعة في وسط المعرض، محاطة بتماثيل من الجص لعمالقة التكنولوجيا المعاصرين مثل إيلون ماسك، جيف بيزوس، ومارك زوكربيرغ. يطلق يوسيف زادة عليهم لقب "الاستغلاليين الرئيسيين" للواقع الرقمي المعاصر. من خلال وضعهم بجانب النخبة الاستعمارية التاريخية مثل اللورد بايرون - الذي يوجد تمثاله أيضاً في المعرض - يُستحضَر الرابط بين النخب القديمة والجديدة، مما يُوجه نقداً مباشراً لاستمرار الأنظمة الاستغلالية، من الاستعمار إلى الرأسمالية الحديثة. وأضافت بومري: "من خلال دمج أعمال يوسيف زادة الجديدة مع مجموعة من القطع التي نادراً ما تعرض من مجموعات ذا بوكس الغنية، يعرض المعرض فناناً في طليعة الممارسات المعاصرة ويدعو الجمهور للمشاركة في نقاشات نقدية حول التاريخ المشترك والديناميكيات العالمية."
إن الجمع بين هذه الشخصيات وتماثيل الشخصيات الاستعمارية التاريخية يثير التساؤلات، كما يلفت الانتباه إلى الهياكل القوية التي تتجاوز الزمن. ومع ذلك، وبينما يعتبر هذا التشبيه مثيراً، فإنه قد يبسط تعقيدات القوى العالمية إلى شخصيات يمكن التعرف عليها بسهولة. يعمل هذا التثبيت كنقد للرأسمالية المعاصرة، ويمكن أن يدفع إلى مزيد من التساؤل حول الأنظمة التي تدعم قوة هذه الشخصيات
في هذا المسار من التنقل بين واقعه الحياتي المعقد، يتجسد التهميش، سواء المفروض أو الذاتي كجزء من عمل يوسيف زادة. سيرته الذاتية تُعد الأساس هنا: كطفل مهاجر يكافح لإيجاد مكان له داخل بريطانيا - التي كثيراً ما تكون غير متقبلة - ولكنه أعاد تخيلها كمساحة يصبح فيها التهميش وسيلة للمقاومة بدلاً من مجرد استبعاد. وبالتالي، نجد في الأماكن التي تقع على هامش المعرض مجموعة من الأجسام والأشكال على عتبة - في منطقة شبه مظلمة - أماكن محتملة كوسيلة للتغيير و التحول، وحتى التحرر.
إن العلاقة الشخصية العميقة التي تربط يوسف زادة بتراثه تنعكس على كل جانب من جوانب عمله. فخلفيته الجنوب آسيوية وهويته في الشتات تضفي على المعرض صدى عاطفياً خاصاً. وفي الوقت الذي يتناول فيه المعرض تجربته الخاصة، فإنه يتعامل مع قضايا عالمية مثل الهجرة والتاريخ الاستعماري والتفاوت الاقتصادي، مما يجعل العمل ذو أهمية واسعة.
كما كتب إيكو إيشون في مقالته، فإن عمل يوسف زادة يفتح آفاقاً جديدة في الخطاب حول الاستعمار وما بعده. "متى سنكون جيدين بما فيه الكفاية؟" يوسع هذا الحوار من خلال إشراك عدد من السرديات الاستعمارية والمعاصرة التي يتم نسجها من خلال الأشياء والأرشيفات والمنشآت، على الرغم من أن هذا الطموح في بعض الأحيان يجعلها تبدو مجزأة. فإن وفرة المعنى والرمزية، والتي تكون أحياناً مثيرة للتفكير بشكل مفرط، قد تطغى على المشاهد وتخفف من تأثير القطع تماماً.
يدعونا عثمان يوسف زادة، من خلال ممارسته الفنية، إلى إعادة النظر في الهوامش باعتبارها مواقع للمقاومة والتحول والإبداع بدلاً من كونها مواقع للإقصاء. ويتحدى المشاهدين للتفاعل مع إرث الاستعمار الرخيص، والتفكير بشكل نقدي حول موقفهم فيما يتعلق بهذا الإرث. وعلى الرغم من الطبيعة المترامية الأطراف للموضوعات، فإن استكشاف يوسف زادة للقوة والتمثيل والوسيلة يرسلنا بدعوة واضحة لتخيل عالم آخر يتجاوز الحياة بعد الاستعمار حيث يمكننا الانخراط بشكل كامل في تاريخنا المعقد بطرق تحويلية.
يستمر المعرض الفردي للفنان عثمان يوسف زاده حتى 9 مارس 2025 في ذا بوكس بليموث بالمملكة المتحدة.