مجد كردية يعبر عن هشاشة وقوة العالم بأجنحة الفراشات
بالنسبة للفنان السوري مجد كردية، تشكل الفراشات المزخرفة ذات الألوان الزاهية محوراً أساسياً في فنِّه. وتجسِّد هذه الكائنات ذات الأجنحة مشاعر متناقضة مثل الهشاشة والقوة، والأمل والإحباط، ما يعكس الحالة الراهنة للعالم في إبداعات الفنان. في أحدث معارضه "الفراشات" في معرض "فن بورتر" بدبي، يقدم كردية رسائل قوية تجمع بين الفن ورواية القصص من خلال لوحاته المميزة ذات الطابع الطفولي والتي تضم مجموعة من الأشكال الساحرة المزخرفة بنقوش الفراشات.
يقول كردية: "إن الفراشات رمز قوي في فني. لديها أجنحة هشة، لكنها شجاعة وتجرؤ على المغامرة في أراضٍ مجهولة، بل إنها لا تخشى الطيران نحو لهب شمعة قد يحرق أجنحتها. بالنسبة لي، هي تشبه البشر عندما يتعاملون مع هذا العالم الحساس".
وُلد الفنان في حلب، سوريا، عام 1985، وترك وطنه هارباً من الصراع في عام 2013، ويعيش الآن في عمشيت بلبنان، وهي حالياً أرض مزقتها الحرب أيضاً.
مصدر إلإلهام لفنه هو الطبيعة والحيوانات ويأمل أن يسرق فنه بعض من حزن العالم. لأكثر من عقد من الزمان، رسم الفنان مجموعة من الشخصيات الصغيرة سماها "فصاعين" (كلمة تعني الصغار). تنتشر على لوحاته "فصاعين" – صبي يُدعى "فصعون" وفتاة تُدعى "فصعونة" – يبتسمان دائماً حتى في مواجهة المصاعب والحزن. ويرافقهم مجموعة من الحيوانات في مهمة لاستبدال الحزن بالفرح، والتي يطلق عليها بشكل متناقض اسم "عصابة الفراشات المخيفة للغاية".
يمزج كردية في فنه بين الرسم والأدب. تُرسم الشخصيات المحبوبة في رسومات بسيطة تشبه رسومات الأطفال، وتُطلى بطبقات من الألوان النابضة بالحياة. كما يقترن كل عمل فني ببيت شعري، غالباً ما يكتبه الفنان بنفسه. في المعرض الحالي، تظهر لوحة قماشية لفصعونة الصغيرة، بشعرها المتطاير في يوم عاصف، وهي على أجنحة الفراشات باللون الأزرق الداكن، مع اقتباس يقول: "البحار بين فراشاتها". في لوحة أخرى، تطل فصعونة وفصعون المبتسمان من خلف مروحة من أجنحة فراشات بألوان براقة، قائلة: "لو كان المكان لطيفاً معنا، لكانت قصتنا مختلفة".
كردية المتواجد الآن في دبي لحضور معرضه الذي يستمر حتى 21 أكتوبر يجلس في مقهى المعرض ويعترف بأنه يفتقد منزله المكون من غرفتين في عمشيت، والذي يقع على حافة غابة مليئة بأشجار البلوط والياسمين وزهور الجاردينيا، حيث أن التوتر المتصاعد في لبنان يجعله غير متأكد من إمكانية عودته إلى الاستوديو الخاص به للرسم بدون حامل للوحاته، بل على لوحات قماشية ممدودة على الجدران. يقول: "لا تمثل مجموعة عصابة الفراشات شخصاً واحداً أو جنسية واحدة، بل إنها تتمتع بجاذبية عالمية. ومثل الشخصيات في أعمالي الفنية، أتمنى أن يكون العالم أقل قسوة وأكثر عدالة ومليئاً بالسعادة والحب".
كان للانتقال إلى مدينة عمشيت الساحلية ذات المناظر الخلابة قبل عقد من الزمان تأثير عميق على فن كردية. يقول الفنان: "أثارت الحرب والنزوح مرحلة مظلمة في حياتي، والتي انعكست في فني آنذاك. لكن السلام والهدوء الذي عشته في عمشيت غير ذلك تماماً وقادني إلى فكرة فصاعين". كانت إحدى سلسلات كردية المبكرة التي ظهر بها فصاعين تسمى "الأرض تحتاج إلى كي" (2014 إلى 2016)، وهي استعارة لعالم بلا حدود. وفي معرض استعادي(متطلع إلى الوراء) أقيم في بيروت عام 2023، وُصفت السلسلة بأنها ولدت في عقد مليء بالحروب، وهو الوقت الذي اختار فيه كردية فرشاته كسلاح يصور رسائل سلمية ولكنها قوية. من خلال تسليط الضوء على الخطوط المؤلمة التي أحدثتها الاضطرابات السياسية، تمكن من رعاية ما تبقى من البراءة داعياً الفصاعين إلى قيادة الطريق إلى أيام مشرقة أكثر. "إن فصاعين أصغر من زهرة الكرز، وهم أكبر من العالم، صغار في الحجم ولكنهم كبار في المعنى"، كما يشير الفنان، "إنهم يحبون الجري في البرية، ولا يحبون المنازل والجدران. إنهم يحلمون بالسماوات الزرقاء المليئة بالطيور، والنوافذ المفتوحة، المعلقة عالياً في الهواء".
مع مرور السنين تطور فنه والشخصيات الموجودة به. وفي أعماله اللاحقة زادت الشخصيات أيضاً، وإلى جانب فصاعين، هناك الحمار فيلسوف العصابة، والفراشة رمز المجموعة، والفأر الشجاع الذي يعتقد أنه لا يوجد شيء مستحيل، والسيف الوردي الذي يحمي الأحلام من الأشواك، والبومة التي تستطيع رؤية الظلام وراء الخطوط والأشكال، والذئب الذي ذيله شجرة ويأكل الأفكار القبيحة، والحوت الذي يمثل الحزن، والفيل وهو كبير جداً لأنه معطاء للغاية.
في سلسلة 2020 "سنواصل رفع علم الشمس"، قدم الصبار، الذي يمثل فضيلة الصبر حيث أن الصبار والصبر في اللغة العربية لهما نفس الحروف. تتصدى مجموعته لعام 2021 بعنوان "بطيخ السلام" قلق واضطرابات البشرية المتزايد من خلال تصوير الحب الراسخ والإيمان واكتشاف السلام الداخلي. في عام 2023، ركزت "أجنحة الحلم" على الطيور التي تشير إلى مفهوم الحرية من الهروب والطبيعة العابرة للوجود. عُرضت أعماله الفنية في العديد من المعارض في جميع أنحاء العالم بما في ذلك برلين والأردن وميلانو والقاهرة والمنامة. توجد أعماله في مجموعات عامة وخاصة في الشرق الأوسط والخارج بما في ذلك المجموعة الخاصة للدكتور زكي نسيبة ومؤسسة أتاسي.
وقد لقي فن كردية الذي يشبه الأحلام ويمزج بين الواقع والخيال الإعجاب في جميع أنحاء العالم، مما أدى إلى بيع أكثر من 500 من أعماله الفنية. كما يعرض معرض "Fann A' Porter" مجموعة من الأعمال التي تتميز بعصابة الفراشات بإسم العلامة التجارية "Shop Fasaeen". يقول كردية: "يجب أن يتواصل الفن مع الناس، ويحتاج الفنانون إلى إيجاد التوازن بين عملهم وما يريده الناس. عندما يتحد مزاج الروح والقلب مع حركة اليد، هنا يمكن الحصول على أفضل الإبداعات".
إن العملية الفنية لديه تتسم بالعزلة وهي مفصلة، إذ تتضمن عدة ساعات من التأمل الذاتي أثناء الانغماس في هوايته المفضلة، صيد السمك، والتي يقول إنها تقوده إلى حالة تأمل. وفي جلسة تفكير يرسم لتطوير شخصياته ويستخدم المساعدات الرقمية للحصول على تركيبات الألوان الصحيحة. ويقول إن القوة الكامنة وراء إبداعه هي الحب دائماً. ويقول: "إن فني يدور حول المحبة لجميع المخلوقات. نحن بحاجة إلى نقاء الفن للقضاء على الوحوش في حياتنا وإزالة الجانب غير المتحضر من أنفسنا".