الشيف طارق طه.. التراث الفلسطيني والتقنيات الفرنسية في طبق
الشيف طارق طه، فنان الطهي الفلسطيني، يلفت الأنظار بتحويل الوصفات التقليدية لبلاده إلى روائع عصرية. اشتهر الشيف طه بتركيزه على الأطباق النباتية، حيث نجح في مزج إرث عائلته في الطهي مع تجاربه الطهوية العالمية، مما أسفر عن تقديم رؤية فريدة للمطبخ الفلسطيني. في هذا السياق، نستعرض رحلته، وشغفه بتجارب تناول الطعام الغامرة، ورؤيته المستقبلية.
بدأ الشيف طارق طه مسيرته المهنية في عالم المعجنات، حيث لفت انتباه معلمه بفضل دقته في التفاصيل وذوقه الفني المميز. قاده هذا الشغف المبكر إلى العمل مع طهاة مرموقين، إلى جانب التدريس وتقديم الاستشارات والمساهمة في تطوير مؤسسات مرموقة. في سن 28، تولى طه أول منصب له كرئيس طهاة.
وفي حديثه مع "خليج تايمز"، قال: "أدركت أنه لكي أكون طاهياً بارزاً، يجب أن أستكشف ثقافتي وتقاليدي الخاصة". استلهم من هذه الرؤية المشاركة في برنامج "أفضل طاهي في العالم العربي"، حيث حصد المركز الأول في النسخة السابعة، وواصل انتصاراته بفوزه في "نجوم برنامج أفضل شيف لعام 2024".
وأضاف طه: "خلال هذه السنوات، وظّفت مهاراتي في المعجنات والطهي لابتكار مسار جديد، حيث أعيد تقديم الوصفات الفلسطينية التقليدية بأسلوب فني عصري".
"المطبخ الفلسطيني مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأرض"
نشأ الشيف طارق طه في أسرة كان الطعام مصدر رزقها، ما جعله يتأثر بشكل كبير بإرث عائلته الطهوي. فقد غرس فيه طهي والدته الشهي قيماً راسخة كحب الكرم واحترام التقاليد. اليوم، يحرص طه على الحفاظ على أصالة الوصفات الفلسطينية، مع إضافة لمسات عصرية تعكس نهجه الفني الحديث من خلال تنسيق القوام والألوان بشكل مبتكر.
رغم أن المطبخ العربي يركز في الغالب على الأطباق المعتمدة على اللحوم، اختار الشيف طارق طه تسليط الضوء على الأطباق النباتية الصرفة، سعياً لتعزيز نمط غذائي صحي ومستدام. ويؤكد طه: "المطبخ الفلسطيني مرتبط بشكل وثيق بالأرض"، مشيراً إلى الاعتماد التاريخي على الخضراوات والأعشاب الموسمية، مثل الزيتون والزعتر والعقاب. وتتجسد هذه الرؤية في مهمته للاحتفاء بثراء الزراعة الفلسطينية الطبيعية، ودمجها بإبداع مع النكهات العصرية.
أتاح تدريب الشيف طه في فلسطين وفرنسا له التعرف على ثقافات طهي متنوعة. ففي حين شكلت فلسطين أساس نكهاته، صقلت فرنسا تقنياته وأسلوبه في التقديم. ويتجلى هذا المزج بوضوح في أطباقه، التي تجمع بين النكهات الجريئة للمطبخ الفلسطيني ودقة فن الطهي الفرنسي، ما يضفي عليها طابعاً فريداً يلامس الحواس.
عندما يُسأل الشيف طه عن الطبق الذي لا يُنسى بالنسبة له، فإنه يشير إلى "الكبة المقلية" التي كانت تعدها والدته، وهو طبق يحتل مكانة خاصة في قلبه وشكل نقطة تحول في مسيرته المهنية. استلهم الشيف طه هذا الطبق التقليدي، ليعيد ابتكاره وتقديمه بأشكال وحشوات متنوعة في مناسبات مختلفة، ما يعكس شغفه بدمج الأصالة بالابتكار في فن الطهي.
تجارب تناول طعام غامرة
مع تزايد شعبية تجارب تناول الطعام الغامرة، يرى الشيف طه أنها تتجاوز كونها مجرد اتجاه عابر. ويقول: "إنها تمثل اندماجاً ساحراً بين الطهي والفن والتكنولوجيا في تجربة واحدة". ومؤخراً، تعاون مع متحف اللوفر أبوظبي في الإمارات العربية المتحدة لتقديم عشاءات سرية مستوحاة من المكونات المرسومة في لوحات ما بعد الانطباعية. وباستخدام عناصر بسيطة مثل البصل والكمثرى، ابتكر قوائم تذوق تحول هذه المكونات إلى أطباق مميزة. ويعلق طه على التجربة قائلاً: "بصفتي عاشقاً للفن، كانت هذه التجربة مليئة بالتحديات لكنها مجزية إلى أبعد الحدود".
مع استمرار تنوع مشهد الطهي في الإمارات العربية المتحدة، يؤمن الشيف طارق طه بأن المطبخ الفلسطيني سيؤدي دوراً محورياً. فنكهاته الزاخرة وحضارته العميقة تتناغم مع ذائقة الجمهور متعدد الثقافات في المنطقة. ويقول: "المطبخ الفلسطيني يُثري الساحة الطهوية في الإمارات، ويكتسب شهرة بفضل الطهاة الفلسطينيين المبدعين".
المطبخ الفلسطيني على الساحة العالمية
إن إبراز المطبخ الفلسطيني الحديث على الساحة العالمية يمثل تحدياً معقداً. فقد أعاقت العوامل السياسية والاجتماعية تطوره تاريخياً، لكن الشيف طارق طه وطهاة فلسطينيين آخرين يسعون لتغيير هذا الواقع. ويقول طه: "نبذل جهوداً حثيثة لجعل المطبخ الفلسطيني حاضراً على المستوى الدولي. عبر التاريخ، لم يقتصر دور الطهاة على إطعام الناس، بل أسهموا في تثقيفهم وتعزيز وعيهم بقيمة الطعام".
ويتطلع الشيف طه إلى توسيع تأثيره من خلال تنظيم فعاليات طهو وحفلات العشاء المفاجئة، بالإضافة إلى إنشاء أكاديمية للطهي لتوجيه الجيل القادم من الطهاة. ويختتم حديثه قائلاً: "إذا كان لدي هدف لترك إرث، فهو تحديث المطبخ الفلسطيني والنهوض به إلى المستوى التالي."