لصق الفم لتحسين التنفس

الصورة: تيك توك
لصق الفم لتحسين التنفس الصورة: تيك توك

شريط الفم وصودا الخبز: هل تساهم "ترندات تيك توك" في تحسين الصحة؟

حرص الجمهور على إيجاد حلول بسيطة وغير جراحية لتحسين نومهم يدفعهم الى هذه خيارات لصق الفم وغيرها
تاريخ النشر

ما هو القاسم المشترك بين لصق الفم وشرب بيكربونات الصوديوم و"المغرفة الجافة" أو "التجريف الجاف" (Dry scooping)؟ كلها اتجاهات جديدة مرتبطة بالصحة على منصة "تيك توك" يثق بها العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن ما هي هذه الاتجاهات وهل تفيد بالفعل؟

ظهرت فكرة إغلاق ولصق الفم باستخدام شريط لاصق في أواخر عام 2022 عندما قام مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي بإغلاق أفواههم أثناء النوم لتحسين التنفس من خلال الأنف. وزعموا أن هذا أدى إلى راحة أفضل ومنع مشاكل مثل رائحة الفم الكريهة والشخير.

عندما سمع "آرون إيلثو" عن لصق الفم من صديقه، قرر أن يجرب الأمر. اشترى شرائط لاصقة من مسقط رأسه في الولايات المتحدة أثناء إجازته وجربها. قال: "لم أكن قبل ذلك أواجه أي مشاكل في التنفس ولكنني كنت أشعر بالفضول، لذا جربت ذلك وكان الأمر مثيراً للاهتمام بالفعل. لم أشعر بأي فرق ملحوظ على الفور ولكن فمي أصبح أقل جفافاً قليلاً أثناء الصباح. بعد استخدامه لبضعة أسابيع، شعرت أنه ساعد في تحسين تنفسي من خلال الأنف إلى الحد الذي جعلني أحصل على نوم أعمق وجعلني أشعر بالراحة أكثر. لاحظت أنني كنت أتنفس بعمق أكبر عندما كنت مستيقظاً أيضاً.

وقال الإعلامي إن بعض أصدقائه زعموا أن الشريط اللاصق ساعدهم أيضاً. وقال: "كانت إحداهن تعاني من الحساسية وكانت تعاني من انسداد في الأنف، مما أدى إلى تنفسها من خلال فمها وتسبب لها في الشخير. وبعد استخدام الشريط لمدة شهر، شعرت وكأنها أزالت كل ما كان يسد مجرى الأنف مما ساعد في وقف الشخير".

آرون إيلاثو
آرون إيلاثو

قال الدكتور إيلي أبي راشد، مؤسس "ريستور فيتنس" (Restore Fitness)، إنه لاحظ زيادة في الطلب على هذه الممارسة. وأضاف: "ما كان يُعتبر في السابق أداة متخصصة لتحسين النوم أصبح الآن يحظى باهتمام جمهور أكبر، وخاصة بين المهتمين ب "الاختراق البيولوجي" والصحة وتحسين الأداء. إن المقيمين في الإمارات العربية المتحدة حريصون على إيجاد حلول بسيطة وغير جراحية لتحسين نومهم، وتندرج ممارسة لصق الفم ضمن تلك الحلول".

وقال إن الشعبية المتزايدة لشريط الفم تكمن في بساطته وسهولة الوصول إليه. وقال: "على عكس العديد من الاتجاهات السائدة حول الممارسات الصحية، لا يتطلب شريط الفم أدوات باهظة الثمن أو التعلم لفترة طويلة". "ينجذب الناس إليه لأنه أداة ميسورة التكلفة وغير كيميائية وسهلة الاستخدام يمكن أن تؤدي إلى تحسينات فورية في نومهم. بالنسبة للكثيرين، فإن القدرة على الاستيقاظ والشعور بمزيد من الراحة واليقظة بعد استخدام شريط الفم لليلة أو ليلتين فقط هي حافز قوي. لاحظت أنه يلقى استحساناً خاصة ضمن الأفراد في الإمارات المهتمين بالصحة بالفعل، وهم يبحثون عن تحسينات بسيطة وفعالة لروتينهم".

الدكتور إيلي مع شريط فم
الدكتور إيلي مع شريط فم

مشكلة ترندات تيك توك

وعلى الرغم من أن العديد من الأشخاص يعدون بنتائج إيجابية للصق الفم بالشريط اللاصق ويقسمون أنه فعال، إلا أن بعض الخبراء يقولون أنه لا توجد بعد أدلة علمية لدعم تلك الممارسة. وقالت الدكتورة "آرتي جافيري"، أخصائية الطب الباطني وطبيبة طب نمط الحياة في مؤسسة "سيستين هيلث": "إن الأدلة الفعلية وراء هذا الأمر معتمدة على قصص الأفراد وهي محدودة وغير حاسمة وقد تكون لها عيوبها، خاصة مع الحالات الصحية المتزامنة".

وفقاً للنتائج الأولية لدراسة أجرتها "ماي فيتنس بال" (MyFitnessPal) بالشراكة مع جامعة مدينة دبلن العام الماضي، فإن 2.1% فقط من محتوى التغذية على تيك توك يعد دقيقاً. أجرى الباحثون دراسة تضمنت ردوداً من 2000 شخص من جيل الألفية والجيل زد وبحثوا في أكثر من 67000 مقطع فيديو باستخدام الذكاء الاصطناعي (AI) على منصة التواصل الاجتماعي لهذه الدراسة.

ومن المثير للقلق أن الاستطلاع وجد أن 87% من المشاركين استخدموا المنصة للحصول على نصائح حول التغذية والصحة بدلاً من استشارة الأصدقاء أو العائلة أو المتخصصين الطبيين.

الدكتورة آرتي جافيري
الدكتورة آرتي جافيري

وأوضحت "فيبا باجبايي"، أخصائية التغذية السريرية في "عيادة أستر" في بر دبي، لماذا تعد هذه الأرقام مقلقة. وقالت: "إن اتباع ترندات الصحة والنظام الغذائي، وخاصة تلك التي يتم الترويج لها على منصات مثل تيك توك، يمكن أن يؤدي إلى العديد من الآثار الضارة". إن العديد من الممارسات في تلك الترندات غير مدعومة بالأبحاث العلمية ويمكن أن تؤدي إلى مخاطر صحية قصيرة وطويلة الأجل. بعض الاتجاهات المتطرفة، مثل الصيام لفترات طويلة، أدت إلى حدوث مشاكل صحية طارئة في الحياة الواقعية، مثل الإغماء والجفاف. إن تجربة طرق غير آمنة أو متطرفة دون استشارة طبية يمكن أن يكون لها عواقب صحية وخيمة".

وصفت أخصائية الطب النفسي السريري ورئيسة قسم علاج اضطرابات الأكل في "عيادات سيج" الدكتورة "فيكتوريا ماونتفورد"، تطبيق تيك توك بأنه "السيف ذو الحدين" فيما يتعلق بالاتجاهات المتعلقة بالتغذية والصحة النفسية واللياقة البدنية. وقالت: "من ناحية، قد يتمكن صانعو المحتوى من رفع مستوى الوعي ومشاركة الخواطر والمساهمة في إزالة الوصمة حول المسائل المتعلقة بالصحة النفسية. ومع ذلك، يمكن أن تنتشر الترندات بسرعة، مما يؤدي إلى معلومات مضللة وتوقعات ومعايير غير واقعية".

الدكتورة فيكتوريا ماونتفورد
الدكتورة فيكتوريا ماونتفورد

الترندات الخطرة

تتضمن الترندات الأكثر خطورة على تيك توك المتعلقة بالغذاء تناول المشروبات الغازية، والنظام الغذائي المعتمد على اللحوم، ومشروبات الكوكتيل المنومة التي تتناولها الفتيات. كما تتضمن شرب بيكربونات الصوديوم حيث يتم إضافة ملعقة من صودا الخبز إلى الماء. ووفقاً لمؤيدي هذه الممارسة، فإنها تحسن الأداء الرياضي وتقدم فوائد أخرى. يدعو النظام الغذائي المعتمد على اللحوم إلى اتباع نظام غذائي يعتمد على المنتجات الحيوانية فقط مع استبعاد جميع الأطعمة النباتية تقريباً. يشجع الكوكتيل المنوم الذي تتناوله الفتيات على تناول خليط من مسحوق المغنيسيوم وصودا الليمون أو الليمون الحامض وعصير الكرز الحامض لتعزيز الاسترخاء ومنحهم نوماً أفضل.

وتحدثت "باجبايي" عن تناول المشروبات الغازية بكثرة، وأوضحت: "إن الترند الذي يتضمن شرب المشروبات الغازية قبل التدريبات لتحسين الأداء يمثل أمراً مشكوكاً فيه في أفضل الأحوال. فالصودا هي مادة كيميائية أساسية ويمكنها المساعدة في تحييد الأحماض ولكن فعاليتها تختلف من شخص لآخر. وإذا تم تناولها بشكل متكرر، فقد تزيد من مستوى الأس الهيدروجيني في المعدة، مما قد يكون له آثار سلبية على امتصاص العناصر الغذائية ويمكن أن تسبب أيضاً الانتفاخ والضيق في الجهاز الهضمي وتناول السكر بشكل غير ضروري".

الدكتورة فيبا باجبايي
الدكتورة فيبا باجبايي

وأوضحت أيضاً أنه على الرغم من أن النظام الغذائي المعتمد على اللحوم قد يسبب "فقداناً سريعاً للوزن" ويساعد في تخفيف "بعض حالات الالتهاب لدى البعض، إلا أنه لا يتضمن العناصر الغذائية الأساسية مثل "الألياف ومضادات الأكسدة والبوليفينول والفيتامينات والمعادن والبروبيوتيك والبريبايوتيك والتي توجد عادةً في الفواكه والخضروات والحبوب". وبالمثل، تقول، قد يوفر مشروب الكوكتيل المنوم استرخاءً مؤقتاً ولكن لا ينبغي اعتباره حلاً طويل الأمد لاضطرابات النوم.

شاركت أنيتا (اسم مستعار لحماية الخصوصية)، المقيمة في دبي والبالغة من العمر 34 عاماً، تجربتها حول اتباع نظام غذائي المعتمد على اللحوم. وقالت: "قرأت عن أن الكربوهيدرات هي الشر الأكبر والسبب الرئيسي في زيادة الوزن، لذلك قررت تجربة النظام الغذائي المعتمد على اللحوم. في الشهر الأول، كان رائعاً وفقدت الوزن بسرعة. ومع ذلك، في بداية الشهر الثاني، بدأت أشعر بالضيق وفي أحد الأيام اكتشفت وجود دم في البراز. هرعت إلى الطبيب ووجدت أنه بسبب عدم استهلاك ما يكفي من الألياف، أصبت بالبواسير وشق شرجي. كان الأمر مؤلماً ومحرجاً وكان له تأثير كبير على صحتي. لم أتمكن من الجلوس بشكل مستقيم لأكثر من أسبوع واضطررت إلى التوقف عن رفع الأثقال لأكثر من شهر. كانت تلك هي المرة الأخيرة التي قد أجرب فيها أحد الترندات من تيك توك".

وأوضحت الدكتورة "جافيري" أن "هذه الأساليب لا تستند إلى أبحاث علمية وقد تؤدي إلى آثار جانبية خطيرة، من نقص العناصر الغذائية إلى ارتفاع ضغط الدم. وكما هو الحال مع أي شيء، يجب إعطاء الأولوية للاختيارات الصحية القائمة على الأدلة بدلاً من ترندات وسائل التواصل الاجتماعي".

ولكن لماذا ينخدع مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي بهذه الترندات ويتبعونها؟ تقول الدكتورة "ماونتفورد": "إن البحث عن حل سريع هو طبيعة بشرية، لذا عندما يعد أحد مستخدمي تيك توك ببطن مسطح في غضون شهر واحد فقط، فمن السهل الانجذاب إلى ذلك. يتفوق العديد من صانعي المحتوى في جذب الجماهير بالصور والموسيقى والرسائل المستهدفة. غالباً ما يتم تصميم هذا المحتوى ليكون جذاباً ومثيراً للانتباه، بدلاً من تقديم استكشاف مدروس لنهج متوازن للصحة واللياقة البدنية. يميل الناس إلى تصديق ما يرونه على وسائل التواصل الاجتماعي دون التحقق من الحقائق".

" معلومات بحجم اللقمة"

ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح استهلاك "المعلومات الصحية المبسطة" أمراً شائعاً، وفقاً للدكتورة "جافيري"، وهو ما يشكل مخاطر. وقالت: "يستخدم العديد من المراهقين التطبيق لأكثر من أربع ساعات يومياً، وهو ما يرتبط بفترة انتباه أقصر بشكل كبير، حوالي ثمان ثوانٍ - أقل بكثير من الأجيال السابقة. نتيجة لذلك، فإنهم يشاهدون محتوى مدته قصيرة يفتقر غالباً إلى العمق أو الفروق الدقيقة أو الأدلة العلمية، خاصة عندما يتعلق الأمر بترندات الصحة. وهذا يقلل من قدرتهم على تقييم هذه الترندات بدقة، مما يجعلهم أكثر عرضة لتصديق المعلومات المضللة والممارسات الخطيرة المحتملة".

وقالت "باجبايي" إن الاتباع الأعمى لهذه الاتجاهات قد يسبب الإحباط، فضلاً عن كونه ضاراً. وقالت: "يمكن للعديد من نتائج "قبل وبعد" التي يروج لها المؤثرون أن تخلق توقعات غير واقعية لدي المتابعين، مما يؤدي إلى خيبة الأمل أو الإحباط عندما لا يتم تحقيق نتائج مماثلة. إن الصحة والعافية أمر فردي، لكن ترندات تيك توك غالباً ما تروج لنهج واحد على أنه سيناسب الجميع. ما يصلح لشخص ما قد لا يصلح لشخص آخر، وقد تكون بعض الأنظمة الغذائية أو الروتينات ضارة اعتماداً على الاحتياجات الصحية المحددة للفرد. كما أنها تبسط النصائح بشكل مفرط، مما قد يتجاهل التفاصيل المهمة والمخاطر والفروق الدقيقة المطلوبة لاتخاذ القرارات المتعلقة بالصحة".

وتشير الدكتورة "ماونتفورد" إلى أن هذه الاتجاهات غالباً ما تقدم المعلومات على أنها حقائق، وتبالغ في تقدير الفوائد في حين تقلل من المخاطر. على سبيل المثال، على أعقاب رواج عقاقير إنقاص الوزن مثل "ويجوفي" و "أوزمبيك"، تم الترويج للملينات وغيرها من المواد على أنها "أووزمبيك منخفض التكلفة"، وهو الأمر الذي يتجاهل مخاطر إساءة استخدامها وعدم فعاليتها في إنقاص الوزن. تقول: "يمكن لمثل هذه الترندات أن تعزز التفكير المتحيز - فقد يفترض الناس أنه إذا كان (الجميع يفعلون ذلك، فهذا يعني أن الأمر سيكون آمناً)، مما يدفعهم إلى تجاهل الحاجة إلى تقييم الفوائد والمخاطر بشكل فردي لأنفسهم. يمكن أن تخلق هذه العقلية اعتقادات غير واقعية بأننا يجب أن نصبح "مثاليين" في كل جانب من جوانب أنفسنا".

وقالت إنه من المهم لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي التفكير بأنفسهم. وأضافت: "بينما يقدم بعض صناع المحتوى على تيك توك الإلهام والتحفيز لمتابعيهم لممارسة الرياضة أو تناول الطعام الصحي، فمن المهم جداً التحقق من مؤهلاتهم المهنية. هل هم مؤهلون لتقديم المشورة في مجال تخصصهم؟ هذه الخطوة ضرورية لضمان موثوقية المعلومات وأمانها".

وتقدم الدكتورة "جافيري" بعض النصائح للتحقق من هذه الترندات. وتقول: "ابحث عن متخصصين قادرين على نقد الدراسات؛ وخاصة التحليلات التي راجعها النظراء أو التجارب العشوائية الخاضعة للرقابة، بدلاً من الاعتماد على أولئك الذين يدلون بتصريحات جريئة وغير مؤكدة بناءً على عدد قليل من الحالات المدروسة".

بالنسبة للمراهقين على وجه الخصوص، فإن إحدى الطرق البسيطة للحفاظ على سلامتهم هي التشكيك في المحتوى المقدم. "هل يبدو الأمر مثالياً لدرجة يصعب تصديقها؟ هل تطلب منهم تجربة شيء متطرف أو محفوف بالمخاطر؟ إذا لم تبدو النصيحة منطقية فمن الجيد التوقف والبحث عن رأي ثانٍ. حاول قدر الإمكان ألا تقع في فخ الثقة في شخص ما لمجرد عدد متابعيه، بل يجب الانتباه لجودة المحتوى المقدم فعلياً".

وأضافت: "سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن تلقي النصائح الصحية من منصات التواصل الاجتماعي سيظل يحظى بشعبية، لذلك من المهم البدء في الحصول عليها من مختصين مدربين وموثوقين وتشجيع الآخرين على القيام بذلك".

Khaleej Times - Arabic Edition
www.khaleejtimes.com