قلة النوم تسرّع شيخوخة الدماغ 3 سنوات إضافية
أظهرت دراسات حديثة وجود ارتباط مباشر بين النوم الكافي وتأخير شيخوخة الدماغ. ويحذر الخبراء المحليون من أن سكان دولة الإمارات بحاجة إلى التركيز على الحصول على قسط كافٍ من النوم للحفاظ على صحتهم العقلية والجسدية.
وقالت "ألكسندرا زاتارين"، المؤسس المشارك ونائب الرئيس للعلامة التجارية والتسويق في شركة تكنولوجيا النوم "إيت سليب": "في الإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، حيث تنتشر أنماط النوم غير المنتظمة وقلة الراحة، يُعدّ التركيز على جودة النوم أمراً ضرورياً للحفاظ على صحة الدماغ على المدى الطويل وإبطاء عملية شيخوخته. في عالم اليوم سريع الوتيرة، لا يُعتبر الاهتمام بالنوم مجرد خيار صحي أو رفاهية، بل هو ركيزة أساسية لنمط حياة متوازن واستثمار طويل الأجل في الصحة والعمر المديد. باختصار، نوعية النوم التي نحصل عليها اليوم تؤثر بشكل مباشر على حدة أذهاننا وتركيزها ومرونتها في المستقبل".
وأظهر استطلاع للرأي أُجري في وقت سابق من هذا العام، وشارك فيه أكثر من 950 شخصاً، أن 40% من سكان الإمارات ينامون أقل من 6 ساعات في الليلة، ويُعزى ذلك بشكل رئيسي إلى التوتر.
كما أظهرت دراسة حديثة أجرتها جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو أن قلة النوم يمكن أن تعادل ثلاث سنوات إضافية من شيخوخة الدماغ لدى الأشخاص في الأربعينيات من العمر. ركز الباحثون على 589 مشاركاً، كان متوسط أعمارهم حوالي 40 عاماً عند بدء الدراسة. وعندما تم فحص أدمغتهم مرة أخرى في سن 55 عاماً، تبين أن الأشخاص الذين لديهم أربع سمات نوم سيئة أو أكثر، كانت أدمغتهم تبدو أكبر عمراً بنحو 2.6 عاماً في المتوسط مقارنة بأدمغة من يعانون من سمة نوم سيئة واحدة أو لا يعانون من أي منها.
تأثير قلة النوم
وحذر الأطباء من أن نقص النوم يمكن أن يؤثر بشكل خطير على صحة الأفراد. وقال الدكتور راجيش تشودري، أخصائي طب الأعصاب في مستشفى أستر الشارقة: "إن ضعف جودة النوم أو عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم يسرّع التدهور المعرفي ويزيد من خطر الإصابة باضطرابات التنكس العصبي. خلال النوم العميق، يخضع الدماغ لعمليات ترميم حيوية، مثل التقليم المشبكي وإزالة المخلفات الأيضية، وهي ضرورية للحفاظ على شباب الدماغ وصحته".
وأكد خبراء آخرون هذه الملاحظات. وقال الدكتور همام شقاقي، استشاري أمراض الرئة في مدينة برجيل الطبية: "خلال النوم العميق، يقوم الجسم بوظائف حيوية مثل تعزيز نمو العضلات، تقوية الجهاز المناعي، وتنظيم الهرمونات. يلعب النوم الكافي أيضاً دوراً محورياً في التنظيم العاطفي، تحسين الوظائف الإدراكية، وتعزيز الوضوح الذهني. في غياب النوم الجيد، يواجه الأفراد انخفاضاً في مستوى اليقظة، ضعفاً في اتخاذ القرارات، وتدهوراً في الاستجابات المناعية".
أكد الدكتور راجيش على أهمية الحفاظ على عادات نوم صحية لضمان نوم جيد. وقال: "لتحسين جودة النوم، من الضروري الالتزام بجدول نوم منتظم. يساعد الذهاب إلى الفراش والاستيقاظ في نفس الوقت يومياً على تنظيم الساعة البيولوجية للجسم. بالإضافة إلى ذلك، فإن تهيئة بيئة مناسبة للنوم، مثل جعلها مظلمة وهادئة وذات درجة حرارة معتدلة، يعزز بشكل كبير دورة النوم الطبيعية في الدماغ".
وأشار إلى أهمية تقليل التعرض للضوء الأزرق المنبعث من الشاشات في المساء. وقال: "الضوء الأزرق يثبط إنتاج الميلاتونين، وهو الهرمون الذي يساعد الجسم على الاستعداد للنوم". وأضاف: "بدلاً من ذلك، يمكن للناس ممارسة أنشطة مهدئة قبل النوم، مثل القراءة أو التأمل، لتهدئة العقل. كما أن تجنب المنشطات، مثل الكافيين والنيكوتين، في الساعات التي تسبق وقت النوم يساعد في تجنب اضطرابات النوم. بالإضافة إلى ذلك، فإن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، خاصة في وقت مبكر من اليوم، تساهم في تعزيز النوم المريح".
دراسات الحالة
شارك الدكتور همام تجربته مع حالات مرضية تعرض فيها المرضى لتأثيرات سلبية على صحتهم العامة نتيجة اضطرابات النوم. وقال: "كان لدينا مريض شاب يعاني من ارتفاع ضغط الدم بشكل مستمر، وخصوصاً أثناء الليل، رغم صغر سنه وحالته الصحية الجيدة عموماً. وعلى الرغم من تناوله أدوية للتحكم في ارتفاع ضغط الدم، إلا أن مستويات ضغطه ظلت صعبة السيطرة".
وأظهرت إحدى الدراسات أن الرجل كان يعاني من انقطاع التنفس الانسدادي أثناء النوم، والذي تم علاجه باستخدام جهاز ضغط مجرى الهواء الإيجابي المستمر. وبدأ ضغط دمه، الذي كان من الصعب السيطرة عليه بالأدوية، في العودة إلى طبيعته دون أدوية خافضة للضغط.
واشتكت مريضة أخرى تبلغ من العمر 50 عاماً من رغبة شديدة في تحريك ساقيها، مصحوبة بإحساس بالزحف، مما جعل من الصعب عليها النوم. تم تشخيصها بمتلازمة تململ الساقين (RLS)، وتم علاجها بالأدوية. وقال الدكتور همام: "بالإضافة إلى الأدوية، تم توجيهها لتحسين عادات النوم لديها. في غضون أسابيع قليلة من بدء العلاج، تمكنت من النوم بشكل متواصل طوال الليل، وتحسنت حالتها من التعب والنعاس خلال النهار. وأفادت المريضة بأنها شعرت بمزيد من النشاط واليقظة أثناء النهار".
وأوضحت ألكسندرا أن شركة (إيت سليب) Eight Sleep، التي تنتج كبسولات النوم المتخصصة، كانت جزءاً من دراسة حديثة أظهرت التأثير الكبير للنوم الجيد. وقالت: "أظهرت دراسة حديثة شملت 54 مشاركاً استخدموا كبسولاتنا تحسناً كبيراً في جودة النوم، مع تغييرات في القلب والأوعية الدموية مماثلة لما يمكن توقعه بعد 12 أسبوعاً من التدريب الرياضي". وأضافت: "من خلال تحسين مراحل النوم وتعزيز عملية التعافي، يمكننا السيطرة على أحد أهم جوانب صحتنا. النوم ليس مجرد جزء لا مفر منه من يومنا - بل هو شيء يمكننا تحسينه والتأثير عليه بنشاط. إنه أداة بسيطة لكنها قوية يمكننا جميعاً استخدامها لتحسين حياتنا اليومية وحماية صحتنا في المستقبل".