"منتل 2024": الاحتفاء بالمبادرات الرائدة في الصحة العقلية
"وجائزة المبادرة المتميزة في مجال الصحة النفسية من المملكة العربية السعودية تذهب إلى..." يتوقف مقدم الحفل عن الكلام مثيراً فضول الحضور، بينما أجد نفسي حابساً أنفاسي. وزملائي أيضاً على أحر من الجمر، بين أمل الفوز وخوف خيبة الأمل. ثم يرفع مقدم الحفل صوته قليلاً، ويلقي نظرة سريعة على طاولتنا قبل أن يُنهي جملته بالكلمات التي طالما انتظرناها: "...برنامج "سينك" (Sync) للرفاهية الرقمية". لقد فزنا!
لقد كان ذلك ليلة حفل توزيع جوائز "منتل" (Mentl) لعام 2024، والمُقام في 22 نوفمبر بمركز "كونكت" (Connect) للمؤتمرات في مدينة إكسبو دبي. يُمكن اعتبار حفل "منتل"، الذي يُقام الآن في عامه الثاني، بمثابة "ميت جالا" للصحة العقلية في المنطقة، حيث يتضمن العديد من فئات الجوائز المتنوعة، من مبادرات الرفاهية في مكان العمل إلى الجوائز المخصصة للتأثير على الصحة العقلية المجتمعية. وقد دُعي المرشحون النهائيون للحضور بـ "ملابس أنيقة"، وهو ما فعلوه بالفعل، حيث تألق الجميع بإطلالات رائعة. أما المكان نفسه، فقد تم تجهيزه بكل عناية، حيث تضمن جميع التفاصيل التي ترتبط عادة بالفعاليات المرموقة، مثل السجاد الأحمر، والجدران الإعلامية، والإضاءة الخافتة التي أضفت على الأجواء لمسة من الفخامة.
شهدنا في الآونة الأخيرة انتشاراً واسعاً للجوائز واحتفالات توزيعها في مختلف مناحي الحياة، من الرياضة (مثل جائزة الكرة الذهبية) إلى الفنون (مثل جائزة بوكر)، ومن الأعمال التجارية (مثل جائزة الرئيس التنفيذي للعام) إلى الجوائز التي تُمنح للتأثير المجتمعي (مثل جائزة شخصية العام حسب مجلة تايم). وحتى على مستوى أقل رسمية، نجد داخل المنظمات والهيئات من جميع الأنواع عدداً لا يحصى من الجوائز، مثل جائزة "موظف الشهر"، أو لقب "ملكة حفل التخرج"، إلى جانب جوائز التقدير على المشاركة مثل "الطالب الأكثر تحسناً".
إننا نمنح الجوائز عادة للأشياء التي نقدرها كمجتمع، مثل المهارة، والفكر، والموهبة، والجهد، والجمال، وغيرها. لذا، فإن وجود حفل توزيع جوائز لتكريم أولئك الذين يُساهمون في تعزيز الصحة النفسية والعقلية يُشير إلى الاهتمام المُتزايد الذي نوليه لهذه المُبادرات في جميع أنحاء المنطقة. فلم يكن منذ وقت طويل موضوع الصحة العقلية مطروحاً للنقاش، بل كان مهمشاً وحتى مُحرماً في بعض الأحيان. وقد أجاد "عادل الفلاسي"، الفائز بجائزة بطل الصحة العقلية لعام 2023 من "منتل"، التعبير عن هذا التحول في كلمته الافتتاحية، حيث اختتمها بعبارة بليغة تؤكد على أهمية الصحة العقلية قائلاً: "لا توجد ثروة بدون صحة، ولا صحة بدون صحة عقلية".
تُعدّ احتفالات توزيع الجوائز بمثابة ملتقى يجمع بين الأشخاص الذين يشتركون في أهداف مشتركة، سواءً كانوا سينمائيين أو كُتاباً أو أشخاصاً مهتمين بتعزيز الصحة العقلية. وتساهم الجوائز واحتفالات توزيعها في خلق أو تعزيز الشعور بالانتماء إلى مجموعة اجتماعية ذات قيمة، كما لو أنها "قبيلة" يجتمع فيها الأفراد الذين يتشاركون الاهتمامات والأهداف. أما بالنسبة للفائزين بجوائز مستحقة، فإن هذا التكريم يُمثل اعترافاً وتقديراً من قِبل أقرانهم لعملهم وإنجازاتهم، ويؤكد لهم أن ما يقدمونه ذو قيمة وتأثير إيجابي.
بالنسبة للبعض، تُعدّ الجوائز بمثابة دفعة معنوية تعزز تقديرهم لذاتهم، وقد تشكّل هويتهم أو على الأقل شخصياتهم العامة. فعلى سبيل المثال، يصبح الكاتب "مؤلفاً حائزاً على جائزة"، ويُصبح الأستاذ "حائزاً على جائزة نوبل". لا شك أن الجوائز تُعزز المكانة والسمعة، وغالباً ما تجذب الدعاية الإيجابية. وما هو جيد للفرد قد يكون أفضل للفريق، فعندما تفوز منظمة بجائزة، فإن هذا عادة ما يعزز من مصداقيتها ويرفع من مكانتها. وعندما يتحول مطعم عادي إلى مطعم حائز على نجمة ميشلان، فإن أعماله تزدهر بلا شك.
كان حفل "منتل" مُتقناً لا تشوبه شائبة، وحتى الطعام كان رائعاً. لكن الشيء الوحيد الذي افتقدته في ذلك المساء هو كلمات الشكر، فلم يُتح للفائزين فرصة إلقاء كلمات شكر مرتجلة أو حتى مُعدّة مُسبقاً. أعتقد أن كلمات الشكر تُضفي على هذه الأحداث لمسة خاصة. أُدرك بالطبع أسباب عدم إدراج هذا العنصر دائماً، فكلمات الشكر قد تخرج عن السياق أحياناً، حيث قد يُسيء البعض استخدام المنصة ويُطيلون الكلام، أو يتحدثون عن أنفسهم بإسهاب، أو حتى يُطلقون انتقادات مُبطنة (أو ظاهرة) للمنافسين.
من أجمل لحظات كلمات الشكر التي لا تُنسى كانت لحظة استلام الكاتبة الراحلة "دوريس ليسنج" لجائزة نوبل للآداب في عام 2007. كانت "ليسنج"، والتي حصلت على العديد من الجوائز خلال مسيرتها الطويلة، تبلغ من العمر 88 عاماً آنذاك، مما يجعلها أكبر الأشخاص سناً يحصل على هذه الجائزة على الإطلاق. وقد تلقّت خبر فوزها وهي ذاهبة إلى منزلها في سيارة أجرة حاملة معها أغراض البقالة. وبدلاً من الانشغال بالضجة الإعلامية التي كانت تُحيط بمنزلها، اهتمت أولاً بدفع أجرة السائق وإخراج أغراضها من السيارة. ثم التفتت إلى إحدى المراسلات وقالت لها: "لقد فزت بجميع الجوائز في أوروبا، كلها! وأنا سعيدة بالفوز بها جميعاً. حسناً، إنها جائزة رويال فلاش (تقصد جائزة نوبل للآداب)، حسناً"، قبل أن تدخل المنزل وهي تحمل أغراض البقالة. يا لها من لحظة عفوية ومُلفتة!
لقد شعر فريقنا بسعادة غامرة بالفوز بجائزة "منتل"، وإذا حالفنا الحظ وفزنا مرة أخرى، نتمنى أن تتاح لنا فرصة إلقاء كلمة شكر، فالتعبير عن الامتنان ينعكس إيجاباً على الصحة العقلية، ويتوافق تماماً مع موضوع هذه الجائزة القيمة. ختاماً، أود أن أعرب عن خالص شكري لجميع القائمين على جوائز "منتل" لعام 2024، والذين ساهموا في إنجاح هذا الحدث المُميز.