عمر حلبية
عمر حلبية

الإرشاد والتدريب لبناء مستقبل مهني ناجح في الإمارات

يركز التدريب على تنمية مهارات وتقنيات محددة والإرشاد على تقديم دعم وتوجيه أوسع، يستند إلى تجارب المرشد الشخصية.
تاريخ النشر

لم يكن عمر حلبية، الذي يُعد رمزاً في القيادة التقنية والتوجيه المهني في العالم العربي، يتخيل دائماً أن مستقبله سيكون في مجال التكنولوجيا. فقد نشأ في بيروت، لبنان، وسط أسرة تضم أباً يعمل مهندساً معمارياً وأماً ربة منزل، حيث بدت الخيارات المهنية التقليدية مثل القانون أو الطب أو الهندسة هي السبيل الوحيد.

لكن لقاءً بالصدفة مع عمه، الذي كان شغوفاً بعلوم الكمبيوتر، أشعل بداخله شرارة الاهتمام. يقول حلبية: "كان يعمل في مجال التفاعل بين الإنسان والحاسوب، وكنت منبهراً بما يفعل". هذا اللقاء، إلى جانب شغفه الطبيعي بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، دفعه إلى دراسة علوم الكمبيوتر في جامعة ماكماستر بكندا، ثم متابعة دراساته العليا ليحصل على درجة الماجستير من جامعة واترلو.

بدأت مسيرة حلبية المهنية في شركة "دايركت إنيرجي"، حيث التحق ببرنامج تدريبي دوري أتاح له اكتساب خبرة متنوعة في أقسام التكنولوجيا المختلفة. بعد ثماني سنوات، تلقى عرضاً من شركة "أمازون"، فانتقل إلى سياتل وبدأ رحلة مهنية استمرت 10 سنوات مع عملاق التكنولوجيا. قبل خمس سنوات، انتقل إلى دبي، حيث يشغل حالياً منصب رئيس قسم التكنولوجيا للمدفوعات في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.

يتولى حلبية حاليًا قيادة قسم التكنولوجيا في Amazon Payments في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا
يتولى حلبية حاليًا قيادة قسم التكنولوجيا في Amazon Payments في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا

لم يقتصر تأثير حلبية على دوره في "أمازون" فقط، بل تجاوز ذلك إلى مجالات التوجيه والإرشاد المهني. فقد أدرك أهمية هذا الدور التحويلي، ليصبح صوتاً مؤثراً على منصة "لينكد إن"، حيث يشارك يومياً أفكاره حول القيادة والإدارة والتطوير المهني. يقول حلبية: "لطالما شعرت بشغف تجاه مساعدة الآخرين في تطوير مساراتهم المهنية، خاصةً بعد أن استفدت كثيراً من نصائح المرشدين خلال بداياتي المهنية. أتذكر كيف كان لتوجيهاتهم أثر عميق في تطوري، مما دفعني إلى رد الجميل من خلال مساعدة الآخرين على رسم مساراتهم المهنية بوضوح".

الإرشاد مقابل التدريب

يشير حلبية إلى الفرق بين الإرشاد والتدريب، موضحاً أن كليهما يهدف إلى التوجيه، لكن التدريب يتميز بنهج أكثر تنظيماً وعملياً، مع خطة واضحة. يقول: "عادةً ما يركز التدريب على تنمية مهارات وتقنيات محددة، حيث يقدم المدرب تمارين وملاحظات لمساعدة الفرد على تطوير هذه المهارات بشكل فعّال".

يضيف حلبية: "في المقابل، يركز الإرشاد على تقديم دعم وتوجيه أوسع، يستند إلى تجارب المرشد الشخصية. فالمرشدون يساعدون الأفراد على تقييم المواقف، واستكشاف وجهات نظر مختلفة، واتخاذ قرارات مدروسة، مما يمكنهم من تحمل مسؤولية مساراتهم المهنية. المرشدون لا يقدمون الحلول الجاهزة، بل يساعدون الأفراد على تنمية مهارات التفكير النقدي واتخاذ القرار بأنفسهم".

العثور على المرشد المناسب

للبدء في رحلة التعلم المستمر، يعتبر العثور على المرشد المناسب أمراً أساسياً. وينصح حلبية قائلاً: "كن يقظاً في أماكن عملك. لاحظ الأشخاص الذين يلهمونك، والذين يتوافق أسلوبهم القيادي مع أسلوبك، والذين يبدو أنهم يحملون الصفات التي تعجبك".

عند التعامل مع مرشد محتمل، يؤكد حلبية على أهمية التواصل الواضح. ويضيف: "حدد ما ترغب في تحقيقه. كن واضحاً في أهدافك واشرح لماذا تعتقد أن هذا الشخص لديه الخبرة والمعرفة التي تجعله قادراً على تقديم رؤى مفيدة. أظهر أنك قمت بالبحث عن خلفيته وفهمت تجربته".

كيفية التعامل مع المرشد

لكي تنجح عملية الإرشاد، يجب أن تكون مدروسة وتحترم وقت الجميع. ينصح حلبية بالتوجه إلى المرشدين المحتملين بأهداف واضحة وأسباب مقنعة لطلب إرشادهم. وتقول: "هذا يظهر الجدية والاحترام، مما يزيد من فرص بناء علاقة مفيدة".

كما يوصي حلبية باتباع نهج مرن في جدولة جلسات الإرشاد. ويقترح قائلاً: "بدلاً من عقد اجتماعات منتظمة، احتفظ بقائمة مستمرة من الأسئلة أو التحديات. تواصل عندما يكون هناك شيء محدد لمناقشته. هذا يضمن أن تكون التفاعلات هادفة ومنتجة، ويجنبك فخ الاجتماعات التي تفتقر إلى التركيز".

من المبادئ الأساسية الأخرى أن تُعتبر المرشدين أدوات للتشاور وليس صناع قرارات. يوضح حلبية قائلة: "المرشدون يقدمون مدخلات بناءً على خبراتهم، ولكن المسؤولية النهائية في اتخاذ القرار تقع على عاتقك. على سبيل المثال، إذا كنت تفكر في تغيير مسارك المهني، يمكن للمرشد مساعدتك في تقييم الإيجابيات والسلبيات، لكن القرار النهائي سيكون دائماً بيدك. لا يمكنك السماح لأي شخص آخر باتخاذ هذا القرار نيابة عنك".

الإرشاد في دولة الإمارات

لقد أدى التطور السريع في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تكوين قوة عاملة تطمح للتوجيه وتسعى لبناء اقتصاد قائم على المعرفة. ومع ذلك، لا تزال الإمارات تفتقر إلى أطر إرشاد منظمة، كما يقول حلبية، الذي يؤكد على أهمية زيادة الوعي بقيمة الإرشاد، خاصة بالنسبة لأولئك الذين لم يجربوه بعد. ويضيف: "بمجرد أن تجد مرشداً، لن تحتاج إلى إقناعه. التحدي يكمن في الوصول إلى أولئك الذين لم يختبروا هذا النوع من الدعم".

في إطار جهوده لسد هذه الفجوة، استخدم حلبية لينكد إن كمنصة لمشاركة الأفكار والنصائح. يقول: "لقد بدأت بالنشر على لينكد إن منذ حوالي عامين. كان الهدف في البداية توسيع تأثيري خارج مؤسستي، لكنه أصبح طريقاً ذا اتجاهين. تعلمت كثيراً من المدخلات التي تلقيتها، سواء كانت تتعلق بالتحديات التي واجهها الآخرون أو الاستراتيجيات التي وجدوا أنها ناجحة".

لقد كشف هذا التواصل الرقمي عن طلب كبير على الإرشاد والتوجيه. وتقول حلبية: "إن العدد الكبير من الأشخاص الذين يطلبون الإرشاد يبرز أهمية هذا المجال. لكنه أيضاً يشير إلى حجم العمل الذي لا يزال يتعين علينا القيام به لزيادة الوعي وتوفير المعلومات اللازمة".

التحديات التي تواجه المهنيين الشباب

يواجه المهنيون الشباب في الإمارات وحول العالم تحديات فريدة، مثل التغيرات الوظيفية المتكررة، والتنقل بين بيئات العمل المختلفة، والتخطيط للمستقبل المهني. يقارن حلبية المهنة بالاستثمار طويل الأجل، مشيراً إلى أهمية التخطيط الاستراتيجي والجهد المستمر. ويعترف قائلاً: "في بداية مسيرتي المهنية، كنت غالباً ما أتخذ قرارات قصيرة الأجل. لكن مع مرور الوقت، أدركت أهمية التفكير بشكل مستقبلي. يجب أن تجهز كل خطوة للخطوة التالية".

تعتبر هذه العقلية الاستراتيجية ذات قيمة خاصة في منطقة حيث الفرص كثيرة لكنها غالباً ما تكون مصحوبة بمخاطر عالية. يقول حلبية: "قد تبدو القرارات المهنية مرهقة، ولكن المرشد يمكنه تقديم المنظور اللازم لتقييم الخيارات والتخطيط بشكل فعال. الأمر يتعلق برؤية الصورة الكبيرة على المدى الطويل".

الذكاء الاصطناعي وسوق العمل

بينما تكافح الصناعات حول العالم للتعامل مع تأثير الذكاء الاصطناعي، يظل حلبية متفائلاً بشأن إمكانات هذه التكنولوجيا في تعزيز الإرشاد والتطوير المهني. يقول: "يمكن للذكاء الاصطناعي تخصيص التعلم على نطاق واسع، مما يفتح الفرص لتقديم إرشادات مخصصة لعدد كبير من الأشخاص، وهو أمر كان مستحيلاً في الماضي".

يعتقد حلبية أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعزز الإرشاد التقليدي بشكل كبير من خلال أتمتة بعض جوانب التوجيه المهني. ويضيف: "تخيل وجود أداة ذكاء اصطناعي تساعد في تحديد فجوات المهارات وتوصي بخطط تطوير موجهة. يمكن أن يتيح ذلك للمرشدين التركيز على محادثات أعمق وأكثر دقة".

لكن التكنولوجيا الحديثة تفرض أيضاً تحديات فريدة على المهنيين الذين يدخلون سوق العمل اليوم، خاصة القلق الناتج عن تطورها السريع. ويضيف حلبية: "أعتقد أن التكنولوجيا ستستمر في التطور وتخلق فرصاً جديدة. والمفتاح هو تبني التعلم المستمر وتطوير المهارات باستمرار للتكيف مع المشهد المتغير. ستحل الذكاء الاصطناعي محل بعض المهام، لكنها ستخلق أيضاً أدواراً جديدة وتتطلب مهارات مختلفة".

ورغم اعترافه بالاضطرابات التي قد يسببها الذكاء الاصطناعي، يؤمن حلبية بقدرة البشر على التكيف. ويقول: "الإنسان بطبعه مرن. ومع التعلم المستمر، يمكننا مواجهة التحديات الجديدة وخلق قيمة. نحن بحاجة إلى التركيز على تطوير المهارات البشرية مثل الإبداع، والتفكير النقدي، والتواصل، والذكاء العاطفي، وهي مهارات يصعب على الذكاء الاصطناعي تقليدها".

وهنا يأتي دور الإرشاد في المستقبل، كما يقول حلبية. ويضيف: "الإرشاد هو الجسر الذي يربط بين الإمكانات والإنجاز. وكلما استثمرنا في الإرشاد، أصبحنا أكثر استعداداً لمواجهة تحديات المستقبل. إنه مفيد للأفراد والمؤسسات والمجتمع ككل".

Khaleej Times - Arabic Edition
www.khaleejtimes.com