الحفاظ على عقلية إيجابية طوال الوقت مرهق للغاية
الحفاظ على عقلية إيجابية طوال الوقت مرهق للغاية

الإيجابية السامة تؤثر سلباً على الصحة النفسية

ممارسة فعل الامتنان مخرج حقيقي من أزمة تجاهل الخبرات السيئة
تاريخ النشر

بالنسبة لـ"عائشة كور"، وهي وافدة سنغافورية تعيش في الكويت منذ 27 عاماً، كانت الضغوط التي تدفعها إلى "البقاء متفائلة دائماً" تبدو في يوم من الأيام الطريقة الوحيدة للتغلب على تحديات الحياة. وكانت محاولاتها الجادة للحفاظ على عقلية إيجابية طوال الوقت مرهقة للغاية.

وتقول: "كنت أتعمد تجنب المشاعر السلبية وإقناع نفسي بأن "كل شيء على ما يرام"، حتى عندما لم يكن الأمر كذلك. اعتقدت أنني قوية. تجنبت المحادثات العميقة وابتعدت عن الضعف. لم أسمح لنفسي بمعالجة الأمر أو الاعتراف بما أشعر به حقاً. جعلني ذلك أشعر بالانفصال والقلق والإحباط دون فهم السبب. لم أكن سعيدة بل كان ذلك مجرد تخدير".

ولم تدرك كور أنها تمارس الإيجابية السامة إلا بعد أن بدأت رحلتها مع "ماجدة سنودن"، خبيرة المرونة العقلية التي تعمل في الإمارات العربية المتحدة منذ ست سنوات.

وتقول المسعفة البريطانية في مجال الصحة العقلية ومدرب القيادة وإدارة الفريق: "إن الإيجابية السامة تتجاهل أو تنكر المشاعر السلبية، مما يدفع الأفراد إلى التفكير الإيجابي في جميع الأوقات، مما يؤدي غالباً إلى صراع داخلي. إنها تمنع الناس من معالجة الأسباب الجذرية للتحديات التي تواجههم والخوض في مشاعرهم بشكل كامل".

ومن عجيب المفارقات أنه عندما يحرم الناس أنفسهم من اختبار المشاعر السلبية ويفرضون على أنفسهم الإيجابية فإنهم يعلقون في حلقة سلبية. وبدون معالجة "المشكلة الواضحة"، تتفاقم السلبية وتنمو إلى الحد الذي يجعلك عاجزاً عن الاعتراف بها والعمل على تجاوزها.

وتقول سنودن: "إن الإيجابية السامة تدفع إلى الاعتقاد بأن عدم التفاؤل الدائم يعني أنك تفعل شيئاً خاطئاً. كما أنها تخلق شعوراً بالخزي عند مواجهة مشاعر طبيعية تماماً مثل الحزن أو الإحباط. وبمرور الوقت، يمكن أن يؤثر هذا سلباً على الصحة النفسية ويؤدي إلى الشعور بالاستنزاف وعدم الرضا وحتى الاكتئاب، حيث يشعر الناس بأنهم مجبرون على "التظاهر بالإيجابية".

عائشة كور
عائشة كور

وقد أوضحت سنودن كيف يمكن للامتنان أن يساعد في كسر هذه الدائرة السامة من خلال السماح للنفس بالحصول على تجربة عاطفية مكتملة أكثر. فهو يشجع الأفراد على إدراك الجوانب الإيجابية مع السماح للنفس باختبار مجموعة كاملة من المشاعر الحقيقية. ويتطلب ممارسة الامتنان جهداً ووعياً بصورة متعمدة. إنه أداة عاطفية قوية لإحداث التغيير، وليس للتفاؤل الأعمى. وتعمل ممارسة الامتنان بشكل أفضل عند تطبيقه باستمرار واقترانه بالعمل، فهو يساعد الناس على إدراك الحاضر والمضي قدماً مع وجود هدف.

وأضافت أن "الامتنان يعزز المرونة والتوازن العاطفي والرفاهية على المدى الطويل. وهو يعد صحياً أكثر لأنه يتضمن الصدق العاطفي والرفق بالذات، وهما أمران ضروريان للمرونة العقلية والصحة النفسية بشكل عام".

تعلمت كور في عملها مع سنودن، عن الامتنان بوعي - وهي ممارسة كان لها تأثير كبير على صحتها النفسية والعاطفية.

إن الامتنان بوعي، كما أوضحت كور، يتعلق بـ "اختبار مشاعري كاملة سواء كانت إيجابية أو صعبة. لقد توقفت عن التسرع في "إصلاح" المشاعر غير المريحة بالتفاؤل وبدأت بدلاً من ذلك في مواجهة تلك المشاعر والتعلم منها".

وتستخدم كور دفتر الامتنان لتكتب به كل ما تشعر بالامتنان بشأنه في لحظة ما والتحديات التي تواجهها. ساعدها هذا التمرين على إعادة صياغة التحديات باعتبارها فرصاً للنمو دون إنكار الثقل العاطفي الذي تحمله.

ماجدة سنودن
ماجدة سنودن

ومع تحول نهج التفكير لدى كور، يبدو التأثير واضحاً في شعورها بالعطف على الذات والقدرة على الصمود.

وتوضح: "من خلال ممارسة الامتنان بوعي، تعلمت أن أكون أكثر تقبلاً لنواقصي وتحدياتي. أركز على ما يسير على ما يرام دون تجاهل اللحظات الصعبة. ساعدني هذا التوازن على تخطي العقبات بمزيد من الوضوح وحكم أقل على الذات. المرونة لا تعني عدم السقوط أبداً - بل تعني أن تسمح لنفسك باختبار تلك المشاعر ومواجهتها والنهوض مرة أخرى بعزيمة أقوى."

توازن جيد

وأوضحت سنودن كيف أن التوازن بين الامتنان والنمو غالباً ما يكون غير مفهوم.

"إن أحد المفاهيم الخاطئة الشائعة حول الامتنان هو أنه يمنعك من رؤية المجالات التي تحتاج إلى التحسن بها أو يمنعك من السعي لتحقيق المزيد - إذا كنت ممتناً لما لديك، فسوف تشعر بالرضا. لكن الدراسات تظهر أن الامتنان لا يعني الاستسلام. إنه يخلق أساساً من الإيجابية التي تمكن الأفراد من اتخاذ القرارات والعمل من منطلق الإدراك بدلاً من النقص."

وبالنسبة لمكان العمل، قالت سنودن - التي عملت مع عملاء من مختلف القطاعات - "عندما ينشر القادة ثقافة ممارسة الامتنان، فإن ذلك يعزز الأمان النفسي ويخلق بيئة داعمة. كما يجب تجنب الوقوع في فخ الإيجابية السامة من خلال الاعتراف بوجود التحديات مع ممارسة الامتنان لمساعدة فرق العمل على التغلب عليها".

كما كان لنهج كور الجديد في التعامل مع الامتنان تأثير مضاعف على علاقاتها المهنية كمديرة للتسويق والمبيعات في قطاع الرعاية الصحية. تقول كور: "أجد أنني أصبحت أكثر حضوراً وتعاطفاً في تفاعلاتي وأدرك كل ما هو جيد وسيء، الأمر الذي عزز علاقاتي وخلق مجالاً للثقة بين زملائي. لقد ساعدني الامتنان على القيادة بمزيد من الثقة".

وتؤكد سنودن على أن الامتنان، عندما يُمارس بوعي، يُحدث تحولاً. "إنه يبني المرونة، ويقلل من التوتر، ويعزز عقلية موجهة نحو النمو. ومن المهم جداً هو الاستمرار به وجعل الامتنان ممارسة تتم لا شعورياً".

دليل سريع للامتنان بوعي

إذا كنت تفكر في ممارسة الامتنان بوعي، فإليك بعض النصائح لمساعدتك على البدء:

تقبل كل المشاعر: بدلاً من تجاهل المشاعر السلبية، اسمح لنفسك باختبارها ومواجهتها. إن ذلك يخلق مرونة عاطفية ويؤدي إلى المزيد من الامتنان الحقيقي.

عدم إصدار الأحكام: تقبل المشاعر دون تصنيفها على أنها "جيدة" أو "سيئة". من خلال القيام بذلك، فإنك تفتح لنفسك مجالاً للتعلم من تجاربك، بدلاً من مقاومتها.

تنمية الوعي بالحاضر: يؤكد الامتنان بوعي على الحضور الكامل. فبدلاً من إجبار نفسك على الشعور بالامتنان لكل شيء، ركز على الجوانب الصغيرة ذات المعنى في الحياة والتي تقدرها حقاً.

أعد صياغة الصعوبات، لا تنكرها: بدلاً من إنكار الصعوبات، قم بإعادة صياغتها لتساعدك على النمو أو لتقدم لك وجهات نظر جديدة. سيساعدك ذلك على إدراك أن التحديات هي فرص للتعلم دون تجاوز الصراع.

الامتنان كممارسة وليس التزاماً: بدلاً من الشعور بالضغط من أجل أن تكون ممتناً دائماً، تعامل مع الامتنان كممارسة مقصودة. إن ذلك سيسمح لك بالتعبير عن الامتنان بصدق لا من منطلق الشعور بالواجب.

Khaleej Times - Arabic Edition
www.khaleejtimes.com