الجيل زد يتحدى التكنولوجيا: القراءة كوسيلة للنجاة
لعلّ الهاجس الذي راودني بعد استماعي للبودكاست الرائع "تم بيع قصة" (Sold a Story)، أو ربما صور أولئك الطلاب الذين افتقروا لثقة القراءة في صفي للغة الإنجليزية بالمدرسة الثانوية، هي التي دفعتني للتيقن بأهمية قضاء بعض الوقت مع الجيل زد الأصغر سناً.
أيقنت ضرورة ذلك عندما أدركت اقتراب نهاية مواليد الجيل ألفا، وأن أصغر أبناء الجيل زد قد بلغ الرابعة عشرة. لقد صُدمت بهذا الإدراك، فها أنا ذا أصبحت شخصاً بالغاً، بعد أن كنت طفلاً يعتقد أن الأمر سيكون مختلفاً تماماً.
أثناء حديثي مع صديقي، وهو معلم في إحدى المدارس الثانوية هنا في كندا، تسللت إلى نفسي بعض المخاوف حول حال الأطفال هذه الأيام. هل ما زالوا يجدون متعة في القراءة، أم أن وسائل التواصل الاجتماعي قد استحوذت على عقولهم؟ هل وقعوا جميعاً في فخ إدمان السجائر الإلكترونية بنكهة اللبان الوردي؟"
ونظر إلي المعلم مباشرة وقال: "الأطفال بخير".
وبغض النظر عن أنني وقعت في نفس الفخ الذي وقعت فيه الأجيال السابقة، فقد أكد لي أن الأطفال الآن لا يختلفون عن أسلافهم. وأضاف: "إنهم يتخلون عن وسائل التواصل الاجتماعي وهواتفهم كلياً".
ثم أخبرته بالأسباب التي دفعتني للاعتقاد بغير ذلك، مستشهداً بأن التواصل الذي تتيحه وسائل الإعلام الاجتماعية قد جعل الجميع على دراية تامة بأهوال العالم. ولكن بدلاً من مناقشتي، اكتفى بعرض البيانات عليّ.
مع أنني لست بارعاً في قراءة جداول البيانات، إلا أنني دائماً ما أجد في البيانات المُحدّدة بدقة مصدراً للراحة. فالرسوم البيانية والمخططات تشبه لعبة أفعوانية مثيرة، أستمتع بركوبها وسط فوضى الأرقام. "لا يقرأ الأطفال أكثر أو أقل مما مضى، والمراهقون أقل اهتماماً بوسائل التواصل الاجتماعي مما كنا نعتقد."
"إنهم يستخدمونها على النحو المُراد."
وعلى الرغم من الدعم المتزايد من الأجيال التي سبقته، جيل طفرة المواليد الذي ذاق طعم الانتصار، والجيل إكس الذي واجه أزمة 2008، وجيل الألفية اللامبالي، إلا أن جيل زد قد يفضّل الاعتماد على نفسه في صياغة مسار مختلف.
في كل موضوع تناولته، يتّضح أنّ هذا النوع من التضامن بين الأجيال يُعدّ أساسياً لمعالجة المشاكل التي يواجهها العالم. فمع ظهور الذكاء الاصطناعي، نشهد عصراً جديداً من التضليل المعلوماتي، بالإضافة إلى تحديات تغير المناخ، وتفاقم فجوة الثروة، واستمرار عدم المساواة بين الجنسين، ناهيك عن جرائم الإبادة الجماعية التي تدعمها معظم دول الغرب العالمي. ولكن، ربما لن يكون من الصعب بناء إجماع بين الأجيال لمواجهة هذه التحديات.
لقد أصبح العالم قرية صغيرة بفضل الإنترنت، وهو يزداد صغراً يوماً بعد يوم. وبات التقدم والعدالة يلامسان واقعنا خارج جدران المؤسسات التي شُيّدت في أعقاب فظائع الحرب العالمية الثانية ومحرقة الهولوكوست، وهما يعملان كما ينبغي لهما.
وفي الوقت نفسه، يشهد العالم تحولاً في مفهوم القوة الاقتصادية، من التنافس والقمع إلى التعاون القائم على العلم لمواجهة تهديدات تغير المناخ، وإعادة بناء سلاسل التوريد التي تعطلت بسبب جائحة كوفيد-19. كما نشهد تحولاً آخر في الجنوب العالمي، من التعامل مع قوى الرأسمالية الغربية إلى تجربة شراكات جديدة مع دول آسيا والشرق الأوسط، كما كان الحال قبل أن تُصدّر أوروبا صراعاتها إلى مستعمراتها.
بصفتي فرداً من الجيل زد، أدرك عجزي عن اتخاذ القرارات الشاملة اللازمة لتغيير العالم بالطريقة التي يغيّرها بها الجيل إكس الآن. لذا، أشعر بضرورة إعادة بناء المجتمع المدني الذي مزّقته شبكة الإنترنت والرفض المتزايد للاتفاقيات الدولية.
بتضافر جهود الجيل زد والجيل ألفا، يمكننا التواصل معهم فكرياً وثقافياً، ومع أطفالنا في المستقبل من الجيل بيتا والأجيال اللاحقة، قد يصبح من الممكن الاتفاق على القضايا الثقافية والاجتماعية، مع تشجيع الحوار البنّاء حول القضايا المهمة.
أشعر بتفاؤل كبير، وكل ذلك لأن الأطفال ما زالوا قادرين على القراءة.